غزة في قلب أحداث منتدى الدوحة

غزة في قلب أحداث منتدى الدوحة

إنطلقت صباح الأحد في قطر فعاليات النسخة الحادية والعشرين من منتدى الدوحة الذي يعقد هذه السنة في ظروف إستثنائية في ظل الظروف الدولية الراهنة تحت شعار"معا نحو بناء مستقبل مشترك".. وقد دارت الجلسة الإفتتاحية بفندق شيراتون الدوحة الفخم بحضور أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتريش ومئات من الضيوف من مختلف بلدان العالم، جاؤوا للمشاركة في منتدى أراد أن يبقى منصة للتواصل والتحاور بين الشعوب حتى في أحلك الفترات التي تمر بها الإنسانية بعد حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على المدنيين في غزة.

وأكد رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمان بن جاسم آل ثاني في كلمته الإفتتاحية أن منتدى الدوحة سيظل وفيا لمبادئه في التقريب بين الشعوب ثم أضاف: "حين إخترنا شعار منتدى الدوحة هذا العام، "معا نحو بناء مستقبل مشترك"، كنا نأمل أن تنعقد هذه الدورة في ظروف تسمح لنا أن نتحاور بإيجابية حول مستقبلنا المشترك، بما يترجم طموحات وأحلام شعوب العالم، ولكن، وبكثير من الحزن والألم، ها نحن نلتقي اليوم، والعالم يعاني تحت ظل أزمات خطيرة و متلاحقة لا هوادة فيها". وإعتبر رئيس مجلس الوزراء ووزير خارجية قطر أن ما يحدث في غزة هي كارثة إنسانية غير مسبوقة، لا بد أن تدفع الشعوب الحرة في العالم إلى توجيه أسئلة مشروعة حول ماهية وجدوى وصدق النظام الدولي...

وهذه الأسئلة تزداد إلحاحا مع تزايد المشاهد المؤلمة، التي قد نشيح بوجوهنا عنها لفظاعتها، ولكنها واقع يعيشه مليونان وثلاثمائة ألف إنسان كل يوم منذ أكثر من 60 يوما". وأعرب المسؤول القطري عن أسفه بأن تصبح الذرائع التي تساق حول إستهداف المدنيين مقبولة من قبل البعض.. مشددا بأن إستهداف المدنيين من النساء والأطفال والأبرياء بشكل متعمد لا يكمن قبوله والسكوت عنه، مضيفا في هذا السياق :" القانون الدولي، وقيمنا الإنسانية والدينية، تفرض حماية المواطنين العزل وإدانة قتلهم وحصارهم وتجويعهم وهو موقف مبدئي ثابت لا يتزعزع". وأكد على أن هذه الأزمة أظهرت بوضوح، حجم الفجوة بين الشرق والغرب، وبين الأجيال المتعاقبة، وإزدواجية المعايير في المجتمع الدولي، حيث إنقسم العالم إلى مطالب بإنهاء هذه الحرب وإيقاف آلة القتل، ومتردد حتى في مجرد الدعوة إلى وقف إطلاق النار.. لافتا إلى من كان يطالب بوقفة عالمية ضد الإحتلال في سياق آخر، يرفض اليوم مجرد إدانة جرائم الاحتلال في الأراضي الفلسطينية ويقف عائقا أمام التوافق الدولي على إيقافها". ودعا المسؤول القطري إلى وقفة أمام من يريد أن يعيد صياغة الصراع على شكل حرب دينية، وقال: "هذا الصراع كان ولازال قضية احتلال ومطالبة بالحق المسلوب في تقرير المصير. وعلى مر العقود، كان خيار السلام مطروحا، ولكنه كان ضحية المماطلة والتسويف، وعلينا أن نسأل من هو الطرف الذي واجه كل مبادرات السلام بوضع العراقيل أمامها والتصعيد لإفشالها". وأضاف: "إذا كنا مخلصين حقا في العمل "معا نحو بناء مستقبل مشترك"، فالبداية هي الاعتراف الموجع بحقيقة الخلل في النظام العالمي، هذا الخلل الذي يسمح بالقبول باستدامة الصراع وعدم الوصول إلى حل، ولا يمكن لهذا الحل أن يكون مستداما إلا إذا كان عادلا وشاملا".

وطالب الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في كلمته بتكثيف الجهود المخلصة في وضع تصورات جديدة للنظام الدولي، تتناسب مع ظروف عالم اليوم، والتخلي عن حسابات الماضي التي خرجت من حيز الواقع، والبدء من اليوم في "بناء المستقبل" بمراجعة شاملة للنظام الدولي والإنساني. مراجعة تؤسس لنظام عالمي يقوم على أنظمة وقواعد ومؤسسات تحترم المساواة بين الشعوب، لا امتيازات فيها للقوة، ولا تمييز أو تفضيل فيها على أساس العرق أو الدين أو الانتماء السياسي. وتابع "قد يقول قائل بأن هذا الوقت ليس مناسبا للحديث عن مستقبل مشترك للعالم أجمع، في ظل التباين الشاسع في المواقف تجاه قضية تختبر انسانيتنا جميعا، ولكننا نرى بأننا أحوج ما نكون اليوم، إلى أن يسمع بعضنا بعضا، وأن يفهم كل منا الآخر، وأن نناقش بصراحة لا مجاملة فيها، وبأمل يتجاوز مآسي الحاضر، كيف نعود بالعالم إلى الرؤى التي شكلت النظام الدولي".

وإعترف الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن المنظمات الدولية وخاصة مجلس الأمن فقدت مصداقيتها بعجزها على فرض وقف إطلاق النار في غزة مؤكدا أنه سيواصل مساعيه للوصول لهذا الخيار لإيقاف الحرب في فلسطين. وأعرب المسؤول الأممي عن شكره لمساعي دولة قطر للوصول لهدنة إنسانية وللإفراج عن الرهائن والبحث عن حلول سياسية للنزاع مؤكدا إنزعاجه من أن مجلس الأمن الذي يعتبر المنتدى الأول لفض النزاعات العالمية بات مشلولا بفعل الإنقسامات الجيواستراتيجية، مما أدى إلى عرقلة التوصل إلى حلول بشأن عدد من القضايا بما يشمل الشرق الأوسط. وقال الأمين العام للأمم المتحدة: "إن القصف الإسرائيلي العنيف لقطاع غزة قوبل بالصمت من قبل المجلس وبعد أكثر من شهر صدر قرار عن المجلس لم يتم تنفيذه، وهذا التأخير كان له ثمن باهظ، مما عرض سلطة المجلس ومصداقيته لأضرار كبيرة."

وأشار في كلمته إلى الرسالة التي وجهها الأسبوع الماضي إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، والتي إستخدم فيها المادة 99 من الميثاق التأسيسي للأمم المتحدة للمرة الأولى منذ توليه منصبه، والتي أتاحت له لفت انتباه المجلس إلى "أنه لابد من حماية فعالة للمدنيين في قطاع غزة"، في ظل وصول عدد الضحايا المدنيين إلى عدد غير مسبوق، إضافة إلى إنهيار منظومة الرعاية الصحية وبالتالي إنهيار النظام الإنساني.

وأضاف في هذا السياق: "من الممكن أن يتدهور الوضع الإنساني إلى كارثة لم تشهدها الإنسانية، ومن أجل تلافي هذه الكارثة طلبت مجددا من مجلس الأمن الدولي التوصل لإتفاق إنساني من أجل وقف إطلاق النار فورا، ولكن للأسف عجز المجلس مرة أخرى عن إتخاذ قرار بهذا الشأن"، مضيفا "هذا لا يعني أن الموضوع حسم، وأعدكم بأنني لن أستسلم وسأظل أحاول لضمان حماية المدنيين وتطبيق الشرعية الدولية".

التعليقات

علِّق