ابنة رجل الأعمال توفيق المكشر توجه رسالة الى رئيس الجمهورية

وجهت مريم المكشر ابنة رجل الأعمال توفيق المكشر المسجون منذ تاريخ 20 أكتوبر 2023 رسالة الى رئيس الجمهورية قيس سعيد و هذا أهم ما جاء فيها :
"إلى سيادة رئيس الجمهورية التونسية، الأستاذ قيس سعيّد،
أكتب إليكم اليوم لا من موقع القوة، بل من قاع الوجع، من تحت ركام القهر، من بين أنقاض بيتٍ انهار فيه كل شيء.
أنا ابنة رجل أعمال تونسي توفيق المكشر، السجين منذ 20 أكتوبر 2023.
أكتب إليكم بصوت كل عائلة انهارت، بصوت كل ابنة لم تحتضن والدها منذ سنتين، بصوت آلاف العمال المطرودين من أعمالهم، بصوت المدن التي أصبحت فارغة، باهتة، مكسورة، بعد أن كانت نابضة بالحياة بفضل رجال أعمال كوالدي، كانوا يصنعون شيئًا من لا شيء، يبنون بالمستحيل ويؤمنون أن تونس تستحق.
أنا لا أطلب شيئًا مستحيلًا. لا أطلب أن يُنسى القانون، أو أن تُمحى الأخطاء، أو أن يُعفى من يستحق العقاب.
بل أطلب أن يُنظر إلى هذه القضايا بإنسانية، بعدل، بعين الدولة لا بعين الغضب، بعقلية الإصلاح لا بعقلية العقاب الجماعي.
أبي لم يكن هاربًا من العدالة، بل ذهب إليها برجليه.
كان أول من التحق بمسار الصلح الجزائي، مؤمنًا بأنه إذا أخطأ، فهو مستعد لإصلاح الخطأ، وإذا وُجد دين، فهو مستعد لدفعه.
لكنه وجد نفسَه فجأة في قلب عاصفة، تاه فيها القانون، وضاعت فيها النوايا الطيبة.
وجد نفسَه متهمًا، مصنّفًا، محاصرًا، ثم سجينًا، لا لشيء، سوى لأنه آمن بأن الدولة ستكون عادلة معه.
سيدي الرئيس،
في لحظة نادرة، فتحت الدولة باب المصالحة. وكنّا من أوائل الذين دفعوا هذا الباب بكل قوتهم.
قدّمنا كل الوثائق، تواصلنا مع اللجنة يوميًا، ضغطنا، طالبنا، تحمّلنا، انتظرنا.
لم نقصّر، لم نتراجع، لم نناور.
لكن المسار فشل… لا بسببنا، بل بسبب تعقيدات لا تُطاق، غياب التنسيق، بطء الإجراءات، غموض الشروط، وصمتٌ طويل من الجهات المسؤولة.
وها نحن اليوم، بعد سنتين، ندفع الثمن.
أبي في زنزانة ضيّقة، مُصنّف “خطرًا”، محروم من أبنائه، من الدواء، من الهواء.
أنا، ابنته، لم أقترب منه منذ 700 يوم. لم أحتضنه، لم ألمس يده، لم أبكِ على كتفه.
كلّ ما أملكه هو ذكرياتي معه، وصوته في الهاتف وهو يخفي عني ألمه كي لا أنكسر.
لكنه مكسور… وأنا من الداخل انهارت.
سيدي الرئيس،
هل يمكن أن تُبنى دولة عظيمة، وجهازها الإنتاجي في السجون؟
هل يمكن أن تُقاوم البطالة والفقر، وقد أُغلقت المصانع، وجُمّدت الأموال، وطُرد العمال، ودُفنت المبادرات؟
هل نستطيع أن ننتصر لتونس، ونحن نخسر رجالها كل يوم، واحدًا تلو الآخر، لا في القبور… بل في الزنازين؟
نعلم أن بعض رجال الأعمال أخطأوا. وربما كثيرًا.
لكن الدولة، القوية والعاقلة، لا تُعاقب الجميع، لا تهدم كل بيت لأن في داخله شقًّا، لا تحرق الأرض كي تقتل نبتةً شوكية.
الدولة القوية تُصلح، تُحاسب بعدل، تُفرّق بين الجريمة وسوء الإدارة، تُفرّق بين من دمّر البلد ومن ساهم في بنائها.
سيادة الرئيس،
منذ عام 2011، خسرنا كثيرًا: الثقة، المؤسسات، الاقتصاد، الأمل.
هل سنخسر الآن من تبقّى من عماد الاقتصاد الوطني؟
هل سنخسر من يستطيع بناء المدارس، المستشفيات، مراكز التكوين، المصانع، مواطن الشغل؟
رجال الأعمال هم مورد الدولة، لا عبؤها.
أعطوهم فرصة ثانية. ليس مجاملة، بل من باب المصلحة العليا.
اسمحوا لهم أن يدفعوا ما عليهم… مبلغًا معقولًا، واقعيًا، لا عقوبة جماعية، ولا أرقامًا خيالية.
ثم دعوهم يعودون إلى العمل.
عودتهم ليست عودة لمصالحهم فقط… بل هي عودة لألف عامل إلى وظيفته.
هي عودة لحياة توقفت. لمدن ماتت. لأسر تشرّدت.
أنا لا أطلب إسقاط تهم، ولا تبرئة من لم يُبرَّأ بعد.
أنا أطلب فرصة عادلة، وآلية سريعة، ومصالحة فعلية.
أطلب أن يُنظر في هذه الملفات بواقعية، لا بعين الانتقام أو الحذر المبالغ فيه.
أنا أطلب دولة… لا زنزانة.
سيدي الرئيس،
رجاءً، أطلقوا سراح أبي… وأمثاله.
رجاءً، أعيدوا لنا آباءنا، أعيدوا لنا كرامتنا، أعيدوا الأمل إلى هذا الوطن.
افتحوا من جديد باب المصالحة… باب الحياة.
ودعوا التاريخ يكتب: في صيف 2025، انتصرت تونس لعقلها… لا لغضبها..."
التعليقات
علِّق