جدل كبير يثيره اعلان انتداب للتلفزة الوطنية!!

بقلم:فتحي التليلي
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الإعلامية والرياضية والطلابية، أعلنت التلفزة الوطنية التونسية اليوم الثلاثاء 16 سبتمبر عن فتح باب الانتداب أمام المعلّقين الرياضيين عبر منصتها الرسمية على "فايسبوك"، داعية كل من يرى في نفسه الموهبة والشغف إلى تقديم تجربة صوتية قصيرة.
هذه المبادرة، رغم طابعها غير التقليدي، لاقت تباينًا في التفاعل:
فمن جهة، رأى فيها البعض تجديدًا وإتاحةً لفرص غير متاحة سابقًا أمام أصوات شبابية قد تمتلك حضورًا قويًا خلف الميكروفون، ومن جهة أخرى، انتقدها خريجو معهد الصحافة وعلوم الأخبار معتبرين أن التلفزة تجاهلت مسارًا أكاديميًا صُمّم أساسًا لتأهيل كفاءات في الإعلام الرياضي.
من ناحيتنا نعتبر التعليق الرياضي ليس مجرد رفع للصوت أو وصف مباشر لما يجري في الملعب، بل هو فنّ متكامل يجمع بين ملكة اللغة، والمعرفة التقنية بالرياضة، والقدرة على التحليل السريع، وإيصال المعلومة للمشاهد دون السقوط في المبالغة أو التكرار. وهنا يطرح السؤال: هل يكفي أن يمتلك المترشّح صوتًا جميلًا وحماسة، أم أن الأمر يحتاج إلى تكوين أكاديمي وتدريب مهني؟ بالنظر إلى تجارب كبرى القنوات الرياضية العالمية يكتشف أن انتداب المعلّقين يخضع لمعايير دقيقة تتجاوز بكثير مجرد إرسال تجربة صوتية على منصات التواصل. فالقنوات مثل "بي إن سبورت" أو "سكاي سبورتس" تعتمد عادةً على اختبارات متعدّدة تشمل جودة النطق، وسلامة اللغة، والإلمام الشامل بالقوانين والتكتيكات الرياضية، وسرعة التفاعل مع تغيرات المباريات.
أما هيئات البث العمومي مثل "بي بي سي" البريطانية، فهي تولي أهمية خاصة للتكوين الأكاديمي والخبرة السابقة، حيث يخضع المعلّق لدورات تدريبية مكثفة قبل ظهوره على الهواء.
وفي القنوات الأمريكية مثل ESPN، لا يُكتفى بالجانب الصوتي، بل يُشترط أيضًا أن يمتلك المعلّق شخصية قادرة على التحليل وتقديم "قصة" داخل المباراة، بما يعكس أن التعليق جزء من صناعة المحتوى الرياضي لا مجرد وصف للأحداث.
هذه التجارب تؤكد أن اختيار المعلّق الرياضي في الخارج يقوم على مزيج من الموهبة الفطرية والتكوين الاحترافي، وهو ما يجعل التجربة التونسية محل تساؤل: هل تسعى التلفزة إلى استقطاب أصوات جديدة خارج الأطر التقليدية، أم أن غياب رؤية واضحة يجعل المبادرة أقرب إلى حملة تفاعلية على فايسبوك منها إلى سياسة انتداب مهنية؟
من جهتهم، يرى خريجو معهد الصحافة أنّ مثل هذه الخطوات تمثل تقليلاً من قيمة المسار الأكاديمي، ويعتبرون أن التلفزة الوطنية كان بإمكانها فتح المجال للتجديد مع الحفاظ على معايير مهنية تضع التكوين العلمي ضمن أولوياتها، عوض اللجوء إلى أسلوب "المسابقة المفتوحة" عبر مواقع التواصل الذي قد يغيب عنه عنصر التقييم الموضوعي.
وبين الحماس لفكرة تجديد الأصوات في التعليق الرياضي والغضب من تغييب المسار الأكاديمي، يجد المشهد الإعلامي الرياضي نفسه أمام جدل يطرح أسئلة عميقة: هل نحن أمام محاولة لتجديد المشهد بوجوه جديدة قادرة على كسر الرتابة، أم أمام خطوة مرتجلة تكشف ارتباكًا في سياسات الانتداب داخل الإعلام العمومي؟ وهل ستقتدي تونس بتجارب عالمية توازن بين الشغف والكفاءة الأكاديمية، أم ستظل تعيش جدلًا متواصلًا بين الموهبة والشهادة؟
إن مستقبل التعليق الرياضي في تونس يظل مرتبطًا بقدرة المؤسسات الإعلامية على وضع مقاييس واضحة وشفافة تجمع بين التكوين الأكاديمي والموهبة الطبيعية، على غرار ما تقوم به كبريات القنوات العالمية. فالتعليق ليس مجرد مهنة، بل هو واجهة تعكس صورة الإعلام الوطني، ومن ثمّ فإن الرهان يتجاوز انتداب أصوات جديدة إلى صياغة رؤية شاملة تضمن الجودة، المهنية، والاستمرارية.
التعليقات
علِّق