تعاطي الحكومة مع جائحة كورونا: هذه عناوين الفشل في مكافحة الوباء
من المؤكد أن الحكومة التي لجأت مؤخرا إلى المساعدات الخارجية لم تخطط بطريقة سليمة لمكافحة وباء كورونا وأعطت انطباعا بأن تطور السلالة الهندية خاصة فاجأتها. على عكس دول المنطقة. فقد وقعت المغرب يوم 5 جوان الماضي اتفاقية لصناعة اللقاح الصيني ضد كورونا بمعدل خمس مليون جرعة في الشهر. كما ستشرع الجزائر في إنتاج لقاح سبوتنيك الروسي المضاد لفيروس كورونا في سبتمبر بالشراكة مع موسكو. الشيء الذي سيجعلهما بالطبع قادرتين على تحقيق اكتفاءهما الذاتي بالنسبة إلى لقاح من المنتظر أن تحتاج إليه البشرية لسنين طوال.
يقول مثل معروف أن "الأرقام عنيدة". و ذلك للتدليل على أنها تعبر عن حقائق لا يمكن دحضها. و هذه على سبيل المثال أرقام للخسائر البشرية الناجمة عن هذا وباء كورونا الفتاك يبرز فشل الحكومة التونسية في مكافحته. و هي أرقام أوردها الأستاذ الجامعي و الوزير التونسي السابق فتحي الهويدي في تدوينة على فايسبوك قارن من خلالها عدد وافيات يوم 15 جويلة 2021 بعدد السكان في بعض البلدان. و هي كالأتي : تونس (164 وفاة و 12 مليون ساكن) و الجزائر (13 وفاة و44.7 مليون ساكن) و المغرب (14 وفاة و36 مليون ساكن) و مصر (7 وافيات و 100 مليون ساكن) و السينغال (6 وافيات و 16.5 مليون ساكن)و فرنسا (27 وفاة و67 مليون ساكن) و إيطاليا (9 وافيات و 60 مليون ساكن) و إسبانيا (41 وفاة و 47 مليون ساكن) و بوليفيا (88 وفاة و 11.5 مليون ساكن).
و هي أرقام قد تذكر البعض بمقولة أخرى فرنسية كذلك ستخدم في عالم سباق الخيول للتأكيد على أنه لا مجال لتكذيب نتائج السباقات و هي أنه "لا يجوز الاستعانة بصورة لمعرفة الفائز". لأن دخول الخيل الذي حل في الصدارة واضح وضوح الشمس.
يقول الصحفي الفرنسي ورجل السياسة إيميل دي جيراردان و الذي يعتبر من أباء الصحافة الفرنسية لكونه أسس سنة 1836 يومية "لابراس" مستخدما لأول مرة الإشهار في نصف صفحاتها أن "على من يحكم أن يستشرف و يخطط".
و هو ما قد لم تفلح فيه الحكومة التونسية التي وجدت نفسها على عكس حكومات أخرى أمام تطورات خطيرة في وباء كورونا لأنها لم تفكر فيها بالجدية اللازمة و لم تتخذ في شأنها القرارات الحاسمة. و هو عيب تلام عليه. و قد اضطرت بسبب ذلك إلى تسابق مع الزمن كما يقال لمكافحة جائحة أنهكت البلاد و العباد.
لا يمكن أن نتوجه باللوم إلى حكومة المشيشي لوحدها
لا يمكن بالطبع أن نتجاهل في هذا السياق أن هذا الوباء فاجئ أكثر من بلد و لكن الشيء الذي حصل في تونس خلال الأيام القليلة الماضية يبين بجلاء أن الحكومة لم تنتهج نهجا صحيحا و أنها أسات في تقديراتها و لم تضبط السياسة القادرة على تجاوز الصعوبات مهما كان حجمها.
و لا يمكن في هذا السياق أن نتوجه باللوم إلى حكومة المشيشي لوحدها إذ أن الحكومات السابقة و التي تداولت على الحكم منذ سنة 2011 تسببت بدورها في المأساة التي نعيشها. و من بين هذه الأسباب عدم إيلاء الأهمية اللازمة لقطاع الصحة العمومية ليكون قادرا على مواجهة أزمة كالتي عشناها منذ خاصة شهر جوان مع بروز السلالة الهندية. و قد أكد رئيس الدولة يوم 1 جويلية 2021 خلال زيارة قام بها إلى مقر وزارة الداخلية أن الحكومة لم تحسن التعاطي مع الجائحة.
و تبين أرقام منظمة الصحة العالمية أن تونس لم تخصص خلال السنوات العشر الأخيرة إلا 5.3 في المائة لنفقاتها لقطاع الصحة و أن هذه النسبة تبقى دون المأمول. فقد دعت هذه المنظمة في إعلان أبوجا (نيجيريا) سنة 2001 الدول لتخصيص على الأقل 15 في المائة من نفقاتها لهذا القطاع الحيوي الذي شكل منذ بداية الاستقلال أهم داعم للتنمية البشرية إلى جانب قطاع التربية و التعليم.
كما تبرز الأرقام أن بلادنا خصصت سنة 2017 وفي المتوسط 143 دولارا أمريكيا (قرابة 392 دينارا) للتكفل بصحة المواطن. و هو رقم بعيد كل البعد عن أرقام بعض الدول النامية مثل كوبا (800 دولار أمريكي أي قرابة 2192 دينارا تونسيا).
42 في المائة من التجهيزات الطبية في المستشفيات العمومية معطلة
و قد بينت منظمة البوصلة في لقاء نظمته في نوفمبر الماضي لفائدة الصحافيين أن الدولة التونسية أخذت في هذا المجال منحى يتمثل في مجال الصحة في التنازل إلى القطاع الخاص إذ أن 60 في المائة من تجهيزات الكشف بالأشعة موجودة في المصحات والمؤسسات الخاصة و أن 42 في المائة من التجهيزات الطبية في المستشفيات العمومية معطلة. و ذلك حسب كشف دقيق أجرته دائرة المحاسبات سنة 2017.
و من المؤكد في هذا الصدد أن الحكومة أعطت انطباعا واضحا بأنها تفاجأت بالأزمة الصحية التي تعيش على وقعها البلاد و بينت و كأنها عاجزة عن محاربتها. و يبرز ذلك من خلال اللخبطة الحاصلة في تركيز وبعجالة التجهيزات الطبية في عديد جهات البلاد و كذلك توفير التلاقيح اللازمة و الاستعانة في هذا المجال بالمساعدات الأجنبية و انتهاجها إذن سياسة اليد الممدودة.
و لعله من المفيد أن نتساءل لماذا جاءت بعض القرارات متأخرة مثل الاستعانة بجيشنا الوطني الشعبي لتلقيح التونسيين في بعض المناطق و لماذا تم في البداية تركيز مركز واحد فقط للتلقيح في كل ولاية و لماذا لم يتم منذ مدة الترخيص للصيادلة بالقيام بالتلاقيح و لماذا و لماذا و لماذا؟
يقول الأستاذ رفيق بوجدرية و هو رئيس القسم الاستعجالي بمستشفى عبد الرحمان مامي بأريانة بأن ما حصل في تونس لابد أن يدرس مستدركا أنه يعني بذلك أن ما تم في محاربة الكورونا يتوجب تدريسه كمثال لما يتوجب تفاديه مستقبلا. و يضيف في هذا المجال أن السياسة و القرارات التي اتخذت ساهمت في زيادة الطين بلة.
و يؤكد الأستاذ بوجدارية في هذا المضمار أن المسألة متعلقة بحوكمة الجائحة مقدما أمثلة عديدة منها بالخصوص عدم إدراج ميزانية خاصة بمكافحة الوباء في ميزانية 2021 و كذلك التأخير في شراء اللقاحات (و الاعتماد المفرط في البداية في هذا الصدد على منظومة "كوفاكس") و القرارات التي لم تتفاعل بطريقة ديناميكية مع وباء متغير و متحول. كانت بعض القرارات متناقضة فقد راجعت رئاسة الحكومة بعد بضعة أيام القرار المتمثل في ضبط توقيت منع الجولان لتمكين المقاهي من فتح أبوبابها بعد الإفطار خلال شهر رمضان المعظم الماضي.
المغرب و الجزائر يصنعان اللقاح
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب (جانفي) و الجزائر (فيفري) سبقتا تونس في توفير الجرعات الأولى التي لم تحل بتونس إلا في شهر مارس 2021. و تبرز الأحداث يوما بعد يوم أن العمل الحكومي لم يكن عند الإنتظارات مقارنة بجيراننا. فقد وقعت المغرب يوم 5 جوان الماضي اتفاقية لصناعة اللقاح الصيني ضد كورونا بمعدل خمس مليون جرعة في الشهر. كما ستشرع الجزائر في إنتاج لقاح سبوتنيك الروسي المضاد لفيروس كورونا في سبتمبر بالشراكة مع موسكو. الشيء الذي سيجعلهما بالطبع قادرتين على تحقيق اكتفاءهما الذاتي بالنسبة إلى لقاح من المنتظر أن تحتاج إليه البشرية لسنين طوال.
و قد تخطأ الحكومة إن اعتقدت أن هذه المساعدات قد تكفيها لمكافحة الوباء. إذ أن عددا من الخبراء يقولون أنه لابد من تطعيم ما يقارب 7 مليون تونسي لنتوفق في اكتساب المناعة الجماعية المنشودة. وهل أن الوقت لم يحن بعد من حهة ثانية لنفكر جيدا في مسألة توفير الجرعة الثالثة ضد وباء كورونا (إن لزم الأمر) و خاصة في تطعيم التونسيين بالنسبة إلى السنة القادمة 2022؟
زد على ذلك ضعف الرسائل الاتصالية المعتمدة و التي لم تكن عند المستوى المطلوب و خاصة الرهانات. و هو عيب يميز العمل الحكومي بصفة عامة. فإضافة إلى أن الجهد اقتصر بالأساس على بعض الومضات الإذاعة و التلفزيونية للوقاية من الفيروس و على الندوات الصحفية و تدخلات الفاعلين في مجال الصحة في البلاتوهات و أعمدة الصحف كانت الرسائل الاتصالية كلاسكية للغاية متناسية تقريبا محامل أخرى مثل الشبكات الاجتماعية التي كان من المفروض إفرادها بمضامين خاصة بها. و هو موضوع جدير بالتحليل و الدرس.
ويشير بعض الذين تم الحديث معهم في هذا الصدد أن غياب الدولة أحيانا و غياب حزمها لم يسهل الأمور. فعلى سبيل المثال كان على الدولة أن تتعاطى بأكثر صرامة مع الذين خالفوا البروتوكولات الصحية و لم يمتثلوا إليها بمعاقبتهم بأكثر شدة. و قد تم نشر صور في مواقع التواصل الاجتماعي لنقاط بيع الأضاحي في مناطق مختلفة من أنحاء البلاد أبرزت تجمعات للمواطنين دون أي تدابير خاصة بجائحة كورونا مثل أسواق مدينتي جلمة و دوز و الشراردة.
و لا ننسى في هذا السياق أن استطلاعا للرأي أنجز من قبل مكتب إمرود كونسولتون و الجامعة المركزية بين في شهر فيفري 2021 ضعف إقبال التونسيين على التلقيح (41 في المائة فقط كانوا يرغبون أنذاك في التلقيح ضد الوباء).
علما أن اعتقاد فئة من التونسيين بأن لا مبرر للتلقيح لأن الوباء غير موجود بالمرة يضر بكل الجهود المبذولة في مكافحة الوباء. خطاب يتوجب بالطبع تنسيبه لأن الدولة لعلها ساعدت أحيانا و من غير قصد بالطبع في انتشار الوباء من خلال ضعف العمليات الاتصالية و كذلك على ما يبدو أنه سوء تقدير في عدم تنظيمها لبعض العمليات مثل النقل على سبيل المثال الذي يعرف إلى اليوم اكتظاظا خاصة في فترات الذروة.
محمد قنطاره
التعليقات
علِّق