استمرار الترفيع في الأسعار: هل تعي الحكومة ما تفعله؟
إن الترفيع المتسارع في سعربعض المواد الأساسية من قبل الحكومة منذ بضعة أسابيع يبين أنها لا تنظر لمسألة الدعم إلا من زاوية ضيقة وأنها بهذه الطريقة قد تؤجل بعض الصعوبات التي تنتظرها.
من الملاحظ أن حكومة هشام المشيشي شرعت منذ بضعة أسابيع وبنسق يبدو متسارعا في تنفيذ جملة من الزيادات في أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية وفي النقل العمومي وكذلك في المحروقات. شمل أخر قرار الترفيع سعر السكر الذي كان بنسبة مأوية مرتفعة (22 بالمئة). وهو أمر تحاول الدوائر الرسمية اليوم تفسيره بمتغيرات عدة منها ارتفاع لأسعار بعض المواد في السوق العالمية مثل النفط الذي يباع ويشترى اليوم برميله ب 70 دولارا أمريكيا (قرابة 170 دينارا) في حين أن ميزانية 2021 ضبطت على قاعدة 45 دولارا وكذلك بعدم إقدام الدولة على إدخال تغيير على الأسعار –على الأقل بالنسبة إلى بعض المواد-منذ سنوات عديدة.
والحقيقة هي أن الحكومة أصبحت بسبب عجز الميزانية وبسب جملة من التعهدات قدمت إلى صندوق النقد الدولي مجبرة في هذا الخصوص على ذلك وكأنها في صراع مع الزمن. بمعنى أن المثل الشعبي الذي يقول "مكره أخاك لا بطل" ينطبق عليها جيدا. بالرغم من أنها تعي أن لذلك تبعات من المؤكد أنها ستطالها بطول المدة خاصة في صورة أنها ستقدم – وستكون مجبرة على ذلك-على زيادات أخرى في مستقبل الأيام.
ومن المستحيل إذن ألا تدرك الحكومة أن هذا الترفيع سيؤثر مثلا على التضخم المالي وذلك رغم كل الاحتياطات المتبعة. فالمعروف في هذا المجال والأمر لا يخفى على أحد أن هذه الزيادات ستتبعها أخرى. فنفقات الوقود عندما ترتفع فهي تدفع مثلا أليا عديد المؤسسات إلى الترفيع في أسعار سلعها وخدماتها خاصة أن النفط يستخدم في قرابة 6000 منتج يستخدم يوميا من قبل كل فئات المجتمع مثل البلاستيك والنظارات الطبية ولعب الأطفال والأقراص الليزيرية.
تأثيرات على مناخ الاستثمار
إلى جانب ذلك لا يمكن لعاقل أن يجهل أن هذه الزيادات في الأسعار ستجعل الكثير من المواطنين غير قادرين على مسايرة نسق غلاء المعيشة ومن هذا المنطلق فهي ستجعل ممثلي النقابات تطالب أجلا أم عاجلا بترفيع الأجور. ولا ننسى من نفس الزاوية كذلك الصعوبات التي ستجدها المؤسسات العمومية والخاصة على حد السواء للاستجابة لهذه الطلبات فضلا عن تأثير ذلك على المناخ الاجتماعي بصفة عامة. والخوف كل الخوف أن تؤثر الاضطرابات التي من المنطقي أن تحدث مثل الوقفات الاحتجاجية والإضرابات على نسق العمل. وأن تخسر الدولة حتى أكثر مما توقعت أن تجنيه من قرارات الترفيع في الأسعار.
وكذلك الشأن بالنسبة إلى تأثيرات هذه الاضطرابات لا ما حالة عل مناخ الاستثمار أي إقبال المستثمرين التونسيين والأجانب على خلق مواطن الشغل. خاصة وأن هذا الإقبال متعطل منذ مدة طويلة لأسباب موضوعية منها الاستقرار السياسي وغياب الإصلاحات.
وقد يكون من المفيد الإشارة وقبل التطرق إلى موضوع الإصلاحات أن نتوقف للحديث عن إمكانية أن يصل الوضع إلى تكاثر الجرائم مثل السرقات و"البراكاجات" وعمليات الفساد والتحيل. يقول المثل الفرنسي "ليس للبطن الجائع أذن تستمع"!
وقد تخطأ الحكومة إذا لم تنظر لموضوع الترفيع في الأسعار من زاوية "سيستيمية" أي شاملة تأخذ في الاعتبار كل الزيادات في الأسعار. علما أن المواطن يلحظ يوميا زيادات متعددة في عديد المواد والخدمات. كما أنها قد تخطأ إن اعتقدت أنه يمكنها إقرار زيادات أخرى أو غض الطرف عن زيادات ليس لها فيها كما يقال لا ناقة ولا جمل دون أن تتحرك في الجانب الاجتماعي لأن ما تفعله في هذه الحالة هو إرجاء لأزمة مرتقبة. الشيء الذي يحتم عليه أن تفكر مليا في إيجاد حلول مثل إقرار أشكال من التعويضات لجيب المواطن. دون اعتبار ما تم التبشير به في خصوص دفع تعويضات من قبل الهيئات الدولية. وقد حان الوقت لذلك نظرا لشروع الحكومة بعد في رفع جانب من دعمها.
ارتباط والتزام القرارات ببعضها البعض
وإما في باب الإصلاحات الوازنة وهي كثيرة فقد حان الوقت لتبدأ تنفيذ البعض منها مثلما شرعت بعد في رفع الدعم. وذلك لسببين إثنين على الأقل. يتمثل الأول في ارتباط والتزام القرارات ببعضها البعض. فالشروع في الإصلاح الجبائي ولو في جزء ضئيل سيوفر موارد للدولة هي في أمس الحاجة إليها. وهو أمر قد لا يجعلها تحت الضغط المستمر في خصوص إلغاء الدعم.
وقد حدث أحيانا في بلادنا من هذه الناحية أن يلمس الناشطون غياب المنطق في خصوص بعض القرارات التي قد تصل إلى حد التناقض. قرارات لا تنظر للمسائل برؤية شاملة مثل التخفيض من الضغط الجبائي على الشركات وبعدها إقرار أداءات على الاستهلاك. وهو ما يؤثر حتما على رواج المواد وبطريقة مباشرة على الإنتاج الذي يتعطل في جانب منه بسبب هذه الأداءات الموظفة.
أما السبب الثاني فيتمثل بالطبع في خلق انطباع بأن الحكومة تتحرك في جانب ترفيع الأسعار وتتفادى التحرك مماثل في مجالات أخرى وأن المواطن هو الذي يدفع في نهاية الأمر الفاتورة. وهو انطباع سائد لما محالة.
خاصة وأن الحكومة لا تقوم كما يقتضيه الأمر وباستمرار بإعلام المواطن وبكثير من الوضوح بواقع البلاد من النواحي الاقتصادية والمالية وبالقرارات المتخذة وهي التي تم سبق وأن تم اتهامها بالعمل في "غرف مظلمة"!
بقلم: محمد قنطاره
التعليقات
علِّق