إصلاح المنظُومة السجنِية في تونس: هل يكون نجاح التجربة النموذجية بمحكمة سوسة حافزا لتعميم نظام العقوبات البديلة ؟
متابعة وتحقيق : ناجح بن عافية
تشكو منظومة السجون والإصلاح بتونس منذ أمد من تدني سمعتها على المستويين الداخلي والخارجي، مثلما تؤكّده التّقارير الصادرة عن المنظمات والهيئات الدولية ذات الاختصاص ولعل أبرزَها تقرير المفوضيّة السامية لحقوق الإنسان التابعة للمنتظم الأُمَمي.
تضمّن هذا التّقرير العديد من الإشارات السلبية حول منظومة السجون التونسية ليخلص إلى إستنتاجين رئيسين أوّلهما الارتفاع الكبير لنسبة الاكتظاظ وثانيهما قِدَمُ الوحدات السّجْنيّة ومراكز الإصلاح و ترهّل بناها التّحتية.
فبالنسبة إلى الإكتظاظ، أكّد التقرير، نقلا عن معطيات من وزارة العدل التونسية تعود إلى سنة 2013، أنّ نسبتة بلغت أو تفوق 150% . كما بلغ عدد السجناء في تونس 297 سجينا عن كل 100 ألف ساكن. أمّا فيما يتعلّق بالسجون في حد ذاتها، والبالغ عددها 27، فأنها تعاني من تصدّع هيكلي، علما وأن معظمها يتكون من بِنَايَاتٌ لمْ تُنشأ في الأصل لتكون سجونا خاصة وأنّ الكثير منها شيّد منذ عهد الاستعمار والبعض منها في بدايات الحقبة ألاستعمارية. حيث أنّ سجن الكاف، على سبيل الذِّكر لا الحَصر، وقع بناؤُه منذ سنة 1887.
أسهمت الخاصيّاتان السابقتان للسجون التونسية بصفة مباشرة في شلّ المنظومة التونسية وفي عدم موائمتها "للمعايير الدولية من حيث معاملة السجناء "وفق قواعد نيلسون مانديلا وقواعد معاملة النساء السجينات والأطفال والأجانب والفئات المستضعفة والمهمشة". هذا الوضع حتّم على الدولة التونسية الإنخراط، وبدون أدنى تأخير، في برنامج إصلاح شامل للمنظومة السجنية والمنظومة الجزائية معا، وفقا لما أوصت به أغلب التقارير الصادرة حول الوضع التونسي وهو كذلك ما يستوجبه ضرورةً الانصياع لمقتضيات دستورنا الجديد الذي جرّم صراحة التّعذيب وجعل عقوبته لا تسقط بمفعول التقادم.
تجربتنا مع الإصْلاح
إنطلقت أولى خطوات الاصْلاح في تونس بتعديل المنظومة القانونية الجزائية، حيث أضيف إلى المجلة الجزائية الفصل 15 مكرر الذي وقع تحويره، بدوره، فيما بعد بالقانون عدد68 لسنة 2009 والذي نّص على أنّ: " "للمحكمة إذا قضت بالسجن النافذ لمدة أقصاها عام واحد أن تستبدل بنفس الحكم تلك العقوبة بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة وذلك دون أجر ولمدة لا تتجاوز ستمائة ساعة بحساب ساعتين عن كل يوم سجن.
ويحكم بهذه العقوبة في جميع المخالفات وفي الجنح التي يقضى فيها بعقوبة سجن لا تتجاوز المدة المذكورة أعلاه".
كما أضيف، بمقتضى القانون عدد93 لسنة 2002 المتعلق بالصلح الجزائي، لمجلة الاجراءات الجزائية الفصل 335 مكرر ونصه: " يهدف الصلح بالوساطة في المادة الجزائيـة إلـى ضـمان جبـر الأضرار الحاصلة للمتضرّر من الأفعال المنسوبة إلى المشتكى به مع إذكـاء الـشعور لديـه بالمسؤولية والحفاظ على إدماجه في الحياة الاجتماعية"...
على هذا الأساس، أصبح القانون التونسي الجديد يجيز للقاضي النُطق بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة كإجراء بديل لعقوبة السجن على أن لا تزيد مدة هذه العقوبة عن السنة بعد أن كانت 6 اشهر في مرحلة أولى. كما أصبح هذا القانون يجيز للنيابة العمومية إيقاعَ الصُّلْحِ بين الأطراف المتنازعة في القضايا التي يحصل فيها ضررٌ مادّي لأحد الطرفين وحدّدَ مقدار التعويض بـ5000 دينار على أقصى تقدير مع اشتراط رضاء الخصمين وأن تنفذ العقوبة تحت رقابة القضاء وفي آجال محددةٍ يضبطها القانون.
لكن، بعد مرور سنوات على هذا التحْوير، أثبتت التجربة أن هذه الحلول هي في الحقيقة حلول منقوصة من الناحية العملية وغير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع, حيث أن المشرع لم يضع آليات وتصورات واضحة تسهّل عملية التنفيذ ولم يحدّد من هو مؤهّل للقيام بها. وهذا ما انتهى إليه معظم الخبراء والقضاة ومن ضمنهم المستشار لدى محكمة الاستئناف بسوسة عبد الحكيم جمعة والذي هو في ذات الوقت عضو في هيئة قيادة التجربة النموذجية بها.
أَيُّ مَفْهُومٍ لِعُقُوبَةِ الْعَمَلِ لِفَائِدَةِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ؟ مَنْ يُسْعَفُ بِهَا؟
إِنَّ العمل لفائدة المصلحة العَامة هي عقوبة بديلة عن عقوبة السجن المصرح بها و التي يجب أن لا تتجاوز مدَّتها السنة. ويُنْجَزُ العمل لفائدة المصلحة العامة دون أجرٍ لمدةٍ لا تتجاوزُ 600 ساعة بحساب ساعتين عن كل يوم سجن. ويسعف بالحكم بالعمل بهذا الاجراء الجانحون المدانون في القضايا التالية:
جنح الإعتداء بالعنف الشديد الذي لا يترتب عنه سقوط أو تشويه, وجرائم مخالفة قانون الطرقات باستثناء جريمة السياقة تحت تأثير الكحول, وترديد شعارات منافية للأخلاق والتجاهر بما ينافي الحياء, والقذف والمشاركة في معركة واكتساح الملاعب أثناء المباريات الرياضية, إضافة إلى جرائم الإعتداء على المزارع أو على عقار مسجل والإستيلاء على مشترك قابل للقسمة, وكذلك إصدار شيكات بلا رصيد شرط خلاص المستفيد والمصاريف القانونية, والسكر المتكرر, وجرائم إهمال عيال وعدم إحضار محضون, والجرائم المتعلقة بمخالفة قانون الشغل وقانون الضمان الاجتماعي.
كما يُسْعَفُ بنفس الاجراء المتمتعون بالصّراح الشرطي والذين لا تتجاوز عقوباتهم الثمانية أشهر على أقصى تقدير، مع اشتراط أن يكون المُسْعَفُ بأداء العمل لفائدة المصلحة العامة نقي السوابق العدلية وأن يقبل المعني بالأمر ،أيضا، أداء العقوبة البديلة للسجن.
تختلف عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة إِختلافًا جِذْرِيًا عن عقوبة الاشغال الشّاقة التي لها وقعًا سَلْبِيًا مع كل الرواسب القاتمة التي خلَّفَتْهَا في المِخْيَالِ الشعبي الشيء الذي خلق لدى البعض من المدانين يخلطون بين العقوبتين مما أدّى بالبعض منهم بتفضيل السجن على هذه العقوبة البديلة.
كما خلق هذا الأمر صعوبة لدى المسؤولين بالمؤسسات والمنشآت العمومية، التي من المفترض أن تحتضن المحكومين بأداء العمل لفائدة المصلحة العامة والمصطلح على تسيمتها "المؤسسات المنتفعة"، في قبول هذا الأمر بسلاسة. وقد أوجبت هذه الوضعية ايجاد صيغ وطرق للتوعية والتوضيح.
مُلْتَقَى الْقَيْرَوَانْ لِسَنَةِ 2008 وَرِحْلَةُ الْبَحْثِ عَنْ حُلُولٍ تَطْبِيقِيَّةٍ
أدّى الإصلاح القانوني في المنظومة الجزائية، المشار له آنِفا، إلى صدور ما يناهزُ 1900 حكم بالعمل لفائدة المصلحة العامة خلال الفترة المتراوحة بين سَنَتَيْ 1999 و2008 لكنها لم تجد طريقها للتطبيق في معظمها ،كما اسلفنا الذكر، لغياب آلية ومنهجية واضحة لذلك، وهو ما برر انعقاد ملتقى سنة 2008 بولاية القيروان والذي قع تنظيمه بالتنسيق بين المحكمة الابتدائية بالجهة ووزارة العدل، على اعتبار تفاقم الاشكال بهذه المنطقة، على ما يبدو، وقد دُعِي له كافة القضاة.
الهدف من هذا الملتقى، كانَ البحث عن تصورات عَمَلية لتنفيذ عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة كعقوبة بديلة للعقوبات السجنية السالبة للحرية. وكانت ضربة البداية لسلسلة من ورشات التفكير والدّراسات أفضت في مجملها إلى ضرورة القيام باتصالات وزيارات لدول ومنظمات من أجل الاطلاع على التجارب المقارنة في البلدان التي لها سبْقٌ في تطبيق مثل هذه العقوبات. وقد أفضى هذا التمشّي إلى إقامة علاقات واتفاقات تعاون مع الهيئة الدولية للصليب الأحمر والاتحاد الأوروبي. وبعد اٌطلاع والدراسة أوصى الشركاء بإقامة مشروع مشترك في شكل تجربة نموذجية بمحكمة الاستئناف بسوسة مرجع نظر المحكمة الابتدائية بالقيروان آنذاك. ووقع لهذا الغرض، في مطلع سنة 2010 ، تكوين وحدة قيادة تتكون من 8 قضاة من ضمنهم قاضي تنفيذ العقوبات والوكيل العام بالمحكمة المذكورة والذي له مهمة الاشراف العام على العملية.
وانطلقت فعلا وحدة القيادة في أعمالها بالتنسيق مع الهيئة الدولية للصليب الأحمر وبدعم من الاتحاد الأوربي في القيام بسلسلة من الزيارات الميدانية لعدد من البلدان ومن ضمنها بعض المقاطعات السويسرية والتي وقع الاختيار على إحداها من أجل إحلال تجربة مماثلة لتجربتها بتونس. ومن هنا كان إحداث مكتب المصاحبة بسوسة.
مَكْتَبُ الْمُصَاحَبَةِ: مَفْهُومُهُ وَدَوْرُهُ وَأَهْدَافُهُ
أُحْدِثَ مكتب المصاحبة بسوسة، بمبادرة مشتركة بين اللجنة الدولية للصليب الأحمر و وزارة العدل التونسية، وقد اشتمل المسار التأسيسي لهذا المكتب على ثلاثة مراحلٍ محورية وهي:
- مرحلة التكوين و التأطير: وتمثلت في تنظيم أيام دراسية ( من 25 نوفمبر 2012 إلى 7 ديسمبر 2012) بمقر المحكمة الابتدائية سوسة تلقى خلالها أعضاء هذا المكتب والمشرفين عليه، تكوينا نظريا حول تاريخية هذه الفكرة و أهدافها وعرض لبعض التجارب و من ذلك عرض للتجربة السويسرية تحت إشراف رئيس المؤسسة السويسرية للمصاحبة بمقاطعة فود "جاك موني".
مع الإشارة إلى أن المكتب يتألف من أربعة إطارات تابعين لمصلحة السجون والاصلاح، يتمتعون بخبرة لا يستهان بها و يتميزون بالتخصص في المجال النفسي والاجتماعي، يعملون تحت إِمْرَةِ قاضي العقوبات وإشراف وإحاطة من السادة القضاة أعضاء خلية القيادة ومصاحبة ومساعدة فنية من المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي.
- مرحلة إحداث المكتب و تسمية الأعضاء: وقع الاختيار على المقر القديم لمحكمة الناحية الكائنة ببناية المحكمة الابتدائية سوسة 2 و هو فضاء يسمح لمكتب المصاحبة بممارسة مهامه و استقبال المحكوم عليهم بمكاتب مستقلة. وقد وقع تجهيز المكتب بكل وسائل العمل المتاحة من تجهيزات إعلامية و مكتبية مع إمكانية الربط بالمنظومة الجزائية و وقع تسخير سيارة إدارية لتيسير تنقل أعضاء المكتب قصد متابعة و مراقبة تنفيذ المحكوم عليهم ببرنامج العمل في المؤسسات المنتفعة و التواصل معهم قصد مساعدتهم على الاندماج في محيط العمل.
- مرحلة انطلاق النشاط الفعلي لمكتب المصاحبة: كانت الانطلاقة الفعلية لنشاط مكتب المصاحبة بسوسة يوم الأربعاء 23/01/2013 وفق خطة عمل تمثلت في ما يلي:
1)أداء عدد من الزيارات للمؤسسات والمنشآت العمومية بالجهة مثل من المستشفى الجامعي بسهلول ومركز رعاية المسنين بسوسة و معهد الكفيف و مركز التكوين لذوي الاحتياجات الخصوصية بهدف التعريف بمكتب المصاحبة و مهامه و التعريف بأعضائه و ضبط العلاقات بين مكتب المصاحبة وهذه المؤسسات.
2) وقع توزيع الأدوار بين الأعضاء الأربعة لمكتب المصاحبة، والذين أطلقت عليهم صفة "المرافق العدلي"، بحيث تم تخصيص كل واحد منهم بعدد من "المؤسسات المنتفعة" وفق تقسيم جغرافي رباعي لمدينة سوسة مع الاعتماد على خارطة مدينة سوسة شمالا- جنوبا- شرقا-غربا، مع توزيع أيام الزيارات بالتناوب بينهم.
3) تكليف كل مرافق عدلي بإعداد ملف خاص بالمتابعة و المراقبة من طرف مكتب المصاحبة وفق الوثائق تحترم ثلاثة خصوصيات وهي: المرحلية في انجاز المهمة و تكثيف التواصل بين المحكوم عليه و "المؤسسة المنتفعة" وكذلك القيام بعملية تقييم من طرف المكتب وكذلك "المؤسسة المنتفعة".
تَجْرِبَةٌ نَمُوذَجِيَّةٍ حُبْلَى بِالنَّجَاحَاتِ وَهَذَا هُوَ الدَّلِيلُ
بعد مرور حوالي أربع سنوات على الانطلاق الفعلي للتجربة النموذجية في سوسة، أضحى من الطبيعي أن تقع محاولة لتقييم هذا العمل وتحديد نسب نجاحه والتعرف على الخطوات القادمة لتدعيمه. ولهذا الغرض كان لنا لقاء مع السيد عبد الحميد عبادة، الوكيل العالم لدى محكمة الاستئناف بسوسة ورئيس فريق العمل المشرف على عملية ارساء العقوبات البديلة حيث اعتبر محدثنا أنّ التجربة ناجحة وبنسب كبيرة تتجاوز 80% وهذا موثق بالأرقام حيث من جملة 687 ملف مقدم لانجاز العمل لفائدة المصلحة العامة وقع انجاز 555 حالة لحد الآن موزعة بين ممتعين بالسراح الشرطي وبين محكومين مباشرة بالعمل لفائدة المصلحة العامة وأطفال جانحين وقع اعادة ادماجهم في الوسط العائلي مع مصاحبتهم بإخذاعهم لعملية مراقبة مثلما قامت به القاضية منية السافي مؤخرا ويعتبر هذا التدبير سابقة في تاريخ الاجراءات الجزائية التونسية.
أضف على ذلك، ووفق نفس المصدر، ساهمت هذه التجربة في تقليص الضغط بنسبة تناهز أو تفوق 25% بالنسبة لسجن "المسعدين" وهو ما يؤكد أنّ نظام العقوبات البديلة هو فعلا وسيلة ناجعة يمكن أن تساهم في حلّ معضلة الاكتظاظ داخل السجون والتخفيف من وطأتها. وهو شيء ايجابي، سيما وأنه لا يمكن لأي مشروع تأهيل للمؤسسات السّجنية أن يستقيم من دون تخفيف الضغط عليها وايجاد حل فعال لمسألة الاكتظاظ داخلها.
أمّا فيما يخص نسبة العود فهي لم تتجاوز نسبة 5% في حالة المحكومين بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة وهو ما يمثل تقريبا عشر نسبة العود في الحالات العادية والتي تبلغ أو تتجاوز بقليل الـــ 45%.
هذا فضلا عن التكلفة المادية المباشرة لتنفيذ عقوبة بديلة والتي هي أقل خمسة مرات على الأقل من التكلفة العادية. حيث اثبتت دراسات أن السّجين الواحد في تونس يكلف الدولة ما بين 23 و30 دينار يوميا ، وذلك دون اعتبار التكاليف الغير مباشرة والتكاليف الغير مادية، وهو ما يعني أن المجموعة الوطنية تتكبد يوميا حوالي مليون دينار كمصاريف تنفقها على نزلاء السجون. كما يمكن الإستنتاج، وبعملية حسابية بسيطة، أن الدولة تنفق على كل من يقضي سنة كاملة في السجن ما يقارب أو يزيد عن 10000 دينار. فأي تكلفة تتكبد المالية العمومية بعد أن قدرت إحصائيات قضائية هذا النوع من المساجين بنسبة تتجاوز الــ25%؟
أمّا فيما يتعلق بالتكاليف الغير مادية والغير مباشرة فلا مجال للمقارنة بين الحالتين. حيث أن من يقضي عقوبة بالسجن تتجاوز ثلاثة أشهر وفق القانون التونسي فأنه يفقد الكل أو بعض حقوقه المدنية حسب الحالات بمقتضى سجله العدلي المشوب بالسوابق بينما يحافظ المتهم المحكوم بأداء عقوبة بديلة على نظافة سجله العدلي وبالتالي يحافظ على حقوقه المدنية وفي مقدمتها عمله في بعض الحالات إلى جانب يسر إعادة إدماجه في الحياة العامة والمحافظة على مكانته الاجتماعية.
صُعُوبَاتٌ لاَبُدَّ مِنْ تَذْلِيلِهَا
تبقى تجربة العقوبات البديلة رغم نجاحها المسجل خلال التجربة النموذجية لمحكمة الاستئناف في سوسة قابلة للتطور وللتحسين وذلك بإدخالها حيز التطبيق في مجالات أوسع ووفق آليات متنوعة وبتذليل عقبات لاحت خلال الممارسة الفعلية لهذه التجربة حيث اوصى المشرفون على تجربة سوسة النموذجية ومن ضمنهم السيد عبد الحميد عبادة، الوكيل العام بمحكمة الاسئناف بسوسة، بضرورة إحداث تعديل تشريعي على مستوى مجلة الاجراءات الجزائية يجعل من العقوبات البديلة عقوبات أصلية وليست عقوبات احتياطية مع توسيعها من حيث النوع لتشمل التعويض الجزائي والأحكام بتأجيل التنفيذ و الصراح المؤقت والإيداعات المنزلية التي يستعمل فيها ما يسمى "بالسوار ألالكتروني وقد تحصلت تونس، بعد، على كمية من هذه التجهيزات قد تكون في طريقها للوصول أو وصلت بعهد، سيقع استعمالها في وقت قريب، متى توفر الاطار القانوني لذلك، إلى جانب آلية القضاء المفتوح وهي الالية التي يمكن اعتمادها مع المدانين الغير خطيرين حيث يمكن تمكينهم من ممارسة حياتهم العادية خلال النهار مع قضاء فترة الليل بأحد السجون. كما يوصى بأن يشمل التعديل التشريعي كذلك مسألة ينتقل السجل العدلي أو- بطاقة السوابق العدلية المتعارف عليها باسم البطاقة عدد3 - إلى إختصاص وزارة العدل عوض وزارة الداخلية حاليا مع برمجة رقمنتها وإلحاقها بمنظومة إعلامية حيث بطريقة تمكن من الوصول إليها آليا حيث وأنها وبوضعيتها الحالية يمكن أن تشكل تعطيلا كبيرا لعمل القضاة علما وأنّ الحصول على هذه الوثسقة يتطلب وقتا يصل في بعض الحالات لعدة اشهر. وخو ما من شأنه أن يصعب الاجراءات البديلة.
مَكْتَبُ الْمُصَاحَبَةِ: خُطْوَةٌ أُولَى فِي إِتِّجَاهِ إِحْدَاثِ مَحْكَمَةٍ لِتَنْفِيذِ الْعُقُوبَاتِ
يعمل مكتب المصاحبة كما تم تعريفه سابقا تحت إشراف وإمرة قاضي تنفيذ العقوبات، ومهمة قاضي تنفيذ العقوبات ووفق ما يحدده له القانون التونسي هي "مراقبة تنفيذ العقوبات السالبة للحرية وظروف قضائها بالسجن وإمكانية إقرار السراح الشرطي وتراخيص الخروج من السجن في ظروف معينة..." وهي وظائف كما نلاحظها لم تأخذ بعد بعين الاعتبار فرضية إدراج عقوبات بديلة كما هو الحال في التجربة النموذجية بمحكمة سوسة.
وبالنظر للوقع الايجابي الذي أحدثه النجاح المميز لهذه التجربة الجديدة كما أثبتته الأرقام آنفا ونظرا للنمط الجديد من الوضعيات والشخوص التي تجلت وبرزت من خلال هذه التجربة المجددة وبالرجوع إلى الأدوار التي اوكلت صلبها إلى قاضي تنفيذ العقوبات ومعاونيه والحاجة الملحة لمزيد التوسّع فيها وبما يمكن أن يكون عليه هذا الدور في المستقبل مع توسيع مجال تطبيق العقوبات البديلة وتكثيفها نوعيا من أجل التطابق مع المعايير الدولية ومع ما هو موجود في دول تجمعنا معها اتفاقات تعاون وتوأمة مثل فرنسا وألمانيا وما يمكن أن توفره لنا منظمات دولية تدعمنا مثل الصليب الأحمر الدولي والاتحاد الأوروبي والمكتب الأميركي المعني بمكافحة الجريمة والمخدرات والمنظمة الدولية للإصلاح الجنائي، وجب التفكير بجدية، ومثلما عبر عن ذلك القضاة أنفسهم، في تحويل وظيفة قاضي تنفيذ العقوبات إلى محكمة تامة الشروط تسمى محكمة تنفيذ العقوبات وإدماج مكتب المصاحبة صلب هذه المحكمة. وتنبع مشروعية هذا المطلب من الأدواره الريادية المنطقة في عهدة منتسبِي مكتب المصاحبة، في الإحاطة بالمحكومين وتسهيل عملية إعادة إدماجهم وتحويل دور حارس السجن، وفقا للمفهوم التقليدي، إلى دور المرافق العدلي الذي يسهر على الالتزام بالأحكام القضائية مع مراعاة مصلحة المدان وحقه في الحفاظ على كرامته ومساعدته على مواصلة اندماجه في محيطه الاجتماعي.
المُنَظَّمَةُ الدُّوَلِيَّةُ لِلْإِصْلَاحِ الْجِنَائِي تُرَاهِنُ عَلَى نَجَاحِ التَّجْرِبَةِ النَّمُوذَجِيَّةِ
تعتَبر المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي أكبر هيكل في العالم يعمل بالتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية والحكومات وجمعيات المجتمع المدني وناشطي المجتمع المدني من أجل بناء "نظام جنائي عادل وفعال". وتستمد المنظمة مقاربتها الشاملة حول عملية الاصلاح الجنائي وفق المعايير والمقاييس الدولية وتعمل على "تطوير وتطبيق الآليات الدولية لحقوق الإنسان الخاصة بتنفيذ القانون وتحسين ظروف السجون والاحتجاز" كما تعمل في المنطقة العربية "على تطوير ودعم حلولاً تراعي الخصوصية الثقافية للإصلاح الجزائي والجنائي. من خلال مناهج عمل رئيسية".
وما اهتمام هذه المنظمة بالتجربة التونسية ومرافقتها لعملية الاصلاح التي انخرطت فيها تونس منذ سنوات إلا دليل قاطع على نجاح منهجية العمل المتبعة من خلال إرساء التجربة النموذجية في محكمة الاستئناف بسوسة وبرهان على ايمانها بأن تونس بهذه التجربة بدأت فعلا تتحسس طريق الاصلاح القويم وأن تجربتها جديرة بالدعم والمتابعة والتعميم.
وقد قامت المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي بمرافقة التجربة النموذجية التي أدت إلى إحداث مكتب المصاحبة بسوسة وقامت ولا تزال بتسيير عدد من الورشات التدريبية لفائدة القضاة والمحامين وأعوان السجون والإصلاح بمن فيهم أعضاء مكتب المصاحبة ذاته وكذلك عدد هام من جمعيات المجتمع المدني المهتمة باتفاق عقود شراكة مع وزارة العدل من أجل المشاركة في بلورة حلول لإصلاح المنظومة السجنية واقتراح نشاطات داخل السجون وهو ما تم بالفعل في المدة القليلة الفارطة داخل سجن "المسعدين" ومركز الاصلاح بسيدي الهاني.
هذا، وتسيّر المنظمة سلسلة من اللقاءات الدورية مع عديد المتدخلين والمهتمين بتجربة إصلاح المنظومة السجنية من أجل الاطلاع والمشاركة في اثراء ما يمكن تسميته بالحوار المجتمعي حول إصلاح المنظومة السجينة في تونس ومن أجل التوعية بإيجابيات هذه التجربة والمساهمة في تذليل الصعوبات والبحث عن حلول.
وبعد أن تبينت المنظمة المنهجية التي ارستها تونس بالتعاون مع شركائها وداعميها الدوليين أمضت يوم 17 ماي الفارط على اتفاقية مع وزارة العدل التونسية والتي تتنزل وفق ما عبرت عنه المديرة الاقليمية لمنظمة الاصلاح الجنائي،تغريد جبر، حيث قالت:
"من خلال الدراسات الميدانية لواقع السجون في المنطقة ندرك بوعي تام ومنهجية علمية اهمية العمل من اجل تفعيل العمل بالعقوبات البديله والاتجاه نحو استبدال العقوبات السالبة للحرية باخرى مجتمعية تفيد المجتمع وتسهل عملية اعادة الادماج الاجتماعي للأشخاص الذين يقعون في نزاع مع القانون وخاصة في مجال استبدال العقوبات بتدابير وعقوبات بديله والحاجة الى برامج مصاحبة ولاحقة لتحسين نوعية حياة السجناء مساعدتهم على تجاوز الوصم الاجتماعي والضغوط التي يتعرضون لها نتيجة مرورهم بتجربة التجريد من الحرية."
قبل أن تضيف "ان المنظمة وشركائها ومن خلال الانشطة المشتركة التي تم الاتفاق عليها والتي ضمنت في مذكرة التفاهم التي وقعت اليوم مع وزارة العدل في تونس يؤمنون بان تعزيز الامن المجتمعي ومكافحة التطرف وزيادة الشعور بالمسؤولية المجتمعية تتطلب مشاركة واسعه لكل اطياف المجتمع ومكوناته من مؤسسات رسمية ومجتمعية ومواطنين لإيجاد البيئة المناسبة الصالحة لمساعدة السجناء وإصلاحهم وتأهيلهم وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن السمات الايجابية في شخصياتهم وتنميتها لصالحهم وصالح المجتمع .
حصري: إحداث ثلاثة تجارب نموذجيّة جديدة
خلال لقئنا بالسيد الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بسوسة والمشرف العام على التجربة النموذجية الخاصة بالعقوبات البديلة علمنا أنه تمت المصادقة من طرف وزارة العدل وبالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، على أنشاء ثلاثة تجارب نموذجية جديدة بكل من ولايات منوبة وبنزت والمنستير. ويعتبر هذا الاجراء في حد ذاته اقتناعا بنجاح التجربة النموذجية المتواصلة منذ سنوات في ولاية سوسة، ولو أن الآمال كانت معلقة على أن تشمل هذه التجربة ثمانية ولايات إضافية.
التعليقات
علِّق