شكلت أهم ظاهرة إعلامية منذ الثورة : "الكرونيكور" أو التجربة المتعثرة

شكلت أهم ظاهرة إعلامية منذ الثورة : "الكرونيكور" أو التجربة المتعثرة

كيف نقيم اليوم ظاهرة "الكرونيكور" في إذاعتنا وتلفزيوناتنا؟ التجربة رافقتنا خلال عشر سنوات وهي  جديرة إذن بالمتابعة. ثلاث ملاحظات أساسية قد تساعد على تقييمها.

ما هي أهم ظاهرة ميزت الإعلام السمعي البصري في بلادنا منذ قيام الثورة؟ الإجابة يمكن أن تكون دون شك: ظاهرة "الكرونيكور". و هي إجابة لا تنفي بالمرة أن هذه المهنة  كانت غائبة قبل 14 جانفي 2011. غير أنها لم تكن موجودة بالكثرة التي نعرفها اليوم و كذلك لم تكن شاملة إذ أنها اكتسحت تقريبا كل مجالات المشهد السمعي البصري.

و لهذا الأمر سببين إثنين على الأقل. أولهما الطفرة التي عرفها القطاع السمعي البصري في مجال ممارسة الحرية. و الكل يعلم في هذا السياق أن النظام السياسي الذي كان قائما قبل 2011 كان لا يسمح إلا بهامش معين من الحرية و كان لا يترك لوسائل الإعلام بصفة عامة مجالا لدعوة من تشاء إلى برامجها.

أما الثاني فهو يتعلق بالأهمية التي أصبحت عليها برامج ما يسمى ب "التولك شو" و هي البرامج المبنية بالأساس على الحوارات و مناقشة المواضيع بمختلف أنواعها. علما أن من أسباب الأهمية التي أصبحت عليها هذه تكمن في  أنها  تتناسب و الوضعية المالية للمؤسسات السمعية البصرية التي تشكو صعوبات مالية. الشيء الذي جعل البعض يسميها برامج "اللوكوست" أي التكلفة المنخفضة. فلا مصاريف إنتاج ثقيلة  و لا تجهيزات تصوير مكلفة ولا سيناريوهات و لا معاينة لفضاءات للتصوير و لا ممثلين و لا مطربين و لا جمهور يدفع له أجر,... على الأقل مقارنة بالأجناس التلفزيونية الأخرى مثل المسلسلات و الوثائقيات أو المنوعات.

تكريس "الكلمة الواحدة"

و لعله من المهم اليوم إبداء الرأي في هذه الظاهرة من خلال إبراز ثلاث ملاحظات هامة على الأقل للوقوف على تجربة "الكرونيكور" في بلادنا.

و قد ينفع القول  أولا أن أكثر من نصف "الكرونيكور" أتوا من حقلي الصحافة بمختلف محاملها            و التنشيط الإذاعي و التلفزيون. في حين أن الأمر يختلف تماما في الدول التي سبقتنا في هذه التجربة. إذ أن "الكرونيكور" يتوفرون على ملامح متعددة و منها الخبرة في مجالات متخصصة: الأمن و الدفاع و علم الاجتماع و التاريخ و الجغرافيا و الحقل الجيو سياسي والعلوم و الممارسة المهنية بشتى أنواعها.

و قد أحصينا في تعداد قمنا به منذ سنة أن عدد "الكرونيكور" الذين ظهروا أكثر من خمس مناسبات في البرامج الإذاعية و التلفزيونية بثت خلال ثلاثة أشهر في عشر إذاعات و تلفزيونات موجودة بتونس العاصمة لم يتجاوز الأربعين.

و هو ما من شأنه أن يكرس ما يسمى ب"الكلمة الواحدة" أو "الفكرة الواحدة" بمعنى أنه يتم تقديم  نفس الأراء       و الأفكار و التي  تفعل بفعل تكرارها مفعول ما سمي ب "الرصاصة السحرية"   .وهي فرضية في الإعلام وضعها عالم الاجتماع الأمريكي هارولد لاسويل، تقوم على إمكانية غرس فكرة معينة في جمهور من المتلقين الإيجابيين والعفويين في غالبيتهم، وذلك من خلال الإعلام المكثف حولها. و هي الملاحظة الثانية.

خطاب سطحي في بعض الأحيان

و قد تأكد عدد كبير من المتابعين لبرامج "التولك شو" أن أغلبية "الكرونيكور" منحازون لبعض الرؤى   و المناهج الفكرية خاصة أن نشاطهم يقتصر تقريبا على إبداء الرأي يفضلون ذلك على تقديم المعلومات  و تفسير الأحداث. و هو ما يجعل البعض يتذمر من أدائهم و يحشرهم في زاوية فكرية معينة.

أما الملاحظة الثالثة و الأخيرة فهي تتمثل في أن أغلبية "الكرونيكار" يتجرؤون الحديث في كل المواضيع تقريبا. في المسائل السياسية و الاجتماعية والصحية والإقتصادية و غيرها. و هو الشيء الذي يجعل أحيانا خطابهم سطحيا وقريبا من ذلك الخطاب الذي يصدر عن المواطن العادي و غير مقنع. إذ أنه لا يرتقي إلى مستويات الخبراء و الباحثين.

و الأمر هنا لا يتعلق بالطبع بحرية التعبير إذ أنها مكفولة للجميع و يمكن لكل فرد – بما في ذلك "الكرونيكور" - أن يبدي رأيا في أي موضوع شاء. غير أن "الكرونيكور" لا يدعى للتعبير عن رأي هو يدعى فقط نظرا للإضافة التي يحملها معه.

محمد قنطاره

التعليقات

علِّق