7 استنتاجات من إعلان رئاسة الجمهوريّة استعدادها لتنظيم حوار وطني

7 استنتاجات من إعلان رئاسة الجمهوريّة استعدادها لتنظيم حوار وطني

بقلم : أ.عبد اللطيف دربالة

طبقا لبيان صادر عن رئاسة الجمهوريّة أمس الأربعاء 24 مارس 2021.. فقد أعربت عن استعدادها "للإشراف على تنظيم حوار وطني بمشاركة واسعة من الشباب عبر وسائل الاتصال الحديثة، بما يُمكّن من بلورة مقترحات ومطالب تنطلق من المستوى المحلّي ثمّ تتمّ صياغتها لاحقا من قبل مختصين في كافة المجالات على المستويين الجهوي والوطني للتوصّل إلى مخرجات متناغمة ومتناسقة.

وأكّد رئيس الجمهورية على أن الأمر يتعلّق بمخطط اقتصادي واجتماعي ينبع من إرادة الشعب، وعلى ضرورة أن تتوفر الإرادة الصادقة لاتخاذ قرارات جريئة للخروج سريعا من هذه الأزمة والانطلاق نحو أفق أرحب ومستقبل أفضل يجني ثماره الجميع على قدم المساواة.".. وذلك طبقا لما جاء حرفيّا بنصّ البيان المنشور قبل ساعات على صفحة الرئاسة على الفايسبوك..

-

يثير الإعلان الرئاسي الملاحظات السريعة التالية في انتظار تبلور هذه المبادرة وتوضّح تفاصيلها أكثر لاحقا.. وتفاعل مختلف الأطراف السياسيّة معها:

-

1 ـ أنّ إعراب رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد عن استعداده "للإشراف على تنظيم حوار وطني بمشاركة واسعة من الشباب عبر وسائل الاتصال الحديثة".. يعني أنّه محاولة لتعويم مبادرة الحوار الوطني التي اقترحها الاتحاد العام التونسي للشغل.. وساندتها عدّة قوى سياسيّة.. وذلك بجعلها حوارا أوسع يشمل القواعد الشعبيّة ولا يقتصر على الأطراف السياسيّة والمنظّمات الوطنيّة..

وهو اقتراح سبق لقيس سعيّد طرحه سابقا.. ولم ينل رضا اتّحاد الشغل الذي اعتبره محاولة للالتفاف على مبادرته بتشريك القوى السياسيّة الفاعلة في البلاد وأحزاب الحكم والمعارضة التي بيدها فعليّا اقتراح وتنفيذ حلول عمليّة وناجعة للخروج من الأزمة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة الراهنة..

لكن من الواضح أنّ الرئيس سعيّد مصرّ على أن لا يكون الحوار إلاّ كما يراه هو.. وقد عبّر عن ذلك بوضوح في خطابه الشفاهي اليوم..

-

2 ـ أنّ الحديث عن إشراك الشباب في الحوار الوطني "بما يُمكّن من بلورة مقترحات ومطالب تنطلق من المستوى المحلّي ثمّ تتمّ صياغتها لاحقا من قبل مختصين في كافة المجالات على المستويين الجهوي والوطني".. معناه أنّ الرئيس سعيّد يحاول استغلال الحوار الوطني لفرض رؤيته السياسيّة حول إعادة تنظيم السلطة من القاعدة إلى القمّة وفق البناء الذي يتخيّله.. (من المحلّي إلى الجهوي إلى الوطني).. والذي لم يقدّم الرئيس حتّى اليوم أيّ رؤية واضحة في خصوصه ولم يقدّم أيّ ورقة عمل أو شرح دستوري وقانوني وتفصيلي لها.. رغم أنّه في الأصل أستاذ قانون دستوري.. وكان حريّا به تنظيم وكتابة نظريّته السياسيّة المستحدثة ولو في بضع ورقات بحثيّة لشرحها ورفع الغموض عن خطابه في الخصوص.. وخاصّة بيان الآليّات القانونيّة والدستوريّة والسياسيّة لتنفيذها بعيدا عن النظريّات المجرّدة والطوباويّة..

-

3 ـ أنّ صيغة بيان رئاسة الجمهوريّة عن الحوار الوطني الواسع تحدّثت عن "تنظيم حوار وطني بمشاركة واسعة من الشباب".. دون أن تفصّل أو تبيّن هل أنّ الحوار الوطني المقصود يشمل الأطراف والقوى السياسيّة مثل أحزاب الحكم والمعارضة والمنظّمات الوطنيّة وجمعيّات المجتمع المدني وما شابهها بالإضافة إلى تشريك الشباب.. أم أنّه حوار وطني يقتصر فقط على الشباب لا غير..؟؟

-

4 ـ أنّ التنصيص على الحوار عبر وسائل التواصل الحديثة مع مشاركة واسعة للشباب.. تعني بوضوح أنّ رئيس الجمهوريّة لا يعترف بالأحزاب السياسيّة الموجودة في البرلمان.. سواء منها الداعمة للحكومة أو المعارضة لها.. وسواء منها الحليفة مع رئيس الجمهوريّة أو المعارضة له.. لا يعترف بها كممثّل للشعب برغم أنّها منتخبة بدورها من قبل الشعب في انتخابات تشريعيّة مباشرة.. وأنّ الفسيفساء الموجودة بمجلس نواب الشعب وعلى تشتّتها وتناقضها وصراعاتها.. فإنّها تعكس وتمثّل واقعيّا كلّ الحساسيّات والألوان السياسيّة بالمجتمع التونسي.. وبالتالي فهي تمثّل الشعب التونسي أفضل تمثيل..

-

5 ـ أنّ الإعلان عن استعداد رئاسة الجمهوريّة لتنظيم حوار وطني وذلك بحضور نزار يعيش وزير الماليّة السابق في حكومة إلياس الفخفاخ.. وتقديمه "عرض مفصّل حول وضعية الاقتصاد والمالية العمومية والميزانية وتهديداتها المباشرة على الأمن القومي، وتقدّم بمقترحات عملية وتصوّر متكامل لحلول وإصلاحات من شأنها المساعدة على الخروج بالبلاد من الأزمة الراهنة.".. كما جاء حرفيّا ببلاغ الرئاسة.. هو تناقض في موقف رئاسة الجمهوريّة ذاته..

فهو من جهة يتحدّث عن حوار وطني شعبي "بما يُمكّن من بلورة مقترحات ومطالب تنطلق من المستوى المحلّي ثمّ تتمّ صياغتها لاحقا من قبل مختصين في كافة المجالات على المستويين الجهوي والوطني للتوصّل إلى مخرجات متناغمة ومتناسقة".. و"أن الأمر يتعلّق بمخطط اقتصادي واجتماعي ينبع من إرادة الشعب".. ومن جهة أخرى يقول بأنّ نزار يعيش "تقدّم بمقترحات عملية وتصوّر متكامل لحلول وإصلاحات من شأنها المساعدة على الخروج بالبلاد من الأزمة الراهنة.".. بما يعني أنّ اقتراحات الحلول جاهزة من القمّة.. ووقع تبنّيها مسبقا من رئاسة الجمهوريّة قبل حتّى أخذ رأي الشعب واستشارته.. وقبل مفرزات واقتراحات الحوار الوطني.. ولم يبق إلاّ تنفيذها..!!

-

6 ـ أنّ تقديم الدراسة الاقتصاديّة والماليّة من طرف الوزير السابق نزار يعيش مع "عرض مفصّل حول وضعية الاقتصاد والمالية العمومية والميزانية وتهديداتها المباشرة على الأمن القومي، وتقدّم بمقترحات عملية وتصوّر متكامل لحلول وإصلاحات من شأنها المساعدة على الخروج بالبلاد من الأزمة الراهنة." كما جاء بالبلاغ الرئاسي.. وتنويه الرئيس سعيّد بشخصه بوضوح.. يحيلنا إلى ما ورد على لسان النائب محمّد عمّار رئيس الكتلة الديمقراطيّة المعارضة بالبرلمان والقيادي بحزب التيّار الديمقراطي المتحالف حاليّا مع رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد.. من أنّ نزار يعيش هو أحد المرشّحين بقوّة لتكليفه من طرف الرئيس قيس سعيّد برئاسة الحكومة القادمة إن نجحت مساعيه مع الأحزاب المتحالفة معه في الإطاحة بحكومة هشام المشيشي.. كما جاء في التسريب الصوتي الذي اعترف محمّد عمّار بصحّته ولم ينكره.. ولكنّه طعن فقط في نزاهة وأخلاقيّة تسجيله ولم يطعن في محتواه..

-

7 ـ يعني كلّ السياق الذي تقدمّ شرحه أنّ رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد جهّز في الواقع لبرنامج حكومي جديد.. بعد أن رشّح وكلّف شخصا (هو نزار يعيش) لتحضير ذلك البرنامج.. وربّما هو يسعى لتكليفه أيضا بتنفيذه تحت غطاء حوار وطني.. سطّر الرئيس مسبقا خطوطه ومراميه وأهدافه والنتيجة التي يخطّط للوصول إليها.. عبر تعويم الحوار بإشراك طيف شعبي واسع فيه.. ربّما سيختاره أساسا من داعميه.. وتغييب الأحزاب السياسيّة عنه.. أو إضعافها وجعلها أقليّة في الحوار حتّى وإن حضرت..!!

وهو ما يعكس رغبة قيس سعيّد في إظهار الأمر وكأنّه خلق لشرعيّة جديدة للحكومة خارج الشرعيّة الانتخابيّة المجسّمة في مجلس نواب الشعب.. وذلك في شكل "شرعيّة شعبيّة" مباشرة تتفوّق من وجهة نظره على شرعيّة انتخاب الشعب للممثّليه بالبرلمان.. وربط تلك الشرعيّة الشعبيّة رأسا برئاسة الجمهوريّة.. أي بشخص قيس سعيّد نفسه الذي سيصبح مؤتمنا عليها.. والذي كلّف من يجسّم البرنامج الاقتصادي والاجتماعي.. وهو نزار يعيش.. أو أيّ شخص مثله.. يحوّله قيس سعيّد إلى منفّذ برنامج للحكم تحت إشرافه المباشر.. بما يحوّل مؤسّسة رئاسة الحكومة التي تتفوّق دستوريّا على مؤسّسة رئاسة الجمهوريّة نفسها في السياسة الداخليّة وإدارة الشأن العام الاقتصادي والاجتماعي داخل البلاد.. يحوّلها إلى مجرّد رئاسة للوزراء تحت إشراف وتوجيه وبرنامج رئاسة الجمهوريّة..

ويصبح رئيس الحكومة والحالة تلك.. عمليّا وواقعيّا.. مجرّد وزير أوّل لدى رئيس الجمهوريّة..!!

-

التعليقات

علِّق