لماذا حافظ البنك المركزي التونسي على نسبة الفائدة المديرية ؟

  لماذا حافظ البنك المركزي التونسي على نسبة الفائدة المديرية ؟

اعتبر البعض القرار مبالغ فيه وافراط إذن في الحذر أي أنه كان بالإمكان خفض نسبة الفائدة المديرية وإذن  و بالتالي تحسين واقع الاقتراض لدى البنوك. ولكن لعل للبنك المركزي مبرراته.

مازال عدد من المهنيين والمتابعين للشأن البنكي في تونس يتساءلون عن السبب الذي جعل مجلس إدارة البنك المركزي التونسي يقرر يوم 31 جويلية 2024 الحفاظ على نسبة الفائدة المديرية (8 في المائة) وإذن تركها بدون أي تعديل. علما أن هذا الرقم هو الذي يضبط نسبة الفائدة التي تتعامل بها البنوك عند الاقتراض من البنك المركزي. وهي نسبة تضاف إليها بالطبع نسبة مأوية أخرى عندما يقترض المواطن أو المستثمر من البنك. الشيء الذي يعنى أن المستثمر يقترض من البنوك التونسية بنسبة تأتي في حدود 11 أو 12 ٪. وهي بالطبع نسبة مرتفعة لا تشجع على الإنتاج كما لا توفر دائما ظروف ملائمة.

 و قد أتى هذا التساؤل في خصوص الإبقاء على نفس نسبة الفائدة المديرية نظرا إلى أنه بالإمكان اليوم القيام بهذا التخفيض في ظل المؤشرات الإيجابية و بخاصة تراجع العجز الجاري وتحسن الاحتياطيات من العملة الأجنبية (111 يوم). و يقول البنك المركزي التونسي في هذا السياق  أن  " العجز الجاري عرف في النصف الأول من سنة 2024 تراجعا إلى مستوى -2.388 مليون دينار (أو -1,4٪ من إجمالي الناتج المحلي)، مقابل -3.164 مليون دينار (أو -2٪ من إجمالي الناتج المحلي) في السنة الماضية". وبالتوازي «بلغ صافي الاحتياطيات من العملة الأجنبية 24.500 مليون دينار (111 يوما من التوريد) بتاريخ 30 جويلية 2024 مقابل 23.250 مليون دينار (101 يوما من التوريد) قبل سنة". و اعتبر في هذا الصدد أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالى أن هذا الإبقاء على نسبة الفائدة المديرية "مبالغ فيه"

هذا و يمكن للمتمعن في البيان الذي نشره البنك المركزي التونسي بالمناسبة أن يفهم السبب الرئيس الذي جعل هذا الأخير يبقي على نفس نسبة الفائدة. و ذلك من خلال ما يمكن اعتباره "تبريرا" لقراره. ومن خلال خاصة الإشارة إلى "السياق الاقتصادي الصعب وتواصل الضغوط التضخمية." وكذلك «الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي والاستقرار المالي. "

"التضخم المستورد"

فالتضخم المالي مازال يؤرق الاقتصاد التونسي وهو التضخم الذي ارتفعت نسبته بشكل طفيف لتبلغ 7,3٪ في شهر جوان 2024 بعدما كان في شهر ماي 2024 7,2٪ بحساب الانزلاق السنوي أي مقارنة بمؤشر نفس الفترة من السنة الماضية. و هو تضخم يعود إلى أسباب عدة. و من بينها بالأساس مسألة ما يسمى ب "التضخم المستورد". أي أسعار السلع و الخدمات التي يتم اقتنائها من الدول التي نتعامل معها. فعديد الموارد المستوردة مازالت مرتفعة و لم تعرف انخفاضا هاما منذ أزمة كوورنا و كذلك منذ بداية الحرب القائمة في أوكرانيا.

يشار في السياق ذاته أن ضعف الإنتاج في قطاعات مختلفة في بلادنا وبخاصة في مجال الإنتاج الفلاحي مازال قائما والكل يعرف أن بعض القطاعات مثل اللحوم تعيش أزمة حقيقية. فضلا عن تهريب الدواب الذي يحصل كثيرا إلى الجزائر وليبيا والذي أشعل نار الأسعار. و دون اعتبار الجفاف  و بالطبع مظاهرالفساد مثل المضاربة التي كثيرا ما تنتج نقصا في الكميات المعروضة للبيع في الأسواق و التي تتولى أجهزة الدولة مكافحتها.

ولو بقسط ضئيل

هذا و تجدر الإشارة إلى خطورة "الركود التضخمي" في بلادنا و الذي يعني بالأساس الارتفاع العام و المستمر للأسعار. وتجدر الإشارة هنا إلى أن التضخم مهما كانت طبيعته لا يؤثر على جيب المواطن فقط بل كذلك على كل الناشطين الاقتصادين الذين يتولون اقتناء السلع والخدمات بكلفة عالية لا يمكنهم إلا أن يحملوها على حرفائهم. وهنا يكمن موطن الداء لأن هذه الزيادات يمكن أن تمس قطاعات أخرى بسب تعامل التجار بينهم بالشراء وبالبيع ومن قطاعات  مختلفة.  كما يؤثر هذا "الركود التضخمي" على القدرة التنافسية للتجار داخل السوق و خارجها. داخل السوق خاصة عند وجود سلع أجنبية وخارجه عند التصدير. هذا و قد ذكر البنك المركزي التونسي أن "نسبة التضخم كانت في حدود 9,3٪  في العام السابق".

و قد لا يكتمل هذا التقديم دون الإشارة إلى مسألتين اثنتين. تتمثل الأولى في القول أن التضخم لا يمكن أن يقرأ و يحلل بمعزل عن مؤشرات اقتصادية أخرى و بالخصوص نسبة النمو و نسبة البطالة. وذلك لتأثير هذين المؤشرين على نسبة التضخم. فكما أشرنا إلى ذلك سابقا فإن النمو وإذن خلق الثروة مثلا يساعد على تطوير الإنتاج وبالتالي هو قادر على مكافحة -و لو بقسط ضئيل- المضاربة وانخفاض الأسعار أو على الأقل تعديل السوق على النهج الذي رسمه جهابذة العلوم الاقتصادية في مؤلفاتهم. أما الثانية فهي تؤكد على أن التضخم الحالي هو ليس وليد السياسات الاقتصادية الحالية بل تلك المتبعة منذ سنوات عدة. فالعوائق في مجال الصناعة التي تعيشها اليوم على سبيل المثال في بلادنا بدأت تظهر مع نهاية تسعينات القرن الماضي.

محمد قنطاره

التعليقات

علِّق