حرق أضرحة الأولياء الصالحين ، فتنة طائفية أو ورقة سياسية أو " غزوات " سلفية ؟

بقلم : الناصر الرقيق
تزخر تونس كما باقي بلدان المغرب العربي بالعديد من الأضرحة و مقامات أولياء الله الصالحين الذين تقصدهم العامة و حتى الخاصة للتبرّك بكراماتهم و التوسّل بهم لقضاء الحوائج و تفريج الكرب فهذه الزوايا المنتشرة من الشمال إلى الجنوب ظلّت لسنين طويلة محافظة على مكانتها في قلوب مريديها و كانت تنسج القصص و الروايات العجيبة حول القدرات الخارقة لصاحب السرّ و الفضل و الكرامة مولاي و سيدي فلان الذي هو نزيل تلك الزاوية و كانت هذه الأعاجيب تتوارثها الناس مشافهة لتنتقل من جيل إلى آخر.
لكن كما جميع الموروث القديم ( أقصد كلّ ما كان متعارف عليه قبل الثورة ) فإنه بسقوط النظام برز من بين الشعب التونسي من ثار عليه حيث أصبح لا يرى فائدة من تواصل وجود هذه الزوايا و بصيغتها التعبدية لدى الناس لأنه في إعتقاده نوع من أنوع الشرك بالله سبحانه و تعالى و أن الولي الصالح إنما عمله إن كان كذلك فهو لنفسه فقط و لن ينفع غيره أبدا و طبعا هذا نوع و نمط من التفكير برز للعلن بعد الثورة لكن في مقابل ذلك فإنه هناك نوع آخر من التفكير عكس السابق يرى أو بالأحرى يحاول الركوب على مثل هذه القضايا أملا منه في تحقيق مكاسب سياسية و هذه الفئة لم يعرف عنها لا سابقا و لا لاحقا أي إهتمام بهذا الموروث الذي يبقى في الدائرة الإسلامية مهما إختلفت النظرة إليه نظرا لكونها أي تلك الفئة لا تعترف إلى الآن بالموروث الإسلامي لتونس حيث أنها لا ترى فيه إلا نوعا نوعا من التخلف و الظلامية و هذا كلامهم طبعا تصريحا لا تلميحا في مقابل ذلك تنبري للدفاع عن زاوية أو مقام إذا ما حرق و هذا لعمري في القياس عجيب.
و بعيدا عن نمط التفكير الأوّل و أيضا الثاني أريد تناول مسألة المقامات و الزوايا من جانب عقلاني و هادئ يختلف تماماً عمّا ذهبت إليه الفئتين فهذا الموضوع الموروث و المعقّد نسبيا أعتقد أنه و دون خجل قد حان الوقت لنضعه على مائدة للنقاش حتى نتوصل للخروج بحلّ دائم له و عدم تركه مجالا للتجاذبات لأنه في النهاية يبقى ككلّ المواضيع يمكننا الخوض فيها بإعتبار أنه ليس من المحرّمات و لنكن صرحاء فكثير من هذه الزوايا أقيمت على غير أسس أي أنها بنيت و أسند لها إسم سيدي فلان و هو في حقيقة الأمر شخصية خيالية غير موجودة إلا في أذهان من بنوها و ذلك بهدف تجاري بحت نتيجة ما يغنمونه من زوّار الزاوية و هناك الكثير من الشواهد في هذا الأمر لذلك فمن الأولى القيام ببحوث علمية في هذا الصدد.
كما أنه في عهد الحماية الفرنسية و أيضا في ظلّ حكم بورقيبة ( الذي كان قد شنّ حملة هدم فيها الكثير الزوايا نظرا لكونها رمزا للتخلّف و الجهل حسب رأيه لكن عدل عن ذلك بنصيحة من مستشاريه نظرا لكونها مدخلا لدمغجة الناس و السيطرة عليهم و قطع الطريق أمام حركات الإسلام السياسي) و بن علي عملوا جميعا على تدعيم هذه الزوايا و المقامات و تشييد العديد منها بهدف تجفيف ينابيع الدين الثائر أي ذلك الذي كانت تتحدث عنه أدبيات الحركة الإسلامية و الداعي للثورة على كلّ أشكال الظلم و القهر و الإستبداد و لجعل الدين و التعبّد مقصورا على الممارسات التي تتم في تلك الأماكن و تحت أيادي مشائخ الصوفية الذين يشرفون على تسيير أغلب الزوايا و للإشارة فإن الصوفية يرون بضرورة طاعة ولي الأمر و حرمة الخروج عليه و لو كان كافرا و بطبيعة الحال فهذا النمط من التفكير ساعد في جعل الزوايا تلعب أدوارا إيجابية لفائدة من حكموا تونس و سلبية بالنسبة للشعب و طموحه في الإنعتاق و نيل الحرية إلى درجة وصلت ببعضهم للقول بأن الإحتلال الفرنسي لتونس في ذاك الوقت قضاء و قدر لهذا يقال أن شاعر الخضراء أبو القاسم الشابي قال بيته المشهور ردّا على هؤلاء :
إذا الشعب يوما أراد الحياة ********** فلابد أن يستجيب القدر
و كأن لسان حاله يقول أن الإستعمار ليس قضاء و قدر و أنه يمكننا التغلب عليه و كذلك فإن الديكتاتورية ليست قدرا محتوما لأن الشعوب هي من ترسم أقدارها بعون من الله سبحانه و تعالى و هي أبقى من حاكميها.
إضافة إلى كلّ ذلك فإن عديد الأشياء التي تحدث داخل تلك الزوايا لا تمت لا للدين و لا للعرف و لا للتقاليد بصلة و هنا طبعا لا أقصد بعض الأفعال التي فيها نوع من الشرك بالله سبحانه و تعالى لأن ذلك مفروغ منه بل أقصد ما يتمّ من ممارسة للفواحش و إنتهاك للحرمات و العياذ بالله و هذه أشياء لديّ فيها أدلّة كثيرة حيث أنه بإسم إخراج الجان و مداواة النساء من الأمراض المستعصية يتمّ الإعتداء عليهن و سلبهن لحليّهن و أموالهن بإستخدام حيل شيطانية و يكفي أن يزور أحدكم إحدى الزوايا ليلة إقامة الحضرة و سيكتشف الأهوال التي تحدث و طبعا فإن الولي الصالح المدفون هناك إن كان حقّا موجود فهو بريء من كلّ أولائك و من أفعالهم الخسيسة التي يأتونها مستترين بإسمه.
إذن لابد من إعادة النظر في هذه المسألة بكلّ تجرّد و موضوعية و دون مزايدات سياسية و طبعا ليس عن طريق الحرق الذي يأتيه بعض المتطرفين في حقّ تلك المقامات ظنا منهم أنهم يحررون غيرهم من الوثنية أو الذي تأتيه بعض العصابات الإجرامية التي تأتمر بأوامر المتطرفين في الجهة الأخرى ( أعداء المشروع الإسلامي ) ظنا منهم أنهم بذلك سيسجلون نقاط جديدة ضدّ خصومهم في الإيديولوجيا و مستغلين في ذلك بعضا من منابرهم الإعلامية التي ستسعى منذ إشاعة خبر الحرق لإتهام طرف بعينه لكن مع كلّ هذا التطاحن و التشاحن بين المتطرفين في كلّ الجهات الذين في نهاية الأمر يسعون لخراب البلد لا يجب علينا نحن المعتدلين أن نسدل أيدينا في مواجهة هؤلاء بل علينا أن نتصدى لهم و أن نضع هذه المسألة أمام الخبراء و الباحثين في هذا المجال ليجدوا لنا حلولا كفيلة بتجاوز هذا المسألة و بعيدا عن أي توظيف سياسي لها.
أوكار السّحر و الشّعوذة و الكفر
Soumis par Anonyme (non vérifié) le 24 جانفي, 2013 - 23:23