الهاني : حوار الفخفاخ صريح وموفّق ولكن شابته 3 شوائب

الهاني : حوار الفخفاخ صريح وموفّق ولكن شابته 3 شوائب

خلّف الحوار الذي أجراه رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ ليلة أمس الأحد 14 جوان 2020 عديد التعاليق خاصة حين تناول ملف متابعة التونسيين الموضوعين في الحجر الصجحي الإجباري عبر شرائح هواتفهم الجوالة .

وقد علّق الناشط السياسي ورئيس حزب المجد عبد الزهاب الهاني على حوار رئيس الحكومة كما يلي :

حوار صريح وموفَّق ولَكِن شابته ثلاثة شوائب (التَّجَسُّس واسع النَّطاق بدون إطار قانوني في غياب رقابة القضاء، صراع المصالح في امتلاك أسهم في شركة بيئيَة، غموض دواعي تنقيح الفصل 96 من المجلَّة الجزائيَّة وشبح شرعنة قانون المصالحة الاقتصاديَّة في وقت يستعد فيه رئيس الجمهوريَّة لتقديم مبادرة تشريعيَّة لنقضه) تتطلَّب تعديلا وإصلاحا قبل أن تلتهم من رصيد الثِّقة الَّتي تتطلَّبه الحكومة لإدارة الشَّان العام واستئناف مسار الإصلاح:

ـ أوَّلا: تأكيد رئيس الحكومة وانتشائه بأنَّ أجهزة الدَّولة استعانت بتكنولوجيا المعلومات، في الحرب على جائحة كورونا، لتحديد أماكن تواجد التُّونسيِّين عبر شرائح الهاتف..

وذلك في غياب تام لأيِّ إطار قانوني وفي غياب استشارة أو حتَّى إشعار الهيئة الوطنيَّة لحماية المعطيات الشَّخصيَّة، وإعلان رئيسها عدم علمها بالموضوع اصلا قبل حوار رئيس الحكومة..

وهو ما يتطلَّب تصحيح هذا الوضع بمنع أيِّ تجسُّس على المواطنين في غياب الأطر القانونيَّة الواضحة الَّتي تحفظ حُرُمات الخصوصيَّة وحماية المعطيات الشَّخصيَّة من جهة ومقتضيات الأمن القومي، وفي كل الحالات تحت رقابة القضاء..

ـ ثانيا: تأكيد رئيس الحكومة أنَّه لا يرى أيَّ تضارب للمصالح بين وظيفته في رئاسة الحكومة وامتلاكه أسهما في شركة بيئيَّة تتعاقد مع مؤسَّسات الدَّولة والجماعات العموميَّة المحلِّيَّة..

وهو ما يتطلَّب التَّفرُّغ التَّام لرئيس الحكومة لوظائفه السَّامية وسحب لكلِّ الأسهم الَّتي يملكها وبالأخصِّ في شركات تتعاقد مع الدَّولة والجماعات العُموميَّة المحلِّيَّة لتفادي صراع المصالح..

وله ولنا خير دليل ومثال في القانون والفقه المقارن، وعلى سبيل المثال في تجربة وزير "الماليَّة والاقتصاد والصِّناعة" الفرنسي الأسبق تياري بروتون (Thierry Breton) الَّذي باع كلَّ أسهمه في شركة "فرنسا للاتِّصالات" (France Télécom، Orange) الَّتي كان يرأسها، وذلك يوم تولِّيه المنصب الوزاري سنة 2005 وإعلان قيمة الأسهم والأرباح في ندوة صحفيَّة على رؤوس الملأ، كما قام مؤخرَّا في سنة 2019 ببيع كلِّ أسهمه في شركة آتوس (Atos) الَّتي كان يرأسها وفي كل الشَّركات الَّتي كان مساهما فيها قبل تقديم ترشُّحه للموفوَّضيَّة الأوروبيَّة ومن ثمَّ تعيينه في منصب "المفوَّض الأوروبي المكلَّف بالسِّياسة الصِّناعيَّة والسُّوق الدَّاخليَّة والرَّقمنة والدِّفاع والفضاء"، لتفادي أيَّ صراع للمصالح محتمل وأيَّ إدراك عمومي أو بداية خطر أو شبهة في المجال..

ـ ثالثا: إصرار رئيس الحكومة على تدشين مشاريع الإصلاح بتنقيح مُسقَط وغير مُقنِع للفصل 96 من المجلَّة الجزائيَّة المتعلِّق بمخالفة التَّراتيب والإضرار بمصالح الدَّولة من طرف الموظَّف العمومي، بحصره في حالة تحقيق منفعة خاصَّة للموظُّف العمومي، عكس التَّوجُّه القانوني لعان والفقه المقارن الَّذي يجرٍّم الإضرار بالصَّالح العام سواء توفَّر ركن تحقيق المنفعة الخاصَّة أم لا ..

حيث لا تزال صفقة الكمَّامات المشبوهة تثير الكثير من الجدل حول الدِّفاع غير الموفَّق لرئيس الحكومة عن تورُّط وزير الصِّناعة في مفاهمات مع نائب في البرلمان لتقوم الشَّركة الخاصَّة للأخير حصريًّا بتصنيع الكمَّامات والحصول على المواصفات الفنِّيَّة قبل غيره.. فلا مبرِّر يستعجل اليوم النَّظر في الفصل 96 كمقدِّمة للإصلاحات..

وأيُّ طرح للموضوع اليوم يكون بالإمكان فصله عن دفاع رئيس الحكومة غير الموفَّق عن وزيره المثير للجدل وعن الصَّفقة المشبوهة الَّتي تعهَّد به القضاء والبرلمان بعد الرَّأي الواضح للهيئة الوطنيَّة لمكافحة الفساد الَّتي أدانت الصَّفقة بوضوح تام وبدون مواربة..

كما أنَّ أيَّ تنقيح لهذا الفصل باتِّجاه التَّخفيف أو التَّساهل مع الإضرار بالصَّالح العام وبالمال العام سيثير من جديد حفيظة قطاعات واسعة من الرَّأي العام الَّتي ثارت على "قانون المصالحة الاقتصاديَّة" الَّذي بني تقريبا على نفس المقاربة الَّتي تريد الحكومة تعميمها وشرعنتها اليوم..

خاصَّة وأنَّ قانون المصالحة الاقتصاديَّة كان ولا يزال محلَّ نقد وطني واسع وصل حدَّ التَّشهير به علنا من طرف سيادة رئيس الجمهوريَّة في أكثر من مناسبة رسميَّة من بينها اجتماعات مجلس الأمن القومي، والإعلان عن مبادرة تشريعيَّة لنقضه واستبداله بآليَّات أكثر شفافيَّة وصرامة في الحفاظ على الصَّالح العام وعلى المال العام..

وهو ما يتطلَّب سحب شروع التَّنقيح وفتح استشارة وطنيَّة واسعة حول مضمونه لضمان الموائمة بين الصَّرامة في الدَّفاع عن الصَّالح العام وعن أموال المجموعة الموطنيَّة وكفالة حقوق الموظَّف العمومي وحمايته من الحيف وتوظيف القانون لتصفية الحسابات وتحفيز روح المبادرة الإيجابيَّة لديه، وذلك ضمن مقاربة أشمل لمحاربة الفساد واستشارة الهيئة لوطنيَّة لمكافحة الفساد وقبل ذلك وكلِّه انتظار مبادرة رئيس الجمهوريَّة لعدم إفراغها من محتواها اتسباقيًّا..

إصلاح هاته الشَّوائب الثَّلاث سيساهم بدون أدنى شك في بناء وتدعيم جسور الثِّقة الَّتي ينشُدها رئيس الحكومة وكل الخيِّرين لإنقاذ تونس من شوائب الحكم السَّابقة ومن الآثار الكارثيَّة لجائحة فيروس كورونا على بلادنا..

وفي ذلك فليتنافس المتنافسون..

التعليقات

علِّق