زيادات في الأسعار والضرائب والمحروقات واقتراض الرواتب من مدّخرات البريد ... تونس إلى أين تسير؟

زيادات في الأسعار والضرائب والمحروقات واقتراض الرواتب من مدّخرات البريد ... تونس إلى أين تسير؟

يعيش الإقتصاد التونسي في الأشهر الأخيرة  منعرجا خطيرا  تترجمت آخر ملامحه في التأخر في تسديد رواتب الموظفين في شهر جانفي 2022  وتراجع احتياطي العملة الصعبة وارتفاع نسبة الدين العمومي، اضافة الى بلوغ معدل التضخم مستوى 6،3 بالمائة .

وبين الحين والآخر صارت الحكومة التونسية تفاجئ مواطنيها بعدد من الزيادات والضرائب وكان آخرها إعلانها في ساعة متأخرة من  ليلة أمس ، زيادة في أسعار المحروقات .

ووفق مراقبون فإن تونس تعيش حاليا  إحدى أسوأ أزماتها الاقتصادية التي عرفتها منذ الاستقلال، وفاقمتها التجاذبات السياسية وتداعيات انتشار جائحة كورونا.

ورغم تعافي دول عديدة من تبعات الجائحة، وعودة النشاط الاقتصادي إلى سالف نشاطه، فإن تونس لم تستفد من هذه الوضعية بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه منذ إجراءات 25 جويلية 2021 ، حيث اضطرت مؤخرا لضخ مبلغ 700 مليون دينار من مدخرات البريد لفائدة خزينة الدولة من أجل خلاص أجور الموظفين لشهر جانفي وهو ما أثار حالة من الهلع والخوف في الشارع التونسي وخاصة أصحاب المدخرات المالية لدى البريد .

ورغم تأكيد نبيل الرايس المكلف بالاعلام بالبريد التونسي في تصريح للحصري اليوم الثلاثاء 1 فيفري 2022  بأن الإجراء الحكومي عادي ومعمول به منذ سنوات وأن أموال ومدخرات المواطنين محفوظة ولا خوف عليها ، إلا أن خبراء في الإقتصاد حذروا من الإجراء الحكومية الأخير .

وأكدّ الخبير الاقتصادي معز الجودي، أنّ الوضعية الاقتصادية حرجة جدا، بعد التجاء الدولة إلى مدخرات المواطنين لدى البريد التونسي، لدعم ميزانية الدولة وصرف أجور العاملين بالوظيفة العمومية، معبّرا عن استغرابه من "الغياب الاتصالي" لكلّ من رئيس الجمهورية ورئيسة الحكومة والوزراء، لتفسير ما يحدث للرأي العام.

وقال الجودي ، إنّ الوضعية اليوم كارثية، و الدولة لم تعد تعتمد على مواردها الذاتية والجبائية، لخلاص أجور الموظفين، بل على القروض للأجنبية وإصدار سندات خزينة جديدة، ومدخرات البريد التونسي، مضيفا بالقول، "الخطير أن تتحول هذه العملية لمسألة عادية وليست استثنائية وخلال مدّة معيّنة.

وأضاف، إنّ البنوك من جهتها تتعرض لضغط كبير، حيث تحّول دورها من تمويل الاقتصاد والمشاريع ودعم المستثمرين رغم وجود ضمانات، إلى تمويل عجز ميزانية الدولة، مشيرا إلى "أنّ البلاد بصدد تسديد ديونها الخارجية، من خلال التداين الداخلي". 

وفي سياق متصل اعتبر الخبير في المحاسبة أنيس الوهايبي أن تأخر الدولة في صرف الأجور غير معقول.

وعبر الوهايبي في تصريح لاذاعة شمس اف ام، عن تفهمه لتخوفات التونسيين وقال إنها مشروعة في إشارة إلى الجدل القائم حول إقراض البريد التونسي 7 مليار دينار للدولة التونسية من مدخرات المواطنين لتسديد الرواتب.

كما اعتبر المتحدث أن الحديث عن تمويل الأجور ونفقات الدولة بالقروض المخصصة للإستثمار، غير معقول كذلك، مستنكرا سياسة الصمت التي تنتهجها الحكومة التونسية.

وقال إذا الحكومة ليس لديها الحلول فعليها إعلان ذلك من أجل البحث عن حلول جماعية.

وصرّح أنيس الوهايبي أنه تم التوصل إلى تسديد أجور شهر جانفي لكن ما يُثير الخوف شهر فيفري، وأضاف أن مشاكل كبيرة ستعرفها تونس بداية من شهر أفريل.

من يتحمل المسؤولية ؟

تشبه مسؤولية ما آل إليه الوضع الإقتصادي في تونس  إلى القول العربي الشهير "ضاع دمه بين القبائل"، بسبب كثرة الحكومات، وكذلك تغيّر سياسة كل رئيس على حدى والاتهامات فيما بينهم، خصوصا أن الوضع في تونس لم يتحسن كثيرا على مدار السنوات الماضية، وفي كل مرة تأتي ذكرى الثورة تحدث احتجاجات على البطالة وكان آخرها يوم 14 جانفي الماضي التي شهدت سقوط الضحية رضا بوزيان .

أنصار الرئيس قيس سعيّد يعتبرون بأن إجراءاته والزيادات الأخيرة منطقية وإيجابية وتستجيب للإصلاحات التي دعى إليها صندوق النقد الدولي ، فيما يرى معارضوه بأن الزيادات الأخيرة ستمسّ " جيب " وقوت المواطن البسيط وخاصة الطبقتين الوسطى والفقيرة التي بدأت تزاد في السنوات الأخيرة  ...وبين هذين الرأيين تبدو ملامح الفترة القادمة في تونس  غامضة ..

شكري الشيحي 

التعليقات

علِّق