التلفزيون والتسويق: هل تحترم قنواتنا أخلاقيات المهنة والممارسات السليمة؟

التلفزيون والتسويق: هل تحترم قنواتنا أخلاقيات المهنة والممارسات السليمة؟

تحولت عديد القنوات التلفزيونية التونسية ومنذ مدة طويلة إلى محلات تجارية تباع فيها منتوجات مختلفة من أواني الطبخ إلى مواد التجميل مرورا بالدرجات النارية والهوائية وبالهواتف الجوالة. دون أن يستجيب هذا النشاط دائما إلى ما أتى به القرار المتعلق ب "القواعد السلوكية للإشهار في وسائل الاتصال السمعي والبصري" لفيفري 2018. فضلا عن ذلك فقد تحول بعض الصحافيين والمنشطين إلى باعة للمنتوجات التجارية يتولون تقديمها في أدق الجزئيات مع مدحها وحث المشاهد على اقتنائها. وهي بالطبع ممارسات منافية لأخلاق المهنة التي لا يمكن الخلط فيها بين الإخبار والإشهار.

لم يعد غريبا اليوم مشاهدة وعلى امتداد ساعات طويلة برامج تسوق لمنتوجات مختلفة من أواني الطبخ إلى مواد التجميل مرورا بالدرجات النارية والهوائية وبالهواتف الجوالة. فباستثناء القناتين الوطنيتين الأولى والثانية أصبحت كل القنوات التلفزيونية التونسية تتعاطى تقريبا هذا النوع من النشاط بكثافة. وقد افتخرت في زمن ما واحدة منها بأنها أكبر "مول" أي مجمع محلات على الطريقة الأمريكية. وهو ما يوحي بالقيمة التي تعطيها إلى هذا النوع من الحصص في شبكتها البرامجية.

وقد لفت هذا الأمر نظر الهيئة العليا المستقلة للقطاع السمعي البصري (الهايكا) مرات عديدة خاصة بعد نشرها في فيفري 2018 لقرار متعلق ب "القواعد السلوكية للإشهار في وسائل الاتصال السمعي والبصري". والذي ينص على جملة من القواعد في خصوص بث هذه البرامج التسويقية. ومن بينها تحديد المدة الزمنية المخصصة لبث هذه البرامج وكذلك أساليب تقديمها ومضامينها.

وفي ذات الصدد فإن القاصي والداني يعلم أن إحداث هذه البرامج يستجيب إلى حاجة ملحة لهذه القنوات إلى موارد مالية خاصة وأن حجم الإشهار تقلص بصفة ملحوظة بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد وكثرة هذه القنوات التي يجوز القول منطقيا أن عددها يفوق حاجيات السوق في المجال وذلك بالنسبة إلى سوق ضيقة من نواحي مختلفة ومن بينها بالطبع عدد المشاهدين التي تتوجه إليهم هذه القنوات ودخل الفرد.

ضعف حجم البرمجة المقدمة

وينص قرار الهايكا الصادر في 1 فيفري 2018 والصادر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 15 لسنة 2018 أنه " لا يجوز للتلفزيونات المخلة بالتزاماتها المتعلقة بالإنتاج والبرمجة وفقا لاتفاقية الإجازة استعمال تقنية التسوق عبر الشاشة". وذلك بالطبع في إشارة واضحة إلى أن بث هذه البرامج التسويقية ولفترات طولية لا يجعل هذه الوسائل الإعلامية تنكب بجدية على إنتاج وبرمجة حصص تلفزيونية وكذلك الأمر بالنسبة إلى قنوات التي تتولى بث برامجها دون حصولها على ترخيص في الغرض.

علما أن إنتاج برامج تلفزيونية يعتبر المهمة التي لابد أن تخصص لها القنوات كل جهودها وهي المهمة التي أحدثت من أجلها في إطار إثراء المشهد السمعي البصري التونسي بعد قيام ثورة 14 جانفي 2011.  وفي إطار فتح أفاق لحرية الرأي والتعبير وكذلك للإبداع في المجال. لكن وللأسف فإن التجربة لم   تأت بالثمار المتوقعة. هذا فضلا عن أن الأغلبية الساحقة لهذه القنوات لم تعط دفعا يذكر لشركات الإنتاج واكتفت بإعداد برامجها بنفسها.

 وأن أغلبية البرامج التي يتم بثها هي من نوع "التولك شو" وهي تلك البرامج التي تنجز بكلفة ضعيفة مقارنة بالمواد الأخرى مثل المسلسلات والوثائقيات مثلا والتي تتطلب إمكانات أكبر بسب أنها تعد أساسا خارج الأستوديو ات وتنجز بفضل طاقم أكبر عدديا ومتنوع الاختصاصات. كما أن برامج "التولك شو" لا تحمل إبداعا يذكر مثل كتابة النصوص أو مراجعتها أو صياغة الحوارات و أداء أدوار تمثيلية فضلا عن صناعة المؤثرات والديكورات.

هل من تفسير لتزامن البث؟

ولسائل أن يسأل عن السبب الحقيقي لتزامن بث هذه الحصص التسويقية بالنسبة إلى عديد القنوات بمعنى أنها تبث في نفس التوقيت؟ فهل يتم ذلك اضطراريا للفقر الملاحظ في برمجتها الذي يتميز بقلة الإنتاج وباعتماد إعادة بث مبالغ فيه؟ وإذن ما باليد حيلة كما يقال. أو لأنها ترغب في منافسة القنوات الأخرى معتقدة أن الجمهور سيقدم على منتوجاتها أكثر من غيرها؟ كما يجوز أن نتساءل: هل أن كل المنتوجات المروجة في هذه الحصص مسموح بها؟ لأن بعضها على غرار الأدوية لا يمكن ترويجه إلا عبر مسالك متخصصة.

ومن الملاحظ كذلك أن الإشهار اكتسح عديد البرامج التلفزيونية التي تحول في البعض منها الصحفي     والمنشط إلى بائع للمنتوجات التجارية يتولى تقديمها في أدق الجزئيات مع مدحها وحث المشاهد على اقتنائها. وهي بالطبع ممارسات منافية لأخلاق المهنة التي لا يمكن الخلط فيها بين الإخبار والإشهار.

دعوة تجار لبرامج تنشيطية

ومن مفارقات الدهر أن بعض القنوات الإذاعية تحاول تمرير رسائل إشهارية عبر فقرات تريدها إعلامية مثل إبلاغ المستمعين بتخفيضات هامة في السلع التي تباع خاصة في بعض المحلات الكبرى أو محاورة حرفاء محطات البنزين حول زيوت السيارات وأن الذين يقومون بهذا العمل يتقمصون دور المراسل أو المبعوث الخاص وكأنهم ينقلون أحداثا عادية في نشرات الأخبار.

وفي نفس السياق يتم أحيانا دعوة بعض التجار لتقديم منتوجاتهم في حصص تنشيطية مع إظهار هذه المنتوجات طبعا وذكر عناوين و أرقام هاتف الشركات التي تروجها وكأن شيئا كذلك لم يكن. هذا فضلا عن تثبيت الشعار المميز لهذه المنشآت الاقتصادية مثل اللافتات الإشهارية في مكونات الديكور وكل ما من شأنه أن يشير إلى المنتوج وخاصياته مثل وضعه فوق طاولة الصحفي والمنشط أو خلفه.

ومن المعروف أن الهيكا بصدد متابعة هذه الممارسات وإعداد ملف في شأنها لا يمكن إلا أن يفضي إلى تسليط عقوبات على القنوات المعنية بالأمر قد تنضاف إلى أخرى تتعلق بخروقات تمت في وقت قريب.

بقلم: محمد قنطاره

التعليقات

علِّق