البرمجة الإذاعية والتلفزيونية في بعض قنواتنا: عندما يغلب عليها منطق "بره هكاكا"

البرمجة الإذاعية والتلفزيونية في بعض قنواتنا: عندما يغلب عليها منطق "بره هكاكا"

أصبحت البرمجة في عدد من قنواتنا الإذاعية والتلفزيونية عنوان فوضى. من أهم خصائها عدم احترامها قواعد مهنية سليمة يتفق حولها القاصي والداني. وهذا فضلا عن غياب حوكمة سليمة على مستوى إعداد الشبكات البرامجية والتقيد بأساليبها.

 

"البرمجة الإذاعية والتليفزيونية هي فن اختيار وتخطيط بث البرامج المختلفة لقناة إذاعة أوتلفزيونية وفقًا لجدول زمني مما يضمن زيادة جمهورها إلى أقصى حد. تعكس البرمجة هوية القناة وهي نتيجة التفكير الاستراتيجي على مستوى إدارتها". قد يتساءل المرء هل قرأ الساهرون على قنواتنا التلفزيونية والإذاعية هذا التعريف وتمعنوا فيه جيدا. وكأن أصحابها يجهلون جملة من القواعد البعض منها بدائيا تستخدم في كل دول العالم. وذلك بالرغم من أن كراس الشروط التي أحدثت بفضلها كل قنواتنا تنص وجوبا على ضرورة أن تكون المادة المبرمجة متنوعة. فالفصل 26 من كراس شروط المتعلقة بإحداث قنوات تلفزيونية خاصة ينص على سبيل المثال على أن الشبكات تتضمن برامج ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية إلى جانب النشرات الإخبارية. في حين أن الواقع يختلف لدى البعض من القنوات التونسية التي يفتقد جزء من شبكاتها كل هذه الأجناس.

الهايكا تعاقب أربع قنوات تلفزيونية

هذا فضلا عن الفوضى التي نلاحظها على مستوى ضبط الشبكات البرامجية. فعلى سبيل المثال كم من مرة يتم برمجة منوعة أو مسلسل تلفزي على الساعة السابعة أو الثامنة صباحا وهو توقيت يواءم أجناس أخرى مثل الأخبار أو برامج الأطفال أو البرامج الوثائقية التي تسمى كذلك الأفلام التسجيلية.

و نلاحظ في هذا الصدد الأهمية التي أصبحت عليها البرامج التسويقية التي تبث تقريبا في كل حين صباحا مساء و يوم الأحد. و قد تولت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري مؤخرا معاقبة أربع قنوات تلفزيونية تونسية بسب ما سمته "خروقات متعلقة بالإشهار. وذلك " خاصة في بث برامج التسوّق عبر الشاشة خارج الفترة الزمنية المحددة".

 مع العلم أن القرار عدد 1 لسنة 2018 المؤرخ في 15 فيفري 2018 المتعلق بالقواعد السلوكية للإشهار في وسائل الاتصال السمعية والبصرية ينص على أنه "لا يجوز بثّ برامج التسوق عبر الشاشة خارج الفترة الزمنية الممتدة من منتصف الليل إلى الساعة الحادية عشر صباحا ومن الساعة الثانية بعد الزوال إلى الساعة الرابعة مساء. ولا يجب أن تتجاوز الثلاث ساعات مسترسلة وفي مطلق الأحوال لا تتجاوز المساحة المخصصة للتسوق عبر الشاشة أكثر من ثماني ساعات يوميا" (الفصل 28).

غياب محاضر جلسات اجتماعات البرمجة

و من الملاحظ كذلك و لعله الأهم أن عددا من القنوات الإذاعية و التلفزيونية لا تشتغل حسب القوالب المعروف في كل دول العالم و المتمثلة في اعتماد ثلاث شبكات فصلية شبكة للخريف و الشتاء و شبكة للصيف و شبكة لشهر رمضان قد يضاف إليها حسب الحاجة شبكتين انتقاليتين الأولى بين الصيف و الخريف و شبكة ثانية بين الشتاء و الصيف.

وذلك لأنه يتوجب دوما تغيير بعض ملامح الشبكة الصيفية في بداية شهر سبتمبر إلى حد اعتماد شبكة الخريف والشتاء نظرا إلى التغيير الحاصل في نسق الحياة بسب أحداث مثل العودة المدرسية وانتهاء العمل بالحصة الواحدة. وهو نفس الحال بالنسبة إلى دخول شهر الصيف في شهر جوان مع نهاية الدروس في المؤسسات التربوية وانطلاق الامتحانات فضلا عن بداية موسم ارتياد الشواطئ.

وقد ينفع في هذا المضمار أن نذكر أن عددا من قنواتنا فقد اليوم بعض التقاليد التي تؤسس إلى برمجة تستجيب إلى متطلبات مهنية مثل عقد جملة من الاجتماعات قبل اعتمادها بحضور كل الفاعليين الأساسيين من مسؤولين عن البرمجة والإنتاج. وهي اجتماعات يقع خلالها بلورة برمجة الشبكات انطلاقا إذن من بعض القواعد المعروفة بالاستعانة بالعاملين داخل القناة وخارجها. يتم فيها ضبط محاضر جلسات تعمم داخل القناة قصد حث الراغبين في انتاج برامج من وضع تصوراتهم.

أين الخارطة البرامجية؟

كما أن التقاليد المتمثلة في اعداد وثيقة مرجعية تتضمن برامج كل شبكة أصبحت غير محترمة في بعض القنوات التلفزيونية والإذاعية على حد السواء. يتم ضبط هذه الوثيقة حسب منوال معروف يتولى تقديم الخطوط العريضة للشبكة وأجناس برامجها بالإعتماد على إحصائيات دقيقة حولها والأهداف التي ترمي إليها فضلا عما يمكن أن يميزها مقارنة بالشبكات الماضية. مع التأكيد على أنها غالبا ما تقف على نسبة البرامج المحدثة والبرامج التي تتولى القنوات إعادة بثها.

 وهو أمر تفرضه الحوكمة الرشيدة التي من قواعدها أن يكون كل ما ينجز مكتوبا لنتمكن من إعلام أكبر عدد ممكن من العاملين في القناة وخارجها به وكذلك تيسير ترويجه لدى الشركاء مثل وسائل الإعلام ليتعرف جمهور المستمعين والمشاهدين عليه. وهو ما من شأنه أن يساعد على تنمية نسب المشاهدة أو الاستماع.

مع التأكيد من جهة أخرى على أن هذه الوثيقة تتولى وبكثير من الدقة وضع كل الجزئيات المتعلقة بكل برنامج على حدة (يوم البث وزمن البث والمدة الزمنية والمكونات أو الفقرات الأساسية واسم المنتج واسم المقدم و,,,,,). وتصلح هذه الوثيقة بعد وضعها من القيام بما يتوجب من تقييم لمقارنة مضمون ما يسمى بدليل الحصص وكذلك تقارير البث بما وضع من تصورات تتم داخلها تدوين كل صغيرة وكبيرة في خصوص وبالأساس ما يحدث في البرامج التي يتم بثها. بهدف الوقوف عند الأخطاء والاختلالات التي تحصل في عديد الحالات   وتقويمها.

ومخطأ من يظن يوما أن كل هذا العمل قد لا يفيد ويكلف القنوات جهدا كبيرا لا طائل من ورائه وهو وذلك لسببين اثنين على الأقل. يتمثل الأول في أن الأغلبية الساحقة من قنوات العالم كله تشتغل بهذه الطريقة و الثاني في أن عدم اعتماد قواعد مهنية سليمة قد يحدث بطول المدة أضرار كبيرة للمسار المهني و يبعد القناة عن الطريق الصواب.

بقلم: محمد قنطاره

 

التعليقات

علِّق