عدوان إسرائيل على غزة: كيف بدأت إسرائيل تخسر حرب الدعاية

عدوان إسرائيل على غزة: كيف بدأت إسرائيل تخسر حرب الدعاية

هل حققت إسرائيل فعلا كما تقول أهدافا "استثنائية" من خلال ضرباتها الجوية على غزة؟ هذا ما يقوله وزيرها الأول. وما تبرز عكسه تصريحات أخرى. إذ أن الأحداث الأخيرة في غزة بينت محدودية المجهود الدعائي لإسرائيل. بفضل نزول الشبكات الاجتماعية ضيفة على الصراع وبسبب فظاعة الجرائم التي اقترفتها إسرائيل. لقد انقلب السحر على الساحر.
يا ترى من نصدق؟ هل نصدق الوزير الأول الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما أكد يوم 21 ماي 2021 أن الجيش الإسرائيلي حقق أهدافا "استثنائية" في حربه على المقاومة الفلسطينية في غزة أم الطيار في الجيش الإسرائيلي المشارك في هذه الحرب وبعد يوم واحد من تصريح نتنياهو الذي يقول إن نسف الأبراج السكنية خلال العدوان على القطاع "كان طريقا للتنفيس عن إحباط الجيش بعد إخفاقه في وقف إطلاق الصواريخ" من غزة. الجواب؟ ما من شك أن خطاب رئيس وزراء إسرائيل ومن دون إخفاء الخسائر الفلسطينية والضربات التي توجهت للمقاومة ينصهر في إطار الدعاية التي عودتنا بها إسرائيل.
يقول يحي السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة في ندوة صحفية نظمها يوم 26 ماي 2021 و في جوابه عن تصريحات نتنياهو   أن الأضرار في أنفاق غزة وما تسميه إسرائيل مترو غزة لم تصل حتى إلى 5 في المائة. مؤكدا أنه تفقد الأمر بنفسه.
فقد سبق أن قال نتنياهو وقبل أن يصل إلى الحكم أنه سيقوم بتدمير قوات المقاومة في غزة إن عين على رأس الحكومة. ولكنه لم يفلح في حربه الأولى سنة 2009. وأعاد نفس التصريح و دون جدوى خاصة سنتي 2012 و2014. ولكن ذاكرة الإسرائيليين على غرار كثير من الشعوب قصيرة.
إنها بالفعل عمليات ما يسمى ب"قصف العقول" و التي تتمثل في محاولة إقناع الرأي العام بشيء ما مثل النجاحات والإخفاقات أو الحقوق أو كذلك تغيير السلوكيات حسب الحالة غاية التأثير و إبراز ما يتم اعتباره الصواب بعينه (أنظر في هذا المجال "فيليب تيلور- قصف العقول – الدعاية للحرب منذ العالم القديم حتى العصر النووي – سلسلة عالم المعرفة- الكويت- 1990).
"وصمة عار"
وقد تفنن الإسرائيليون في هذا القصف باستعمال كل أدواته بما في ذلك الكذب والضحك على الذقون. وهم يعيدون الكرة ولكن الأوضاع ما انفكت تتغير وتفشل كثيرا من مساعيهم مثلما هو الحال بالنسبة إلى الحرب الأخيرة على غزة والتي أطلقوا عليها "حراس الأسوار" و هي تسمية تشبه اسم المنظمة العنصرية "حراس الهيكل" التي أسست قبل سنوات بهدف تهويد الحرم القدسي الشريف وبناء "الهيكل" على أنقاضه.
وبالفعل فإن المجهود الدعائي الذي أراد من خلاله الإسرائيليون تبيين أحقيتهم وقدرات جيشهم "الذي لا يقهر" كذبته الوقائع الميدانية التي أبرزت أن المقاومة قادرة على أن تضرب "تل أبيب و ما أبعد من تل أبيب". حسب المقولة التي استخدمها حزب الله اللبناني في صائفة 2006 خلال حرب تموز.
و في الحروب أحداث كثيرة بقت شاهدة على الدعاية الكاذبة و من أبرزها اتهامات وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية كولين بأول في الحرب الأمريكية على العراق سنة 2003 عندما عرض أمام مجلس الأمن الدولي بيانا مدعوما برسوم توضيحية " تم من خلاله تحويل أسطول من الشاحنات في العراق إلى مختبرات كيميائية ومخابئ للأسلحة البيولوجية." وهي صور تبين بعد ذلك أنها تجانب الحقيقة تماما وقد اعترف المعني بالأمر بذلك قائلا وبعد فوات ألوان سنة 2005 أن هذا البيان يعد "وصمة عار في حياته المهنية".
وفي هذه الحالة كغيرها كثيرا ما تجري في نهاية الأمر الرياح بما تشتهي السفن. فالمتمعن في الحرب الأخيرة على غزة يتبين بوضوح أن دولة إسرائيل لم تفلح في دعايتها على الأقل كما كانت تتمناه ويتوقع الكثيرون من الخبراء أنها وعلى العكس من ذلك شوهت صورتها وفضحت تصرفاتها.
وقد أشارت بعض المقالات الصحفية بما فيها في الولايات المتحدة الأمريكية أن من الأسباب وراء هذا تعود في جانب كبير إلى الدور الذي لعبته الشبكات الاجتماعية بالرغم من كل ما قيل فعلا حول انحياز بعضها لفائدة إسرائيل وصل إلى حد التعتيم بأساليب مختلفة.
مشهد إعلامي مفتوح
وأبرزوا في هذا المجال جانبين إثنين. الأول يتعلق بالاستخدام الواسع من قبل الفلسطينيين لهذه الشبكات. و قد كثر الحديث عن التواجد الفلسطيني بقوة في مواقع مثل "الأنستراغرام" و ال "تيك توك" باستعمال الفيديوهات التي تنقل أحداث و وقائع تخاطب الحواس.
والثاني يتعلق بقدرة هذه الشبكات على إلغاء كل الوساطات التي كانت تمارسها وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف الورقية والإذاعة والتلفزيون التي يمكن لها أن تسرب ما تشاء وتحجب ما تشاء من مضامين. وذلك بفضل التشبيك أي أنها اخترقت هذا المنوال الكلاسيكي فيكفي أن يكون عنصرا فقط غير صديق للرؤى الإسرائيلية ينتمي إلى شبكة ما ليروج ما يخالف مصالحها. وهو أمر قد يساعد في تغيير عديد الأوضاع في إدارة الأزمات في الشبكات الاجتماعية التي من الممكن أن تصبح مؤثرة بأكثر قوة في ظل تطورها الزاحف قياسا بوسائل الإعلام التقليدية.
ولعل الأهم في كل هذا هو أن الشيء الذي أضر بإسرائيل يبقى سلوكيتها الظالمة والا إنسانية التي لا يمكن إخفائها في مشهد إعلامي مفتوح بفضل تعدد مسالك التوزيع العابر للقارات مثل الهوائيات والبث عبر الأنترنات والكابل وكثرة التلفزيونات والإذاعات التي بنت جانبا من بثها على الإعدادات.
تحول "جذري ومزلزل"
فصور الأبراج التي تتهاوى وجثامين الأطفال والنساء التي ترفع في شوارع غزة وصور تدمير المرافق الأساسية أو العنف الذي تمارسه الشرطة الإسرائيلية المدججة بالسلاح على متظاهرين لا يحملون في أفضل الحالات إلا الحجارة بقت في ذهن الكثيرين.
كما أن طفو القضية الفلسطينية على ساحة الأحداث شجع على إبراز مواضيع كثيرة تتعلق باحتلال عنصري يتم التفريق فيه بين مواطني الدولة الواحدة. وقد تحدثت صحيفة أمريكية واسعة الانتشار وهي «كريستيان ساينس مونيتور" في أحد نشراتها الأخيرة عن وضعية غريبة تتمثل في وجود فرق في إسرائيل بين المواطنة والجنسية. فالمواطنة تعني أن ساكن البلاد هو إسرائيلي في حين أن هذا الأخير له حقوق وواجبات مختلفة حسب جنسيته (يهودي و عربي و درزي و...).
وأكبر مثال على أصداء الصور التي تناقلتها عديد وسائل الأعلام هو تصريح وزير خارجية فرنسا يوم 23 ماي 2021 جان إيف لودريان بشأن "مخاطر أن تشهد إسرائيل فصلا عنصريا في صورة عدم اعتماد حل الدولتين".
وهو تصريح تحدث فيه وزير خارجية فرنساعن الصدامات الدموية التي وقعت في مدن داخل إسرائيل بين سكان عرب ويهود على خلفية عدوان إسرائيل على مدينة القدس المحتلة وقطاع غزة.
 وقد ذهبت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت يوم 27 ماي 2021 في نفس الاتجاه عند قولها إن "الضربات الإسرائيلية التي أوقعت عشرات القتلى في قطاع غزة قد تشكل جرائم حرب".
ومن المهم التأكيد هنا على أن أصداء هذا العنف الإسرائيل وصلت كذلك إلى معقل من أكبر معاقل الاستماتة في الدفاع عن إسرائيل وهي الولايات المتحدة الأمريكية حيث تحرك أعضاء من الكونغرس َضد فضاحة الجرائم الإسرائيلية.
وقد كشفت وسائل إعلام أمريكية عن تغيير حاصل في هذا المجال. وقال خبير استطلاعات الرأي جون زغبي لقناة الأي بي سي الأمريكية بتاريخ 22 ماي 2021 إنه تحول "جذري ومزلزل" يزيد من تعاطف الأجيال الأصغر مع الفلسطينيين وأن هذه الهوة العمرية أصبحت واضحة تماما داخل الحزب الديمقراطي.
وهو ما يعني أن السحر انقلب على الساحر.
بقلم : محمد قنطاره
 

التعليقات

علِّق