إلغاء دعم المواد الأساسية: المطبات التي قد تفشل إجراءات الحكومة

إلغاء دعم المواد الأساسية: المطبات التي قد تفشل إجراءات الحكومة

تشير بعض المعلومات إلى أن الحكومة قد تشرع في رفع الدعم على بعض المواد بداية من شهر جويلية القادم. وهو إجراء قد يعرض العملية إلى عراقيل جمة قد تصل إلى إخفاقها في تنفيذ قرار وليد توصيات صندوق النقد الدولي في إطار تخفيف العبء عن الميزانية.

كيف ستعالج الحكومة مسألة رفع الدعم الذي اعتادت عليه فئات كبيرة من التونسيين؟ السؤال لابد أن يطرح اليوم في ظل المعلومات التي تفيد أن السلط سائرة لامحالة في هذا الاتجاه وأن القرار قد اتخذ بعد وكذلك الشأن بالنسبة إلى بداية تنفيذه الذي سيكون حسب ما راج أخيرا من معلومات بداية شهر جويلية القادم. وذلك بالطبع استجابة إلى توصيات مؤكدة من صندوق النقد الدولي خدمة لرؤية ليبيرالية تؤمن بضرورة حقيقة الأسعار وفي إطار تخفيف العبء عن ميزانية الدولة. إذ أن التقديرات للسنة الحالية تشير أن حجم الدعم الذي تريد الحكومة إلغائه سيكون في حدود 8,3 في المائة من نفقات الدولة و 2,8 في المائة من الناتج الداخلي الخام أي ما يعادل الثروة التي ستحققها بلادنا خلال سنة 2021.

إن المتمعن في الحلول التي قد تقدم عليها الدولة لإلغاء منظومة الدعم وتعويضها بدعم نقدي لمن يستحقه فعلا يتأكد من أن أليات التنفيذ ستعرض المشروع إلى مطبات عدة قد تجعله يتعثر إن لم نقل إنه قد يعرف عراقيل ستفشله تماما. وذلك انطلاقا من التعرف بدقة على مستحقي هذا الدعم النقدي. ويتم من هذا المنظور الحديث عن توفق المصالح المتخصصة في إحصاء قرابة 250 ألف عائلة تونسية في حاجة إلى هذا الدعم النقدي وأنه تم التعرف بعد على هذه الشريحة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية. كما يتم الحديث من جهة أخرى على أن الحصول على هذا الدعم سيكون من خلال القيام بتسجيل تلقائي من قبل الذين يرون أنهم يستحقونه          وستقوم بعده الإدارة من التثبت في الأمر.

وهو أمر قد يصبح محيرا بالنظر إلى الجدل الذي يمكن أن يخلقه وإلى الإثباتات التي تتطلبه الحالات التي سيتم الانكباب على دراستها. وكذلك بالنظر إلى قدرة المصالح المختصة على إبلاغ الإجراء إلى كل مستحقي التحويلات وإلى عزوف البعض عن تسجيل أسمائهم خشية أن يعرف القاصي والداني أنهم من المستحقين.

"شطر النقد مشى في الحنة"

هذا فضلا عن الاخلالات –المقصودة وغير المقصودة-التي قد تحدث من قبل بعض الأعوان المكلفين بإدارة وتنفيذ هذا الإجراء علما وأن التجربة بينت دائما وجود حالات محاباة واعتماد أساليب لتفضيل البعض على البعض والتي قد ترقى إلى مرتبة الفساد فضلا عن أخطاء غير منتظرة.

وقد يتساءل المرء عن نجاعة العملية برمتها. فهل أن حجم هذه التحويلات سيكون أقل من المبالغ المرصودة للدعم الذي ستعمل الدولة على إلغائه؟ وهي مسألة لا يمكن التأكد منها إلا بعد تنفيذ التحويلات واحتساب كلفتها النهائية. وكثيرا ما يحصل هذا في بلادنا نظرا لسوء التقدير أو للمفاجئات التي تحصل في ظل التواكل الذي تعودنا عليه أو أخطاء التصرف. والخوف كل الخوف أن يكون الأمر من قبيل إتباع نهج إيديولوجي مبني على تصورات تدفعنا إليه منظمة دولية وليدة اتفاقيات بريتان وودس والتي أرست دعائمها كما هو معلوم الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1944. وقد ينسحب هذا السياق على المثل التونسي الذي يقول "شطر النقد مشى في الحنة".

ومن نفس الزاوية قد يكون من المفيد التعرف على سقف الموارد الذي سيتم اعتماده لتوجيه التحويلات في ظل ثلاثة متغيرات قد تبدو ليست في علاقة الواحدة بالأخرى وهي تزايد نسبة الفقر وخارطته إذ أنه يفوق أحيانا نسبة 50 في المائة في بعض مناطق الشمال الغربي والوسط وهي مناطق معروفة بالحرمان من التنمية منذ سنوات والضغط الجبائي الذي يأتي في حدود 35 في المائة وارتفاع البطالة التي تقارب نسبتها 17 في المائة.  

وتبقى مسألة التأثيرات المنتظرة من عملية إلغاء الدعم من أهم المواضيع التي لابد أن تطرح بقوة اعتبارا لطبيعة المواد التي من المفروض أن يشملها منطقيا الإجراء الحكومي. فالدعم يخص حاليا عدة مواد ومن بينها ما تسمى المواد الأساسية (الحبوب والسكر والزيت النباتي والورق المدرسي و,,,,,) إلى جانب المحروقات والنقل.

"الملاوي و الطبونة"

وأول تأثير يذكر يتعلق بالتضخم المالي نظرا إلى أن هذه المواد تستخدم في صنع مواد أخرى يقبل عليها التونسيون بكثرة وتدخل فيما يسمى سلة المواطن. الشيء الذي يعني أن عديد المؤسسات والمحروقات قد تشكل هنا مثالا يحتذى قد تجبر على الترفيع في أسعارها. علما أن المحروقات تستخدم في صنع قرابة 6000 منتوج مثل مواد النظافة والتطهير والمواد البلاستيكية والملابس والأحذية.

ولعله من المهم القول إن عددا من الفقراء الذين لا يتوفرون على مؤهلات تخول لهم العمل أو لا تسمح لهم وضعياتهم بذلك -وهم كثر-تعودوا على استخدام بعض المواد المدعمة مثل السميد والفرينة لصناعة بعض أنواع الأكلات الشعبية مثل "الملاوي" و "الطابونة" وأن هذا النشاط يمثل دخلهم الوحيد.

وفي باب موارد الرزق يمكن السؤال عن حجم التحويلات الذي سيتوجه لمستحي الدعم. فهل ستلبي هذه الأخيرة حاجياتهم وهل سيتم تعديل هذه التحويلات كلما لزم الأمر خاصة وأن أسعار المواد الأساسية تعرف تغييرات متسارعة؟

كما لا يمكن إلا أن نتحدث عن التأثيرات الاجتماعية لرفع الدعم خاصة وأن السنوات الأخيرة عرفت تغييرات على مستوى دخل الأسر الذي تراجع لأسباب عدة وأن ما يسمى بالطبقة الوسطى تقلص حجمها (تراجعت نسبة هذه الطبقة من 70 في المائة سنة 2010 إلى 55 في المائة سنة 2015 حسب المعهد الوطني للإحصاء). فهل يمكن لهذه الطبقة التي تقوم بدور هام في استقرار المجتمع من أن تتحمل التغيير المنتظر في الأسعار ولو كان ذلك على مراحل كما يفيد البعض؟

حذاري من حالة الاحتقان

والخوف كل الخوف هنا كذلك أن يخلق هذا الارتفاع في الأسعار حالة احتقان اجتماعية. فبالرغم من أن المقارنة لا تصح دوما يجدر التذكير بأن أحداث الخبز لسنة 1984 عندما تم الترفيع في سعر هذه المادة الأساسية خلقت أزمة حقيقية علما أنها كانت بتوصية من صندوق النقد الدولي (أنظر في هذا الخصوص ما ذكرته سوفي شوطار في كتابها الصادر سنة 2006 عن دار النشر الفرنسية "ستوديراما" تحت عنوان "مستبدو القرن العشرين"). خاصة وأن قرار إلغاء الدعم قد يصدر في ظرف قد تكون فيه الأوضاع السياسية غير مستقرة وأن الأوضاع الاقتصادية لا تزال متأثرة بالخصوص بجائحة كورونا اتي أنهكت كثيرا من التونسيين والتي لا يمكن تجاوز تبعاتها قبل السنتين القادمتين.

وما صحة قول إن رفع الدعم سيزيل المخالفات التي نراها في السوق من احتكار ومضاربة وتهريب وما لف لفه فيما يخص المواد المدعمة؟ هذا الخطاب يتوجب تنسيبه اليوم في ظل إمكانية تهريب سلع من الجزائر وليبيا في حالة أن أسعارها تكون أقل من موادنا. والكل يعلم أن الدولة التونسية لم تتمكن إلى حد يوم الناس هذا من مكافحة تهريب كل السلع بما فيها المحروقات التي تعبر حدودنا الشرقية والغربية والتي نجد جزءا منها على الأقل يروج في السوق الموازية. وهي سوق على عكس ما يتوقعه البعض "منظمة". بمعنى أن لها ناشطين ومسالك توزيع وأليات في خصوص عمليات الشراء والبيع.

وفي هذا الجانب هناك موضوع أخر قد لا يفكر فيه البعض ومن بينهم الساسة الذين يحكموننا والذين ينسون أحيانا أن أي مقاربة لابد أن تكون "سيستيمية" أي شاملة تأخذ في الاعتبار جوانب مختلفة وهي المتعلقة بموضوع قدرة السلط العمومية على إقناع التونسيين بعملية إلغاء الدعم وبنجاعة الأليات الموضوعة لكي لا تتأثر المجموعة الوطنية بالإجراءات المتخذة في هذا السياق. وهو موضوع على غاية من الأهمية فالداهية نيكولو ماكيافلي والذي يعتبر مرجعا في إدارة الشأن العام والذي دون في الغرض نصائحه في كتابه الشهير "الأمير" يقول "على الحكام أن ينجحوا في إقناع الناس".

وأمام هذه المعطيات علينا أن نعي أن نجاح العملية برمتها قد يكون رهين هذه القدرة على "صناعة الوفاق" كما يقول المفكر الأمريكي نوام شومسكي وهي عبارة شكلت عنوان              والمحور الأساس لأحد أهم مؤلفاته. والحال أننا تعودنا على فشل ساستنا على المستوى الاتصالي!

بقلم : محمد قنطاره

التعليقات

علِّق