التقرير السنوي 2020 للبنك الدولي: هل يمثل تحذيرا؟
يأتي تقرير البنك الدولي لسنة 2020 الذي نشر منذ أيام قليلة في فترة دقيقة جدا تتميز بوضعين إثنين. إذ أن هذا التقرير يتزامن مع الصعوبات التي عرفتها الحكومة منذ شهر تقريبا في تمرير قانون المالية التكميلي الذي أجبرت حكومة هشام المشيشي على مراجعته و مع استعداد البلاد لتنظيم حوار وطني يشمل عديد المسائل التي قد تساعد على تحديد جانب من الخطوات التي تطالب بها المؤسسات المالية الدولية و من بينها بالطبع البنك الدولي للعبور بالاقتصاد التونسي لبر الأمان.
لا يجوز بالطبع أن نعطي للتقرير السنوي الذي أصدره المرصد التونسي للاقتصاد الذي نشرته مجموعة البنك الدولي يوم 22 ديسمبر 2020 أكثر مما يستحقه و لكن لعل أن الفاعلين السياسيين و الاقتصاديين في بلادنا لم يولوه الأهمية اللازمة. و قد مر عليه هؤلاء تقريبا مر الكرام خاصة و أننا تعودنا على مؤاخذات هذه المؤسسة المالية الدولية بالنسبة إلى مسار الاقتصادي في بلادنا.
غير أن هذا التقرير أتى في فترة دقيقة جدا تتميز بوضعين إثنين. إذ أن هذا التقرير يتزامن مع الصعوبات التي عرفتها الحكومة منذ أيام في تمرير قانون المالية التكميلي الذي أجبرت حكومة هشام المشيشي على مراجعته و مع استعداد البلاد لتنظيم حوار وطني يشمل عديد المسائل التي قد تساعد على تحديد جانب من الخطوات التي تطالب بها المؤسسات المالية الدولية و من بينها بالطبع البنك الدولي للعبور بالاقتصاد التونسي لبر الأمان.
و قد بدا هذا التقرير و كأنه يوجه تحذيرا في ظل الصعوبات التي تعرفها تونس إذا قارنها بما مضى من السنوات بالرغم أن البنك الدولي تولى تنسيب خطابه معترفا بأنها تكاد تكون مشابهة لما يجد على المستوى الإقليمي.
"سوف تخسر تونس بعض المكاسب السابقة"
و للتذكير فإن تقرير البنك الدولي يقول أنه "من المتوقع أن يرتفع نسق النمو مؤقتًا ليصل إلى 5.8 في المائة في عام 2021 عندما تبدأ آثار الجائحة في الانحسار. إلا أنه من المتوقع كذلك أن تتسبب نقاط الضعف الهيكلية الموجودة من قبل في سحب الاقتصاد التونسي نحو مسار نمو أكثر انخفاضا يبلغ حوالي 2٪ بحلول عام 2022."
و أنه "نظرا لتباطؤ نسق النمو، سوف تخسر تونس بعض المكاسب السابقة فيما يتعلق بخلق مواطن الشغل و الحد من الفقر و من المتوقع أن تزداد نسبة البطالة و وزيادة نسبة السكان المعرضين للوقوع في براثن الفقر".
و عند قراءة التقرير فإنه يتبين بوضوح تأكيد البنك الدولة على ثلاث مسائل حيوية و جوهرية ستأثر حسب تقديره على الاقتصاد التونسي خلال السنوات القليلة القادمة مطالبا إيجاد حلول فيما يخصها. و هي كالتالي:
1-إعادة النظر في النفقات العمومية من خلال التخفيض من حجم الأجور الذي يشكل عبئا للموازنات العمومية. علما أن هذا الأمر لا يعتبر جديدا. فقد سبق وأن ذكرنا بأنه يتوجب تنسيبه فالبلاد تشكو نقصا في عدد الموظفين و في بعض القطاعات وأن المسألة مازالت تدكر من زاوية محاسبية بحتة و لا تأخذ في الاعتبار على مستوى الإجراءات العملية على الأقل في خصوص العدالة الجبائية و مكافحة التهرب الجبائي.
و يؤكد التقرير في نفس الزاوية مسألة سياسات الدعم موصيا أن "تتحول المساعدات الاجتماعية المقدمة في شكل إعانات إلى تحويلات مباشرة تستهدف مستحقيها".
2- إصلاح المؤسسات العمومية التي تتسب في "مخاطر ضريبية و ذلك من أجل توفير الموارد من أجل الاستثمار العمومي والتعافي الاقتصادي" يقول البنك الدولي. و هذه المسألة ليست كذلك جديدة كذلك وأن الحكومات التي تعاقبت لم تخطو إلى حد هذه الساعة خطوات جريئة في شأنها. مسألة التي لم يتم الإضاءة عليها كما يجب بالنظر إلى خطورتها.
فهذه المؤسسات تشكي عديد الصعوبات المالية و يقدر حجم خسائرها و الدعم المقدم لها من ميزانية الدولة 9قرابة 9 مليار دينار حسب تقرير صدر السنة المنتهية عن وزارة المالية.
و المعروف أن هذه الوضعية تتعكر يوما بعد يوم في ظل غياب وضع مشاريع للإصلاح. و في غياب مواصلة انتهاج المؤسسات العمومية إلى سياسة بعيدة كل البعد على مستوى إدارتها بالنسبة للأغلبية الساحقة منها تتواؤم مع النهج المتبع في دول العالم من حوكمة رشيدة و جودة.
تطوير قدرات الشركات التونسية
فمثلا مازلنا في المرفق العمومي بأكمله نعتقد أن حضور الموظفين يعتبر أمرا أساسيا في حين أن العالم يؤمن و على أهمية هذه المسألة أن الأهم يتمثل في إتباع أليات ترتقي بمستوى الخدمات للاستجابة إلى حاجيات و إنتظارات من تتعامل معهم. و أن الارتقاء بمستوى الإدارة لا يتوقف طبعا لأن الحاجيات و الانتظارات تتغير و تلك سنة الله في خلقه.
و قد رسم في هذا المضمار كتاب أبيض نشرته رئاسة الحكومة سنة 2018 خلاصة لما يتوجب القيام به في هذا المضمار في المؤسسات العمومية و في أبواب عدة مثل الهيكلة الإدارية و المالية و المراقبة و مكافحة الفساد وتسهيل الإجراءات و تطوير أساليب الحوكمة الإدارية و المقاربة في خصوص الشراكة بين القطاع العام و الخاص,...
3- تطوير قدرات الشركات التونسية التي قال عنها التقرير أنها فقدت كثيرا من بريقها مشيرا إلى أن "أداءها كان أفضل من نظراءها على المستوى الإقليمي. لكن بشكل عام، تشير الأدلة إلى ضعف نسيج القطاع الخاص. حيث تراجع حجم استثمار الشركات، و أصبحت أقل ابتكارًا وأقل توجهًا للتصدير وبالتالي أقل إنتاجية."
و يعتبر التقرير أن من واجب الحكومة التتحرك في إتجاه مساعدة الشركات "دخول السوق وتقديم منتجات أو خدمات جديدة، ومعالجة الاختناقات الهيكلية التي تساهم في تعقيد وصول الشركات إلى التمويل، ومعالجة التدهور الكبير في أداء المصالح الديوانية."
و في ذلك بالطبع إشارة واضحة إلى أن لا يمكن للدولة أن تحقق أهدافها بما في ذلك النمو و خلق مواطن الشغل بدون إيلاء العناية اللازمة إلى شركات القطاع الخاص التي تشكل المصدر الأساسي لخلق الثروة.
و هي رؤية ينخرط بالطبع فيها البنك الدولي منذ تأسيسه تمثل أحد دعائم الفكر اللبرالي و لكنها بينت صحتها. و لعل أن البنك الدولي أراد القول كما أشار إلى ذلك العالم الأمريكي ألبير إينستاين "الحماقة تتمثل في الاعتقاد بأنه يمكن تحقيق نتائج مختلفة و نحن نواصل التصرف بنفس الطرق".
بقلم الأستاذ : محمد قنطارة
التعليقات
علِّق