في أخلقة الحياة السياسية ...

في أخلقة الحياة السياسية ...

بقلم : ابراهيم الوسلاتي 
لم يمر تدخل رئيس الحكومة الأخير والذي دام حوالي 15 دقيقة دون ردود أفعال كثيرة ومتباينة في أغلبها بين داعم لخارطة الطريق التي طرحها ومؤيّد لمبادرة الميثاق الأخلاقي التي أطلقها وبين منتقد لما أعلن عنه ومتهجّم عليه وصل الى حد وصفه بالطاغية من طرف حمة الهمامي وهو لعمري وصف لا مكان له في الحياة السياسية التونسية...
ولكن ما لفت انتباهي هو الحديث المتداول حول "أخلقة الحياة السياسية" والتي اكتفى البعض من الساسة ومن لفّ لفّهم من المحلّلين بالتركيز على المفهوم الديني أو الفلسفي للأخلاق والتي كما ورد في تفسير ابن منظور " هي اﻟﺪﻳﻦ ﻭاﻟﻄﺒﻊ ﻭاﻟﺴﺠﻴﺔ" ...ولكن في الواقع السياسي المسألة أعمق من ذلك بكثير فهي تعني فيما تعني "التزام العمل السياسي بمبادئ أخلاقية تستمد أركانها من قيم المجتمع الفكرية والحضارية لتحقيق أهدافه السامية التي تكون بدورها في خدمة الصالح العام للبلاد والمواطن" ولا يتمّ هذا فقط بالترفّع عن الشتائم والاتهامات و النزول بالخطاب السياسي الى الدرك الأسفل يصل الى حدّ هتك الأعراض ولكن بتجنّب الممارسات التي لا تتماشى ومبادئ الديموقراطية وقيم الجمهورية والتي تلوّث الحياة السياسية و تتعلّق أساسا باستعمال طرق وأساليب ملتوية وغير شرعية للحصول على مكاسب ومنافع شخصية كانت أو لفائدة حزب أو مجموعة أو عائلة واستعمال ما يسمى بالمال الفاسد و استغلال النفوذ للحصول على الرشاوي والتهرّب الضريبي وعدم التصريح بالمكاسب واستغلال النفوذ واعتماد المحسوبية والزبونية والمحاباة في توظيف الأقارب والمقربين وعديمي الكفاءة إرضاء للوبيات حزبية أو مالية أو عائلية وهي تكاد تكون السيمة الطاغية خلال السنوات الأخيرة وهو ما أدّى الى انتفاخ عدد أعضاء الحكومات المتتالية والدواوين الوزارية، هذا الى جانب عدم استعمال أجهزة وإمكانيات الدولة لفائدة طرف سياسي ما بحكم امساكه بدوليب السلطة وتحكمه في مفاصل الدولة.
ففي فرنسا مثلا بادر الرئيس إيمانويل ماكرون منذ انتخابه في ماي 2017 الى عرض مشروع قانون سمى ب "أخلقه الحياة السياسية والديمقراطية الفرنسية" تمت المصادقة عليه ،يقضي ب:
1. عدم الجمع بين المناصب النيابية البرلمانية أو المحلية ،
2. منع المحاباة وتوظيف الأهل والأقارب في المؤسسات النيابية،
3. عقوبة تصل الى عشرة سنوات لكل مخالف لما ورد في القانون،
4. التصريح الحقيقي لدى المصالح الضريبية قبل تولى أي منصب سيادي ،
5. التقليل من النفقات العمومية غير الضرورية ،
6. تقليص عدد أعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ والنواب المحليين ،
7. تسجيل كل هبة يتلقها أي حزب ،
8. الاستدانة من البنوك الفرنسية لتجنب اللجوء الى بنوك أجنبية كي لا تؤثر اَي دولة على المنتخبين وخاصة لرئاسة الجمهورية...

لذا فالحديث عن "أخلقه الحياة السياسية" يقتضي بالضرورة التفكير جديا في اعداد مشروع قانون ينظّم الحياة السياسية ليكون ملزما لكل الفاعلين السياسيين لأنّ الحديث عن ميثاق أخلاقي لا جدوى من ورائه وحتى ان تمّ التوصّل الى الاتفاق حوله من طرف بعض الأحزاب فلن تكون له فائدة تذكر...

التعليقات

علِّق