لقاء قمة مرتقب بين سعيد والفخفاخ والغنوشي : فهل يرأب الصدع أم يعمق الأزمة؟
لم يعد خافيا على أحد التباين الحاصل بين الرئاسات الثلاث فالأمر أصبح بائن وجلي سواء عبر التعاليق والتصريحات الغير مباشرة من قبل أطراف محسوبة على هذا الطرف أو ذاك وبصفة مباشرة من خلال الخطب العصماء والتدخلات في المجلس أو الحوارات الصحفية. وقد جاءت الكلمة التي القاها رئيس الجمهورية في قبلي والتي تضمنت كلاما خطيرا من قبيل خيانة الأمانة واتهامات بالفساد أو التطبيع مع الفساد أو التقصير في خدمة المواطن، ولانقلاب على الدستور وعلى إرادة الناخب، في إشارة لمقترح تعديل الفصل 45 من القانون الداخلي للبرلمان... لتميط اللثام بوضوح عن هذه المسالة ولتقطع الشك باليقين من حيث وجود تباين في وجهات النظر بين قصر قرطاج وقصر باردو وقد أكد التعمق الحاد لهذه الأزمة التصريحات التي جاءت في شكل ردود أفعال على خطاب الرئيس والتي وصل بعضها إلى درجة التهديد الواضح والاستنكار الكبير والتهم الصريحة، على غرار اتهام الرئيس بالسعي للسيطرة على المؤسسة الأمنية من خلال محاولة فرضه لأسماء معينة في مناصب أمنية...
على كل، نصب كل واحد حسب موقعه نفسه في مقام خط الدفاع الأول عن الجبهة التي اصطف ورائها في المقابل تشكلت كما تبين من خلال الجلسة العامة التي عقدها البرلمان اليوم وكذلك بعض التصريحات الإعلامية أو بعض التعليقات المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي جبهة مناصرة للرئيس قيس سعيد قامت بدورها بمهاجمة البرلمان ورئيسه وكذلك بعض النواب والأطراف السياسية. بالتوازي مع ذلك تسير ما يمكن تسميته بالحرب الباردة بين قصري باردو والقصبة وقد تجل ذلك -وإن وقع الترويج له على أساس انه الدور الرقابي للمجلس- في الجلسات المتعددة المخصصة لمساءلة وزراء من الحكومة رغم حداثة عهدها بالحكم ورغم الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد. وكانت مؤشرات سابقة أشرت على غياب الثقة بين باردو القصبة من خلال تصرف المجلس مع مطلب التفويض الممنوح للفخفاخ بإصدار مراسيم استنادا للفقرة الثانية من الفصل 70 من الدستور والذي منح للحكومة عن مضض دليلنا في ذلك التحوير المدخل فحوى الفقرة الثانية من الفصل المذكور للحد في المدة الزمنية للتفويض وفي مجالات إصدار المراسيم الممنوح للحكومة كما ذهب محللون عديدون كطلك إلى تأويل يبدو منطقيا في منهجية تعيين المستشارين في القصبة ومسألة انتمائهم لأحزاب سياسية بعينها دون أي اعتبار لمسألة الكفاءة والمقدرة المفروض توفرها في مثل هذه المناصب حيث اعتبر هذا التوجه بمثابة تعيين مراقبين في القصبة على عمل الحكومة وتوجيهه لخدمة أجندات دون سواها وقد طفت على السطح في المدة الأخيرة تصريحات النائب عن قلب تونس أسامة الخليفي المعروف بقربه من مركز القرار في البرلمان حول سعي أحد المستشارين في القصبة لتكوين كتلة برلمانية قد تكون نواة مشروع سياسي لرئيس الحكومة على غرار ما حصل مع يوسف الشاهد. وإذا اخنا بعين الاعتبار جملة هذه الملاحظات وغيرها لا يمكن الإقرار بسهولة بأن العلاقة بين القصبة وباردو هي على أحسن ما يرام. ضف إلى ذلك إلى ذلك اضطرار رئيس الحكومة اليوم خلال حواره الصحفي مع قناة فانس 24 عن توضيح نوعية العلاقة التي تربطه برئيس الجمهورية في الوقت الذي خصص ظهوره الإعلامي للتسويق الذي حققته تونس بكل مكوناتها في حربها ضد الكورونا ...
على كل حال وفي قراءة تحليلية لمجمل ما حدث وما يحدث العلاقة بين الرئاسات الثلاثة ليست في ابهى أوضاعها وبوادر احتدام الخلاف باتت واضحة للعام والخاص ولا مجال لنفيها.. ومن حسن الحظ ان تأتي أخبار مطمئنة بعض الشيء حيث أشارت أطراف إعلامية إلى ان كل من سعيد والفخفاخ والغنوشي سيجتمعون غدا على مائدة إفطار واحدة بقصر قرطاج وهو ما يؤشر على وعي كل منهم أو أطراف من الثلاثي بضرورة اللجوء للحوار للتقليل من حدة الأزمة السياسية التي باتت تهدد البلاد غي ظرف اصطلح على تسميته بفترة حرب وهو كذلك في ضل تحديات حرب الكورونا وتداعياتها وما صاحبها من تدهور للأوضاع الاجتماعية وفي تهاوي المؤشرات الاقتصادية كما هو متوقع وكما ستكشف عنه ارقام المعهد الوطني للإحصاء قريبا. فهل ينتهي هذا الاجتماع المرتقب بمخرجات تقضي ولو بصفة نسبة على ازمة سياسية ان استمرت فإنها لن تزيد الوضع إلا تعفنا أم ستكرس التباين بين المشرفين الثلاثة على تسيير دواليب الدولة كما اقتضاه دستور 2014 ونسير في سيناريوهات خطيرة قد تعرض مستقبل البلاد لمزيد السير في المجهول..
ناجح بن عافية
التعليقات
علِّق