وكالات التصنيف الانتمائي ..ماهي وكيف تشتغل وما هي مخاطرها؟

وكالات التصنيف الانتمائي ..ماهي وكيف تشتغل وما هي مخاطرها؟

ذكرت وكالتي "موديز" و "فيتش راتين" تونس خلال شهر مارس 2025 بخصوص الوضعية لبلادنا وأحد مكونات نسيجها الاقتصادي أي البنوك.

تم خلال هذا الشهر (مارس 2025) وفي مناسبتين اثنتين تداول أخبار في علاقة بلادنا بوكالات التصنيف الانتمائي. كانت الأولى عند اعلان وكالة "موديز" على " ترفع تصنيف تونس إلى "CAA1" مع نظرة مستقبلية مستقرة" (2 مارس 2025). والثانية حين أوضحت "فيتش راتينغ" أن نمو القروض البنكية في تونس لم يتجاوز 2% حتى نهاية سبتمبر 2024 رغم تبنّي البنوك معايير مرنة في منح القروض" (7 مارس 2025).

هذا وقد تعود المواطن التونسي منذ قيام ثورة 17 ديسمبر 2010-14 جانفي 2011 الحديث عن وكالات التصنيف الانتمائي دون أن يدري بالضبط ودوما الدور التي تقوم به وأهميتها بالرغم من أنه أدرك أن لها تأثير على سير الحياة الاقتصادية وبخاصة في علاقة مع التوازنات المالية لبلادنا.

وكثيرا ما كان المواطن التونسي يشعر بأن نشاط هذه الوكالات هو في علاقة ببعض المؤسسات المالية الدولية ومن بينها بالأساس صندوق النقد الدولي الذي قررت الدولة عدم اللجوء إلى خدماته بالنظر إلى الخطورة التي يمثلها هذا الأخير على الأمن والسلم الاجتماعيين إذ أنه يطلب فرض قرارات موجعة مثل حذف الدعم على المواد الأساسية والتخفيض من حجم الموظفين.

ثلاث وكالات عالمية كبرى

فما هي هذه الوكالات وما هو الدور الذي تضطلع به في عالم المال والأعمال وما هي تأثيراتها؟ يعرف عالم المال والأعمال عدة وكالات للتصنيف الانتمائي منها ما هي وطنية (أي أنها تهتم أساسا بالتصنيف الانتمائي داخل البلد الواحد) ومنها ما هي دولية (أي أن مجال نشاطها هو العالم بأسرها).

ويعتبر المختصون أن هناك ثلاث وكالات عالمية كبرى. وهي وكالات "ستندار أند بوورز" و "موديز و "فيتش رايتينغ" وهي التي تستحوذ على قرابة 94 في المائة من سوق التصنيف الانتمائي. وهي كذلك أمريكية. وتشير تقديرات أن رقم معاملاتها تأتي في حدود 12 مليار دولار وتشغل قرابة 23 ألف موظف عبر العالم.

"الملاءمة المالية"

وتؤدي هذه الوكالات بالأساس مهمة " أساسية تقوم ب "تقييم ووضع التصنيفات للجدارة الائتمانية للدول والجماعات المحلية (الجهات والمنطق والبلديات) والشركات والمؤسسات المالية وحتى الشخصيات التي تسعى إلى اقتراض الأموال". وتمثل ما تسمى "الملاءمة المالية" إذن محور اهتماماتها بمعنى " القدرة على الوفاء بالالتزامات عند الحصول على سلفة".

وتتولى في ذلك وضع مستويات من التصنيف " تتراوح ما بين "إيه إيه إيه" (AAA) الذي يعبر عن "درجة أمان عالية"، وهو أعلى تصنيف للجدارة الائتمانية ثم تصنيف "بي بي بي" (BBB) ويعني "جدارة ائتمانية متوسطة" فتصنيف "سي سي سي" (CCC) الذي يعني "جدارة ائتمانية عالية المخاطر"، وأخيرا تصنيف "دي دي دي" (DDD) والذي يشير إلى "جدارة ائتمانية متعثرة". ولكل تصنيف من كل هذه الأخيرة درجات تختلف حسب الجدارة داخل نفس التصنيف. من "الأفضل إلى الأقل أفضلية"

في منطقة حرجة

وتأتي بلادنا في التصنيف "سي سي سيس" ودرجتها «سي سيس سي 1" أي أعلى درجة "جدارة انتمائية عالية المخاطر". هذا وقد عرفت تونس منذ 2011 تدهورا ملحوظا في تصنيفها الانتمائي بل انزلاقا حادا.

وإذا أخذنا وكالة "موديز" فقد كان تصنيف بلادنا سنة 2010 في   "بي بي بي 1" وهي أعلى درجة في سلم "الجدارة ائتمانية المتوسطة" إلا أنه نزل سريعا في بداية سنة 2011 إلى «بي بي بي 3" وهي الدرجة الأدنى في نفس السلم مع التنويه إلى "نظرة مستقبلية سلبية". ويعزى ذلك فضلا عن الصعوبات الاقتصادية التي كانت تمر بها تونس فإنه تم التأكيد على المخاطر المتأتية من غياب الاستقرار السياسي   والذي يخشاه رجال الأعمال. وقبل أن يتواصل الانحدار لتدخل تونس في جانفي 2023 في منطقة حرجة مع تصنيفها "سي سي سي".

"الخروج على السوق المالية العالمية"

الشيء الذي يعني أن هذا الواقع أثر سلبا كما هو معروف على قدرة بلادنا على ما يسمى "الخروج على السوق المالية العالمية" بمعنى الاقتراض من المؤسسات المالية بنسبة فائدة مقبولة وإمكانية الاقتراض فقط بنسب مرتفعة تشكل عائقا عند تسديد المبلغ موضوع السلفة.

ففي حال خروج بلادنا على السوق المالية العالمية اليوم لا يمكنها وبالنظر إلى تصنيفنا الانتمائي الاقتراض بنسب أقل –حسب ما أفادنا به الخبير بسام النيفر-من 10 في المائة. وهي نسبة فائدة ثقيلة فالدولة التي تقترض بهذه النسبة لابد أن تنظر إلى ما تسمى خدمة الدين (القسط من المبلغ المقترض الذي لابد إرجاعه سنويا والذي تضاف إليه نسبة الفائدة الموظفة).

قنوات التعاون الدولي

وهنا نفهم بالطبع خطورة الدور الذي تقوم به وكالات التصنيف الانتمائي التي تؤثر بسبب تصنيفاتها على قدرة البلدان على الاقتراض وبالأسباب على إمكانات الاقتراض من عدمه. وهو ما يحدث فعلا فعديد الأطراف تمتنع عن الخروج على السوق المالية الدولية وتبحث عن صيغ أخرى ومن بينها بالأساس اللجوء إلى ما توفره قنوات التعاون الدولي مثل الاقتراض لدى الدول أو كذلك بعض المؤسسات المالية متعددة الأطراف والتي إذن تنتسب إلى مجموعات دولية أو قارية مثل البنك الأوروبي للاستثمار أو البنك الافريقي للتنمية التي قد تقدم قروضا بنسب أقل (في حدود 6 في المائة).

وقد اختارت بلادنا في هذا المضمار وإضافة بالطبع لما سبق ذكره اللجوء بالأساس إلى الإمكانات التي توفرها قنوات التعاون الدولي وكذلك المؤسسات المالية متعددة الأطراف أن تعتمد سياسة التعويل على النفس. وذلك بالاقتراض لدى البنوك المحلية فضلا عن استصدار السندات الرقاعية. وهو نهج أفضل يجعل البلاد في مأمن من مخاطرو من بينها بالطبع سيادتها الوطنية. علما أن اللجوء إلى السوق العالمية يحمل في عديد من الحالات مخاطر الابتزاز.

هذا ويعتبر جانبا من الخبراء والملاحظين أنه يحصل أن تكون تقديرات وكالات التصنيف الانتمائي خاطئة وتجر إذن بعض البلدان أو الشركات إلى كوارث مالية مثل ما وقع سنة 2008 حيث تسببت في أزمة عميقة وخانقة لليونان التي كادت تعيش وضع افلاس. ولم يتمكن هذا البلد إلى الرجوع إلى وضعه الطبيعي إلا بعد 15 سنة وبفضل مساعدة الاتحاد الأوروبي الذي ينتمي إليه.

محمد قنطاره

التعليقات

علِّق