وأخيرا تحرّكت النقابة : هل حان الوقت ليعرف المحامون و " الدخلاء " قدرهم ويكفّوا عن " الإعتداء " على مهنة الصحافة ؟

وأخيرا تحرّكت النقابة : هل حان الوقت ليعرف المحامون  و " الدخلاء " قدرهم ويكفّوا عن " الإعتداء " على مهنة الصحافة ؟

الظاهرة ليست جديدة لكنّها  استفحلت بعد الثورة . إلا أن الغريب فيها أن الهيئات المهتمّة  بالصحافة والإعلام بقيت تتفرّج تقريبا ولم تتحرّك من أجل إيقاف النزيف  ( ما عدا بعض الاحتجاجات أو لفت النظر ) وكأنّها اقتنعت بأن " أسهل مهنة " في هذه الدنيا ( في تونس أقصد ) هي أن تصبح صحافيّا . وفي الحقيقة فقد شاهدنا وتابعنا ورأينا اعتداءات كثيرة على مهنة الصحافة وأصبح الميدان مرتعا لكل من هبّ ودبّ وخاصة من المحامين والفنانين ( بمختلف مهنهم ) الذين " اغتصبوا " حقوق الصحافيين الحقيقيين واحتلوا مراكز المتخرّجين من معهد الصحافة وباتوا حاضرين في كلّ محفل... ينتجون وينشّطون برامج ( أغلبها تافه ولا معنى له ) ويدّعي بعضهم بكل سلاطة لسان أنه " صحافي "  ( من مهازل الدهر أن أحدهم لا ينسى في برامجه أبدا أن يقول لنا :أشكر زميلاتي الصحفيات )  ... وينكر بعضهم مهنته الأصلية علنا حتّى يقال عنه إنه صحافي...وبطبيعة الحال أنتج هذا الوضع تعاسة لا مثيل لها في مجال الصحافة وأفرز لنّا " صنّاع رأي " ومؤثّرين لا علاقة لهم بالصحافة ولا يعرف أغلبهم معنى الصحافة أصلا.

وفي خضمّ هذا " الإحتلال "  العلني الذي تمّ بعلم  كافة الأطراف المعنيّة أو غصبا عنها ( عمادة المحامين مثلا )  ظلّت هياكل مهنة الصحافة صامتة مغلوبة على أمرها وهي ترى جحافل المتطفّلين تغزو ساحتها يوما بعد يوم حتى تكاد تكون هذه الطفيليّات الأغلبية في المشهد الإعلامي التونسي اليوم .

وحتّى تتوضّح الرؤية أنا لست ضدّ حضور محامين أو فنّانين أو رياضيين في المشهد الإعلامي هكذا في المطلق. لكنّي ضدّ أن يستولوا على مهن غيرهم دون وجه حقّ. فالمتخرّجون من معهد الصحافة مثلا درسوا وأتعبوا وأفنوا سنوات من عمرهم ليس من أجل أن يكونوا " صنايعيّة " عند محام أو فنان مسرحي أو راقص كباريهات ( الإعداد والعمل الميداني مقابل زوز صوردي ) هذا إذا كلنوا محظوظين أصلا وتمّ انتدابهم للعمل تحت أجنحة هؤلاء المتطفّلين .

وحتّى تتّضح المسألة أكثر أنا أعرف والكثير منكم يعرف وعمادة المحامين مثلا تعرف أن قوانينها الداخليّة تمنع منظوريها من الظهور المستمرّ في وسائل الإعلام لأن ذلك يمثّل مسّا بمبدأ تكافؤ الفرص بين المحامين إذ غالبا ما يستغل الحاضرون دائما في وسائل الإعلام ذلك الحضور لخدمة مصالحهم وبالتالي تصبح حظوظهم في العمل أكثر وأوفر من زملائهم الذين لا يظهرون في وسائل الإعلام مثلهم . لكن ماذا فعلت العمادة منذ سنوات ؟. صحيح أنها " عاقبت " بعض المحامين حتّى بإحالة بعضهم على عدم المباشرة لمدّة معيّنة لكن هل توقّفت الظاهرة ؟. بالطبع لم تتوقّف والدليل أن عشرات المحامين ما زالوا يمارسون مهنة الصحافة دون وجه حقّ وفي تحدّ صارخ لعمادتهم التي يبدو أنها لا تتحمّس كثيرا لهذه المسألة أو ربما هناك خشية من أسماء معيّنة في صورة إذا ما اتخذت في شأنهم عقوبات ونحن نعرف أن أغلبهم " عائد " أي أنه عوقب أو تم التنبيه عليه لكنّه عاد مصرّا على أنه " صحافي " مهما كانت النتائج والظروف.

ويبدو أن النقابة الحالية للصحافيين قد أخذت الأمور هذه المرّة بجديّة أكثر وهي التي تعرف خفاياها وتعرف تأثيراتها السلبية على " جيش " من الصحافيين العاطلين عن العامل أو العاملين ( غصبا عنهم ) في ظروف عمل مهينة أو قاسية أو غير منصفة في ظلّ تواصل ظاهرة " الانتصاب الفوضوي " التي ما زال يمارسها  كثير من المحامين والفنانين وغيرهم ممّن لا علاقة لهم بالصحافة .

وفي هذا السياق نظّمت النقابة يوم أمس ندوة حول هذا الموضوع بالشراكة مع المحامين الذين رأينا بعضهم وهو يذكّر بأن قوانين المحاماة تمنع حضور المحامين المتكرر في وسائل الإعلام للأسباب التي ذكرتها وأن هذه القوانين تجبر المحامي على أن يختار بين أمرين اثنين لا ثالث لهما : إما أن يكون محاميا متفرّغا لمهنته وإما أن يكون صحافيا متفرّغا للصحافة . أما الجمع بين المهنتين فلا سبيل إليه .

ويبقى السؤال في النهاية : هل ستتمسّك نقابة الصحافيين هذه المرّة بموقفها وتعمل على " تطهير " الميدان من الدخلاء أم سترفع ( مثل سابقاتها ) الراية البيضاء مع أوّل عقبة قد تعترضها؟؟؟.

جمال المالكي

التعليقات

علِّق