بعد أن تمّ تنظيف محيط المسرح الروماني بالجم : لماذا لا نكسب منه مئات المليارات ؟
تم خلال الأيام الماضية تنظيف محيط المسرح الروماني بمدينة الجم بطلب من وزيرة الثقافة وبالتنسيق الوثيق مع والي المهدية. وخلال هذه الحملة أزيلت كافة المعلّقات التي كان بعضها غير لائق وتمت إزالة كافة " النصبات " المحيطة بهذا المعلم التاريخي العريق وظلّت تخنقه على مدى عقود طويلة من الزمن وتمنع البلاد من الاستفادة منه ومن عائداته المالية " الرهيبة " التي يمكن أن يجلبها للبلاد لو تمّ توظيفه مثلما ينبغي ولو تمّت لدعاية له والتعريف به بأشكال أفضل وأكبر.
وللتذكير فقط فقد تم تشييد هذا المسرح منذ نحو 1800 عام ليكون تقريبا نسخة مطابقة للأصل من المسرح الروماني القديم بمدينة روما أو " الكولوسيوم " مثلما يسمّى في إيطاليا. وكان مسرح الجم يشهد صراعات دموية عنيفة ثم تحوّل بعد قرون ( الآن مثلا ) إلى مسرح للعروض الفنيّة الجميلة .
وللإشارة فقط فإن المسرح الروماني بمدينة روما ثروة وطنية حقيقية تعود على إيطاليا بالنفع العميم . وتدرك الدولة الإيطالية أهميّة هذا المعلم التاريخي لذلك لا تترك الفرصة لأي طرف مهما كان ليعبث به أو يعطّل إشعاعه. ويشهد هذا المعلم الأثري توافد ما لا يقل عن 25 ألف زائر في اليوم ( في المعدّل وترى الناس هناك في طوابير طويلة ينتظرون دورهم للدخول مهما كان الثمن). ويدفع الزائر عند الدخول 16 " يورو " باستثناء الأطفال . وبعملية حسابية بسيطة نضرب 25 ألفا في 365 يوما سنجد أن عدد زوّار هذا المسرح ( المسرح فقط وليس مدينة روما أو دولة إيطاليا ) 9125000 زائر سنويّا. أما النتيجة المالية فهي تساوي حوالي 146 مليون " يورو " أي ما يعادل تقريبا 500 مليار من مليماتنا في السنة فقط... بينما بلغ عدد السياح سنة 2022 في كافة البلاد التونسية 5 ملايين و600 ألف زائر أي حوالي 60 بالمائة من زوّار المسرح الروماني الذي قلنا إنه يشبه بشكل عجيب مسرح الجم ... لكن الفرق أن الأول يجلب حوالي 10 ملايين سائح في السنة والثاني لا يجلب أكثر من بضعة فرق موسيقية وبضعة آلاف زائر أغلبهم من التونسيين.
قد يتساءل أحدكم لماذا نجد أن مسرح روما مفيد جدا لدولة إيطاليا في حين أن مسرح الجم لا نكاد نجد له أثرا في الاقتصاد التونسي؟. أما الإجابة فهي بسيطة وتتمثّل في أن الإيطاليين يدركون القيمة الأثرية والتاريخية لمسرحهم ويسخّرون كافة الوسائل التي تجعل الناس يتوافدون عليه من كافة أنحاء العالم فيستفيدون في النهاية معنويّا وماديّا بشكل كبير.وعلى هذا الأساس يدرك كل من زار روما وذهب حتى إلى محيط مسرحها العريق أن هذا المحيط خال تماما من كافة مظاهر الانتصاب والفوضى لأنه مخصص لمئات من الحافلات التي تحمل على مدار اليوم والساعة مئات وآلافا من الزائرين فلا توجد أمام تلك الحافلات وسيارات الأجرة عوائق تحول دوم عملها ودون سلاسة المرور في محيط المسرح.
أما عندنا فلم ندرك على مرّ العقود أهمية هذا المعلم الكبير ولم نعمل على استغلاله بالشكل المطلوب حتّى يكون قبلة الزائرين من كافة أنحاء العالم مثله مثل مسرح روما. وأكثر من هذا فإذا كانت في روما استراتيجية تمنع بناء أي شيء حول المسرح وفي محيطه ليبقى وحده المشعّ هناك فإن السلط البلدية أو ربما سلط أخرى قد سمحت ببناء منازل ومحلات تجارية قرب المسرح فخنقته وجعلت حركة المرور حوله رهيبة ومتعبة بالإضافة إلى غياب خطة واضحة سابقا للترويج لهذا المعلم الأثري والتاريخي بالشكل المطلوب.
وكل ما نأمله الآن وقد تحققت الخطوة الأولى وهي تنظيف محيط المسرح أن تتلوها خطوات أخرى تزيل كافة المعوقات الأخرى ليعود قصر الجم إلى سالف إشعاعه مع التنسيق بين كافة الأطراف ليكون هذا المعلم معروفا بشكل أوسع وأفضل على مستوى العالم ويكون مركز إشعاع وجذب لأنه في النهاية لا يوجد أي فرق بين المسرحين في روما والجم إلا من حيث التفكير والتخطيط والاستغلال الأمثل لهذا الكنز العجيب.
جمال المالكي
التعليقات
علِّق