الخدمات الإدارية : معضلة الانتظار والطوابير

الخدمات الإدارية : معضلة الانتظار والطوابير

هي حقيقة لا يمكن أن نختلف حولها: مازالت الطوابير تمثل السمة المميزة لعديد المرافق العمومين. ولطول الانتظار تأثيرات سلبية على النسيج الاقتصادي إذ أنه يتسبب في تغيب بعض الأعوان عن مراكز عملهم لقضاء حاجاتهم. وباعتبار ذلك فلو تم احتساب الوقت الذي يقضيه المواطن في الانتظار فإنه سيتبين الخسارات على مستوى الإنتاج والإنتاجية في عدد من المؤسسات.

"نصف ساعة فما فوق". هذا هو الوقت الذي يقضيه المواطن في المتوسط وهو ينتظر قضاء حاجة معينة بالإدارة التونسية. "وتخيلوا كم أمكث من وقت يوميا بسبب عملي المتمثل في خلاص الفواتير وتبليغ المراسلات إلى بعض المصالح العمومية". هذا ما قاله نورالدين ب.ر. الذي يعمل "شاوشا" منذ قرابة عشرين سنة بشركة خاصة تقع بالضواحي الجنوبية للعاصمة.

طول الانتظار هذه هي بالفعل من العلامات المميزة للمرفق العمومي. والظاهرة لم تتوقف منذ سنوات بالرغم من الإجراءات المتخذة مثل توفير العدادات التي تضبط الأولوية عند المرور إلى الشبابيك وتحسين فضاءات الاستقبال وتوفير شبابيك إضافية.

والأزمة الصحية فاقمت التي تمر بها البلاد والحق يقال الوضع بسبب تقليص عدد الأعوان فالعمل يتم بالتناوب يوما بيوم بالنسبة إلى كل الموظفين بما في ذلك بالطبع أعوان الاستقبال. ولكن الأمر لم يتغير وبقت الأوضاع كما يقال على حالها كدار لقمان. حديث لبدا من تنسيبه فبعض المصالح مثل الصندوق الوطني للتأمين على المرض ركزت صناديق أمام أبواب مختلف وكالاتها لوضع الوثائق تفاديا للعدوى وللإسراع في قضاء حاجات المواطنين.

وبالطبع وكما هو الحال في أغلب الحالات فإن المناشير موجودة وكذلك المذكرات التي تحمل وابلا من التعليمات في خصوص ما يسمى ب "جودة الخدمات الإدارية". وذلك منذ تسعينات القرن الماضي. كما أن الأمر يمثل شغلا شاغلا بالنسبة إلى مصالح الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري.

هل هناك إرادة في تحسين الاستقبال؟

وكذلك الشأن بالنسبة إلى الملاحظات التي يأتي بها الموفق الإداري حول النقائص والهنات التي تخص الاستقبال والتي تدعو إلى إصلاح أوضاع تكون أحيانا مزرية. ولكن شتان بين ما تأتي به التعليمات والتشخيصات المنجزة والواقع الذي يعيشه المواطن ويتحمل تبعاته.

ولا يمكن إلا أن نذكر كذلك هنا إحداث علامة "مرحبا" التي تقع تحت مسؤولية معهد الوطني للمواصفات والملكية الصناعية والتي وضعت في إطار سياسة ترمي إلى "تحسين العلاقة بين الإدارة ومستخدميها وهو أحد أهم المحاور الاستراتيجية الوطنية لـلتأهيل والإصلاح الإداري". وهي علامة جودة يمكن أن يتحصل عليها أي مرفق عمومي تتضمن جملة من الإجراءات بداية بتشخيص الأوضاع نهاية بالحصول على هذه العلامة.

غير أنه لم يتحصل على هذه العلامة وبالرجوع على الأقل إلى موقع المعهد إلا 35 مرفقا عموميا. وهو ما يطرح ضرورة مسألة الإرادة الفعلية في تحسين العلاقة مع مستخدمي المرفق العمومي لدى أغلب مكوناته الذي تعاني والحق يقال من هنات ونقائص هيكلية تجعل العناية بموضوع الاستقبال مسألة تكاد تكون أحيانا مستحيلة لأسباب موضوعية مثل عدم مواءمة الفضاءات مع الأهداف المرسومة وضيق مساحاتها وضعف الإمكانات وعدم توفر أعوان تحصلوا على تكوين في المجال.

هذا وقد تصل فترة الانتظار إلى ساعة فما فوق وهو الشيء الذي توحي به التذكرة التي ننشر صورة منها ضمن هذا المقال والتي تبين أن عدد المستخدمين لمصالح الإدارة الذين ينتظرون المرور إلى الشبابيك يأتي في حدود 111متعاملا.

ارتفاع منسوب الضغط

وتجدر الملاحظة هنا أن لطول الانتظار تأثيرات سلبية على النسيج الاقتصادي إذ أنه يتسبب في تغيب بعض الأعوان عن مراكز عملهم لقضاء حاجاتهم. وأنه لو تم احتساب هذا الوقت الذي يقضيه المستخدم للمرفق العمومي في الانتظار فإنه ستتبين الخسارات على مستوى الإنتاج والإنتاجية في عدد من المؤسسات.

ومن نفس الزاوية قد يكون من المفيد التأكيد على خطورة الأمر إذ أن طول الانتظار يساهم في ارتفاع منسوب الضغط لدى البعض. الشيء الذي يؤثر حتى على مردود العون الذي يتولى استقبال المواطنين فهو ينفعل أحيانا بمفعول النقد الذي يوجهه البعض. وقد يصل تفاعله إلى حد فقدان التركيز وإلى العنف.   

وقد بينت دراسات تمت في فرنسا أن طول الانتظار له دائما كلفة اقتصادية وبسيكولوجية لا تكون الإدارة التي تتسبب فيها واعية بخطورتها. والمعروف أن الإدارة التونسية وبشهادة المتعاملين معها تنقصها في عديد الحالات القدرة على أن تضع نفسها في وضع المواطن ولا تتفهم عبء إذن الانتظار.

فيحصل أحيانا أن طول الانتظار يكون سببا في عقوبة قد تصل إلى الخصم من الأجر بالنسبة إلى بعض المواطنين الذين منحوا تراخيص لقضاء حاجاتهم. وهي بالطبع عقوبات توجه إليهم بسبب تجاوزهم الفترة الزمنية موضوع الترخيص.

بقلم: محمد قنطاره

التعليقات

علِّق