بطء الإجراءات الإدارية: لهذه الأسباب مازالت قائمة

بطء الإجراءات الإدارية: لهذه الأسباب مازالت قائمة

لماذا مازلنا نعيش في ظل بطء الإجراءات الإدارية وما زال المواطن التونسي يستمع إلى عبارة     " إرجع غدوه" ولو تقلص حجمها   شيئا ما؟ الجواب في التحليل الموالي الذي سيحاول الإجابة عن الأسباب والمسببات.

"تريث في الصباح ولا تسرع في المساء". هذا المثل الفرنسي المتداول والذي  كثيرا ما يشير إلى التقاعس عن العمل ينطبق في حالات عديدة على واقع مؤسساتنا العمومية. التي لا تأخذ دائما بعين  الاعتبار ضرورة احترام مواعيد انجاز أنشطتها. و ما دمنا بصدد الحديث عن الأمثال الخاصة بأهمية الوقت فلنقدم هذا المثل العربي: "عندما نسيء استخدام الوقت فنحن نبدّد المورد الوحيد الذي لا يمكن أبداً استرداده."

و قد يعتبر البعض أن في الأمر مبالغة أو أن المسألة لا تستدعي كل هذا الاهتمام. خاطئ بالطبع من يعتقد ذلك لأن الوقت يعتبر عنصرا فاعلا في عملية الإنتاج على غرار اليد العاملة ورأس المال والأرض والتجهيزات إلخ... و من هذا المنظور كيف يمكن لنا أن نتوفق في بلد تختزل ثقافة إدارته عبارة "ارجع غدوة" للتدليل بالطبع على البطء في إنجاز الخدمات والاستهتار في حالات عدة عندما يتعلق الأمر بالاستجابة إلى انتظارات وحاجات المواطن!

و تجدر الإشارة في هذا المجال أنه و منذ أن بين رجل الاقتصاد الأمريكي قاري ستانلي بيكر في مقال نشره في ستينات القرن الماضي أن الوقت هو مورد من الموارد المستخدمة في أي نشاط اقتصادي مثله مثل رأس المال و الطاقة إلخ. فقد حصل إجماع لدى رجال الاقتصاد على أهميته و قيمته. وهو  مورد  تختلف قيمته باختلاف الشخص أو الهيكل الذي يتعامل معه. و ثماره تكون مختلفة حسب سعي الجانب الذي يستخدمه لأداء مهمة ما. وهو بالتالي مورد يساهم في رفع الإنتاج والإنتاجية في أي نشاط اقتصادي.

المرتبة ال 78  في ترتيب سهولة ممارسة أنشطة الأعمال

هذا ويبين التقرير السنوي للبنك الدولي حول سهولة ممارسة أنشطة الأعمال لسنة 2021 أن تونس تحتل المرتبة ال 78 عالميا بعد ست دول من إقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في خصوص الاستغلال الأمثل للوقت. فهي تتأخر في مجالات عدة تخص الحصول على خدمات مثل انطلاق النشاط الاقتصادي (إحداث الشركات) واستخراج تراخيص البناء والحصول على الكهرباء وتسجيل الملكية ...

وتبين نفس الأرقام من جهة أخرى أن مؤشرات تونس تأتي متأخرة مقارنة ببلدان الجوار. فعلى سبيل المثال في حين أن مؤشر بلادنا في خصوص إحداث الشركات هو 6 فإن مؤشر المغرب هو 3. وكذلك الأمر بالنسبة إلى استخراج تراخيص البناء (تونس 6 والمغرب 3) والحصول على الكهرباء (تونس 12 والمغرب 9) ...وهي أرقام يتابعها بالطبع المستثمر الأجنبي إذ أن تيسير هذه الخدمات يكون دائما حافزا لخوض تجربة الاستثمار. ومن يرغب في أن تتعطل أعماله؟

و لهذا البطء أسباب عدة يكتشفها كل من يستثمر في بلادنا أو يتوجه للإدارة للحصول أي خدمة كانت. و الواضح في هذا المجال أن من الأسباب الهامة نجد جملة القوانين و الإجراءات التي تكبل حتى مؤسسات الدولة التي تخضع لنفس الإطار القانوني و الترتيبي.

ويحق في هذا الصدد أن يتم التذكير بما صرح به رئيس الحكومة هشام المشيشي يوم 25 جوان 2021 في بيت الحكمة على أن "ما قيمته أكثرمن 17 مليار دينار في مشاريع معطلة منها ما لم ينطلق بعد ومنها ما يشهد تعطيلات كبرى رغم انطلاقه". مضيفا إن الاجتماع "وقف اليوم على جملة من المعوقات ابرزها الاطار الترتيبي للصفقات العمومية الذي يتطلب إعادة النظر فيه معلنا أن المشروع الجديد للأمر المنظم للصفقات العمومية سيعرض على مجلس الوزراء في اجتماعه المقبل."

و  للبيروقراطية نصيب الأسد

ومن الأسباب الأخرى التي يتوجب الوقوف عندها أن المرفق العمومي مازال يعتمد أساليب عمل تقليدية. و هو الأمر الذي اعترف به كذلك رئيس الحكومة خلال زيارة إلى المدرسة القومية للإدارة يوم 21 جوان 2021 بمناسبة الاشرف على افتتاح الدورة الأولى لأيام الإدارة العمومية و التي إنتظمت بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخامسة والستين لتونسة المدرسة الوطنية للإدارة حيث "أعلن عن قرار انخراط جميع الوزارات في مشروع المراجعة الشاملة والدورية للإجراءات الإدارية المستوجبة على المتعاملين معه". و من بينها كثرة الوثائق المطلوبة في الإدارة و عدم اعتماد أساليب مثل التصريح على الشرف.

وللبيروقراطية بالطبع نصيب الأسد في هذا المجال. وهي بيروقراطية مترسخة قبل كل شيء في جانب كبير منها في الأذهان. فالموظف التونسي لا يشعر دوما بأنه في خدمة المواطن وأن عمله يتمثل في محاولة تجاوز كل التعطيلات و هو الذي لا يضع دائما نفسه مكان المتعامل مع الإدارة و لا يعي بخطورة هذه التعطيلات على النسيج الاقتصادي خاصة.

فالموظف لا يدرك على سبيل المثال أن المواطن قد يتغيب عن عمله للحصول على خدمة معينة و أن هذا الغياب إن طال أو تكرر بسبب عدم الحصول على مبتغاه في الإبان فإن ذلك يعد خسارة للمؤسسة التي يعمل بها. وأن هذا قد يحدث ما يسمى ب "تأثير الدومينو" الذي يعرف على النحو التالي " تفاعل تسلسلي يحدث عندما يسبب تغييرا صغيرا تغييراً مماثلاً بجواره والذي بدوره سيحدث تغييراً مماثلاً وهكذا دواليك في تسلسل خطي."

هذا فضلا عن غياب الأعوان المكلفين بتقديم الخدمات خاصة عندما يكون العون المتغيب هو الذي يسدي نوعا من الخدمات يكون الوحيد المكلف بها. و هذا فضلا كذلك عن التقاعس عن العمل الذي يتم عادة بسببه إرجاء عمل اليوم إلى الغد مثلما يقول المثل. و للتذكير فإن رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي صرح خلال شهر جوان  المنقضي أن الموظف التونسي يعمل بمعدل ربع ساعة في اليوم ويتقاضى في المقابل أجر 8 ساعات.

التحديد المسبق لفترة زمنية معينة لإنجاز كل الخدمات

و لا يمكن ونحن بصدد الحديث عن أسباب و مسببات البطء في إنجاز أنشطة الأعوان العموميون إلا أن نذكر غياب الأساليب و الأليات الحديثة في العمل في أغلبية المصالح الأساليب و التي أصبحت واقعا في عديد المجتمعات مثل الخدمات عن بعد و كذلك رقمنة الإجراءات الإدارية التي تمكن المواطن من الحصول بسرعة على الخدمة عبر الأنترنات و كذلك متابعة إنجاز ملفه بفضل رقم سري يمكنه من ذلك. و كذلك الأمر بالنسبة إلى التحديد المسبق لفترة زمنية معينة لإنجاز كل الخدمات.

و للتكوين أيضا أهمية كبيرة في هذا المجال إذ أنه يعتبر أساس تحسين أداء الموظف في ظل التحولات التي تجري في عالم الإدارة. و لا يقتصر هذا التكوين على التطبيقات الجديدة التي لا يخلو منها أي ميدان بل يشمل مناهج العمل التي عادة ما تكون موثقة في أدلة و كذلك اكتساب اللغات التي تفتح أفاقا رحبة للغوص في غمار تجارب الأخرين و فهمها و تطبيقها.

و نظرا لأن الواقع معقد فإنه لا يمكن تفسير هذا البطء بعنصر أو عنصري أو حتى ثلاثة فقط فعلينا أن لا نتغاضى عن تأثيرات الحصة الواحدة التي تمتد على ثلاثة أشهر (الصيف و رمضان المبارك) أي 25 في المائة من الزمن الإداري في بلادنا.

كما لا يمكن كذلك تجاهل ما للمناخ العام في البلاد من تأثيرات على أداء الموظف التونسي في ظل الأزمة المحبطة التي تمر بها البلاد و تدهور قدرته الشرائية. ولعله من المفيد هنا أن نذكر أيضا بما قاله رجل الاقتصادي الألماني المشهور كارل ماركس والذي أسس لمقاربة ما يمكن تسميته ب"القيمة المضافة" للعمل التي تعني أن إعادة إنتاج العامل لنفس القيمة التي ويوفرها مرتبطة أشد الارتباط بتلبية احتياجاته.

 

بقلم : محمد قنطاره

 

التعليقات

علِّق