" قضيّة " وحيدة الدريدي ووزيرة الثقافة : متى ينتهي هذا التعصّب الأعمى فندافع فقط عن الحقيقة ؟
جاء على الصفحة الرسمية لوزارة الثقافة بتاريخ 12 أوت 2023 أن وزيرة الشؤون الثقافية الدكتورة حياة قطاط القرمازي أدت يوم الجمعة 11 أوت 2023 " زيارة فجئية " إلى المركز الدولي للثقافة والفنون " قصر العبدلية " بضاحية المرسى لمعاينة سير عمله.
و يعلم الجميع منذ أيام بأن وزيرة الثقافة اتخذت قرارا بإعفاء وحيدة الدريدي الممثلة المعروفة ومديرة قصر العبدليّة وإحالتها على مجلس التأديب. وقد أثارت هذه القرارات ردود فعل عديدة وأثارت خاصة تضامنا قطاعيّا " أعمى " جاء كالعادة من أطراف لا تعرف تفاصيل الحكاية وأين تكمن الحقيقة
ومثلما نعلم جميعا فإن وحيدة الدريدي هي التي تدير هذا المركز منذ شهر مارس 2018 . وبالبحث في جزئيات قرار الوزيرة إعفاء وحيدة الدريدي من منصبها وإحالتها على مجلس التأديب أفادت مصادرنا بأن الحكاية مختلفة تماما على ما يبدو عمّا يتم الترويج له خاصة من قبل " أنصار " المديرة الممثلة وحيدة الدريدي.
ولعلّ في بعض الصور التي باتت معلومة لدى الجميع ما يفيد بأن هذا المعلم التاريخي بات منذ مدّة يعاني من الإهمال والحال أنه من المفروض مبدئيا العناية به من كافة الجوانب واستغلاله كأفضل ما يكون لأنه قادر على توفير موارد مالية مهمّة للدولة.
وخلافا للإهمال الذي يخيّم على المعلم بأكمله قالت مصادرنا إن المديرة اهتمّت بمكتبها الخاص أكثر من اهتمامها بأي شيء آخر إلى درجة أن بعضهم علّق قائلا إن مكتب " مفيدة " أفخم من مكتب الوزيرة.
قد لا تكون مسألة المكتب مهمّة وذات بال لكن دعونا الآن نناقش صلب الموضوع. فقد أفادت مصادرنا بأن وحيدة الدريدي تلقّت دعوة خارجية لحضور تظاهرة ما . وبحكم أنها موظّفة لدى وزارة الثقافة وأن مشغّلها ( من الناحية الوظيفيّة ) هي الوزارة ممثلة في أعلى هرمها أي الوزيرة فقد طلبت وحيدة الدريدي ترخيصا للسفر قوبل على ما يبدو بالرفض من قبل الوزيرة بدعوى " ضرورة العمل ". وهنا تأتي الجزئيّة المهمّة التي يتغافل عنها " الأنصار " وهي أن وحيدة الدريدي تحدّت الوزيرة وسافرت حيث شاءت وربّما نسيت أو تناست أنها موظّفة لدى الوزارة وليست " الممثلة وحيدة الدريدي الحرّة التي لا تخضع لأي نوع من الالتزامات " ...
وعندما عادت من سفرها تصاعدت وتيرة الخلاف فقام البعض من " أولاد الحلال " بتأجيج الوضع فكانت تلك الزيارة " الفجئية " ( المخطط لها ) وكانت قرارات الوزيرة التي باتت معلومة لدى الجميع.
ومنذ اللحظات الأولى انطلقت موجة من " التعاطف والتضامن " مع وحيدة الدريدي ضدّ " ظلم الوزيرة وتسلّطها ومحاولة إقصاء المبدعين وتكميم أفواههم ..." إلى غير ذلك من " الكلام الجميل " الذي اعتدنا أن نسمعه كلّما حدث مشكل من هذا النوع.
وبكل تأكيد انخرط الكثير من الناس ( فنانون وصحافيون وسياسيون ...وغيرهم ) في موجة التضامن والتعاطف دون أن يعرف أغلبهم ولو جزءا بسيطا من أصل الحكاية فحكموا عل الوزيرة بأنها ظالمة ومتسلّطة وعلى وحيدة الدريدي بأنها مظلومة و " مقهورة وضحية ".
وهنا نرى أن على كل ذي عقل أن يسأل نفسه وأن يسأل الآخرين وبصوت عال : هل ما قامت به وحيدة الدريدي يدخل في إطار حريّة التعبير أو حريّة التصرّف أو في أي نوع من الحريّة وهل كان على الوزيرة أن تتغاضى عن تصرّف مثل هذا مهما كان مرتكبه ؟.
أما الإجابة فهي قطعية ومبدئية وهي أن وحيدة الدريدي مخطئة على طول الخط ونعني هنا مسألة سفرها رغم إرادة الوزيرة ولا أعني تلك الأمور الأخرى التي تبقى في حاجة إلى إثبات . فهذه المرأة هي في النهاية وقبل وبعد كل شيء موظفة لدى وزارة الثقافة وبالتالي يجب عليها أن تخضع على غرار كافة الموظفين الآخرين إلى نواميس الوزارة وقراراتها بما فيها " القرارات الجائرة " إن وجدت ثم لها أن تتظلّم لو رأت أنها جائرة وعندئذ سيكون العالم كلّه معها ضد الوزيرة وقرارات الوزيرة.
ويبدو أن المشكل الأساسي في ذهن وحيدة الدريدي أنها ما زالت غير قادرة على أن تفصل بين الموظّفة والفنانة. وقد كان عليها أن تختار إما الوظيفة وهي تدرك متطلّبات الوظيفة والتفرّغ الكلّي لها وإما التمثيل بما فيه من حريّة وإبداع وأسفار وأموال ... وغير ذلك . أما أن تجمع بين الصفتين أو الوظيفتين فهذا غير ممكن لأنها في كافة الأحوال ق تجنّت على صفة الموظفة التي تأخذ أجرتها الشهرية من أموال دافعي الضرائب.
وفي الختام يجب أن يعرف الجميع بأنني أحترم هذه المرأة وأقدّر فيها قدراتها الفنيّة إلى جانب أنها مثقّفة وواعية . لكن هذا ليس كافيا كي " أرمي بنفسي من أعلى طابق " لا لشيء إلا لأعلن أني متضامن معها ومساند لها ضدّ قرارات الوزيرة.
إن المسألة في نظري مبدئيّة. وهذا الكلام الذي قلته ليس مرتبطا بوحيدة الدريدي ووزيرة الثقافة وهو نفس الكلام الذي كنت سأقوله لو أن الأمر تعلّق بعبد الرحمان المالكي ( والدي رحمه الله ) ووزيرة الثقافة مهما كان اسمها.
وعلى هذا الأساس من الضروري أن تراجع وحيدة الدريدي نفسها وأن تختار وأن تكون حاسمة في الاختيار. وعلى هؤلاء الذي يناصرون ويساندون دون أن يدركوا الحقيقة أيضا أن يراجعوا أنفسهم وألّا يساندوا إلا الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة... أما هذا التضامن القطاعي المقيت فهو داء فتّاك أضرّ كثيرا البلاد وسوف يلحق بها الكثير من الأضرار الأخرى لو تواصل على هذه الوتيرة.
جمال المالكي
التعليقات
علِّق