القطاع الموازي: لهذا السبب لم تستطع الدولة دمجه في النسيج الاقتصادي

القطاع الموازي: لهذا السبب لم تستطع الدولة دمجه في النسيج الاقتصادي

على الرغم من أهمية حجمه  ( 44,8 بالمائة من اليد العاملة و 53 في المائة من الناتج الداخلي الخام) يبقى القطاع الموازي خارج النسيج الاقتصادي المنظم  في حين أن الحل ممكن لفك العزلة عن فئات من المستثمرين والناشطين في بلادنا.

قد تختلف الأرقام ولكن الواقع هو نفسه. إذ   يحتل القطاع الموازي في تونس موقعا أساسيا في النسيج الاقتصادي. وفي هذا الإطار   تفيد بعض الأرقام التي توفرها مؤسسات تتمتع بعناصر أساسية من  المصداقية على غرار  المعهد الوطني للإحصاء بأن هذا القطاع يشغل 44.8 بالمائة من اليد العاملة (إحصائيات 2020). كما تبين المعطيات المتوفرة لدى البنك الدولي أن حجم   هذا القطاع يأتي وعلى الأقل في حدود 53 في المائة من الناتج الداخلي الخام أي جملة الخيرات التي تتوفر عليها بلادنا (الرقم لسنة 2019).

و هي معطيات تبرز بجلاء أهمية الدور الذي يقوم به هذا القطاع في اقتصاد بلادنا والذي لا يقتصر على عكس ما قد يتوقعه البعض على الانتصاب الفوضوي الذي نلاحظه في عديد أسواقنا و في شوارعنا و الذي يتم الترويج من خلاله إلى جانب من المواد المهربة بل يشمل مظاهر أخرى مثل العملة الذين لا يخضعون إلى منظومة الضمان الاجتماعي و الساعات الإضافية التي لا يتم الإبلاغ عنها و كذلك بعض الخلايا الإنتاجية التي لا تنشط في إطار قانون الشغل وشركات منظمة و مهيكلة و لكنها تخفي جانبا من إنتاجها و   مواردها لفائدة  الجباية ولمنظومة التغطية الاجتماعية بمختلف تفرعاتها.

غياب العدالة الجبائية

وفي هذا الاتجاه و عادة ما يتم التأكيد عند التطرق لهذه الظواهر على أنها تحرم المجموعة الوطنية من عائدات جبائية مهمة قادرة بالطبع على أن تقلص من عجز الميزانية كما أنها لا تمكن من تحقيق العدالة الجبائية المنشودة والتي ستشكل إحدى النقاط التي ستنكب عليها لجنة متخصصة من اللجان التي وردت في الاتفاقية المشتركة التي أبرمتها الحكومة مع الاتحاد العام التونسي للشغل يوم 31 مارس 2021.

 هذا فضلا بالطبع من حرمان المواطنين العاملين في القطاع الموازي من حقهم في التغطية الصحية والاجتماعية. و لا توفر لهم الحكومة  مقومات الكرامة التي نادت بها ثورة 14 جانفي 2011.

وتؤكد الأرقام في هذا الصدد أن القطاع الموازي حرم ميزانية الدولة سنة 2019 مما يقارب 11.7 مليار دينار أي أنداك في حدود 28.8 المائة من مداخيل هذه الميزانية. علما و أن الوضع لم يتغير منذ ذلك التاريخ في غياب أي إجراء لوضع سياسة لدمج القطاع الموازي في النسيج الاقتصادي.

و من المفيد القول إن  تناول موضوع القطاع الموازي من هذه الزاوية بالذات لا يمكن من إيجاد الحلول الموائمة له وخاصة أنه يضع في قفص الاتهام جانبا كبيرا من الناشطين الاقتصاديين الذين يتم تقديمهم أحيانا على أنهم لا يرغبون في تنمية موارد المجموعة الوطنية و تحقيق الازدهار للبلاد و حتى أنهم غير وطنيين في حين  أن جانبا مهما من هؤلاء أجبروا على إتباع النشاط الذين يقومون به في ظل غياب وحتى استحالة إيجاد فرص للتشغيل.

من أجل حياة مهنية كريمة

والمتمعن في واقع هذا القطاع يستخلص  أن التمشي المعتمد قد لا يصلح و  أنه يتوجب اعتماد سياسة وخطاب آخرين من اجل إدماج هذه العناصر في الدورة الاقتصادية المنظمة و إبراز المنافع التي سيحصلون عليها من خلال هذه العملية فضلا عن تشجيعهم على ذلك.

ويمكن هنا إبراز بعض الأفكار التي يمكن بفضلها تغيير هذا الواقع التي تعاني منه المجموعة الوطنية بأكملها ومن بينها هشاشة هذا النشاط الذي لا يوفر لصاحبه دخلا قارا ويعرضه إلى المخالفات وإلى افتكاك السلع التي تروج وحتى الملاحقة.

وللتأكيد فإن هذا النشاط لا يمكن صحابه من الأخذ بناصية العلم وبمسايرة التحولات التي يعيشها عالم الشغل اليوم والتي تتمثل في جملة من مسالك النمو التي يعرفها العالم مثل الجودة و الحوكمة الرشيدة والابتكار. كما أن هذا النشاط لا  يؤهله لكي يعيش حياة مهنية كريمة كغيره من البشر. علاوة على فقدان الكرامة و الضغط الذي لا يمكن إلا أن يعيشه بسبب غياب تغطية اجتماعية تمكنه من الاستجابة لحاجيته عندما يمرض خاصة أو يصبح غير قادر على العمل.

إلى جانب ذلك فإن تعاطي هذا النشاط قد يدفع صاحبه في بعض الحالات إلى ما لا يحمد عقباه. وقد يؤدي أحيانا الى   جعله رهينة لدى  المجرمين. وقد بينت الأحداث والمعطيات العلاقة القائمة بين القطاع الموازي الذي يعتمد التهريب مع الإرهاب.

إفراد القطاع الموازي بإجراءات خاصة

 يقول الباحث التونسي محمد فوزي سعداوي وفي هذا الباب وفي مقال علمي نشر سنة 2017 تحت عنوان "التقاطع المتلبس بين التهريب والإرهاب على الحدود الغربية للبلاد التونسية" في إصدار للمعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر أن "الظاهرتين عابرتان للحدود وتروجان "بضاعة". ف "التهريب يروج البضائع المهربة والجهاديون يروجون لمشروع إسلامي "عبر-قطري"". ويضيف أن  الظاهرتين  " تؤسسان لفضاء مواز للواقع المحلي".

  ف "التهريب يؤسس لاقتصاد مواز تكون أثاره في غالب الحالات سلبية على الاقتصاد والإرهاب يريد   التأسيس الى   مشروع مواز هو "الخلافة الإسلامية"ومجتمع يتناقض في خصائصه مع المشروع الذي تأسس في تونس  في الفترات الأولى من الاستقلال".

وقد يتساءل البعض عن الحلول الممكنة واللازمة لإدماج ناشطي القطاع الموازي في القطاع الاقتصادي المنظم. وهنا يبين    الدكتور عبدالقادر بودريقة و هو أستاذ محاضر مختص في المجال المالي بالمعهد الأعلى للتجارة أنه يتوجب التفكير في إفراد القطاع الموازي بإجراءات خاصة  و أن التفكير في إدماجه في القطاع المنظم لا ينفع البتة بالأساليب المتعارف عليها لعموم المستثمرين و العاملين في مختلف القطاعات كما أن الإجراءات التي على الدولة اتخاذها لابد أن تتلاءم مع خصوصيات هذا الميدان  وحاجياته و أن تسعي لتشجيع أفراده على الانخراط الطوعي في المنظومات المقترحة.

و يقول الأستاذ عبد القادر بودريقة الذي يترأس دائرة الماليين التونسيين و هي جمعية تضم عديد الخبراء في المجال المالي  أنه "من الضروري وضع أنظمة تفاضلية لعموم المستثمرين و العاملين في القطاع الموازي" و ذلك في التغطية الاجتماعية و التقاعد على غرار منظومة "أحميني" المحدثة لفائدة العاملات في الميدان الفلاحي و كذلك على مستوى الجباية  و لما لا إحداث منظومات مالية مثل بنوك خاصة بهم. ويضيف   أنه يتوجب "فتح فرص لإدماج الناشطين في القطاع الموازي في المنظومة البنكية في إطار ما تطمح الى  تحقيقه تونس في  إطار الشمول المالي  و هو مصطلح يعني "إدخال الفئات التي يطلق عليها مهمّشة ماليا أو من ذوي الدخل المالي المنخفض الذي لا يسمح لها بالانخراط في عمليات النظام المصرفي".

والنتيجة التي بالإمكان الإقرار بها أن الدولة وعند إقدامها على هذا التصور لا يمكن لها  إلا أن تربح في فك العزلة عن فئات من المستثمرين و الناشطين لابد من التأكيد على أن المجموعة الوطنية لم تنجح إلى حد هذه الساعة في دمجهم.

بقلم: محمد قنطاره

التعليقات

علِّق