دعوات وضغوطات من أجل إيقاف عروض لطفي العبدلّي : هل باتت حريّة التعبير مهددة بعودة عهد عبد الوهاب عبد الله ؟

دعوات وضغوطات من أجل إيقاف عروض لطفي العبدلّي : هل باتت حريّة التعبير مهددة بعودة عهد عبد الوهاب عبد الله ؟


ما إن ارتحنا من عركة عبير موسي وراشد الغنوشي في مجلس نواب الشعب حتى جاءتنا عركة جديدة بين عبير موسي ( مرة أخرى ) ولطفي العبدلّي ... وكأنه كتب على التونسيين أن يكونوا جمهورا وفيّا للخصومات التي لا تنتهي .
وبقطع النظر عن موقفنا من هذا وذاك وقد كتبنا مرارا وعبّرنا عن ذلك صراحة فإن ما يحدث هذه الأيام مؤشّر خطير جدا ولا بدّ من إيقاف النزيف قبل فوات الأوان . لقد قلنا مرارا إن ما يقدّمه لطفي العبدلّي وإن كان يروق للبعض فإنه يعتدي على ذائقة البعض الآخر ويستفزّ فئات كبيرة من الناس الذين ما زالوا متمسّكين بالقيم القديمة للمجتمع التونسي . وفي المقابل قلنا أيضا إن من لا يعجبه ما يقدمه لطفي العبدلّي ليس مجبرا على متابعته ولا على التعليق عليه وبمعنى آخر إن من يذهب لمشاهدة عروض لطفي العبدلي يتحمّل مسؤولية اختياره سواء ذهب بمفرده أو صحبة أفراد عائلته وإنه ليس من حقه بعد ذلك النقد والتجريح وادّعاء الطهارة والعفاف لأن العبدلّي في النهاية لم يطرق أبواب ديارنا ولم يخرجنا منها بالقوة العامة لنشاهد عروضه غصبا عنّا .
ولو نظرنا إلى المسألة من زاوية منطقية رصينة لوجدنا أن العبدلي ليس فريد زمانه في هذا النوع من الأعمال المسرحية . فقد سبقه آخرون كثيرون جعلوا من التهكّم على السياسيين بالخصوص " مهنة " وركّزوا بالخصوص على تلك القطعة من الملابس الداخلية لأنها باختصار شديد ترمز إلى " الوسخ السياسي " أكثر مما ترمز إلى أي شيء  آخر ذي بعد أخلاقي كشرف المرأة على سبيل المثال .
وفي بريطانيا مثلا وجد هذا النوع من التهكّم على السياسيين بتلك الطريقة  منذ عشرات السنين . وفي المقابل لم يجرؤ أي سياسي على الدعوة إلى إيقاف عروض المتهكّمين أو منع أعمالهم مثلما يحدث عندنا هذه الأيام حيث وصلت الضغوطات التي يبدو أن عبير موسي وجماعتها مارسوها إلى إيقاف عدد من عروض لطفي العبدلي في انتظار ما ستؤول إليه الأمور في ما يخص عروض أخرى مبرمجة خاصة في ظل التهديدات ( ربما الجدية ) التي تعرّض لها في الأيام الأخيرة .
لسنا هنا ندافع عن لطفي العبدلّي ولا عن محتوى ما يقدّمه بل ندافع فقط على مكسب من مكاسب الثورة  بات مهددا بكل جديّة وهو حريّة التعبير . قد لا يعجبنا ما يقدّمه لطفي العبدلي ونستهجنه ( وهذا من حق أي شخص ) لكن لا يعني ذلك أن نطالب بمنعه من العرض أو بمصادرة ما يقدّم . فالفيصل بين ما يقدّم وما نريد أو لا نريد هو جمهور المشاهدين لأن العرض ليس في التلفزة بل في فضاء محدود لا يشاهده إلا من حملته قدماه إلى ذلك الفضاء . وعوض الضغط من أجل إلغاء العروض والتهديد فقد كان على عبير موسي وجماعتها وكل من يتعاطف معها أن يلجؤوا إلى القضاء إذا رأوا أن ما يقدّمه " اعتداء عليهم ومسّ من شرفهم " وهنا لا بدّ من توضيح أمر مهمّ وهو أن عمل لطفي العبدلّي حتى وإن تناول تلك القطعة من الملابس فهو لا يمسّ بشرف المرأة التونسية مثلما حاول البعض إيهام الناس به لتأليب الرأي العام على لطفي العبدلّي . فالمرأة التونسي أعلى قدرا وأرفع شأنا من أن نختزل شرفها في تلك القطعة لأن شرفها في علمها ومركزها ومكانتها الرائدة وفي عملها وما تقدّمه للبشرية جمعاء .
تبقى بعض الملاحظات التي لا بدّ منها وهي :
- لماذا لم تقم القيامة عندما تهكّم لطفي العبدلّي سابقا على شخصيات سياسية أخرى على غرار المرحوم الباجي قائد السبسي ( حكاية الكوش ) والدكتور منصف المرزوقي وغيرهما من السياسيين الآخرين ولماذا لم يتم إيقاف العروض ؟.
- ماذا يعني أن تتجاهل عبير موسي وجماعتها مؤسسة القضاء إذا رأت في عمل العبدلّي مسّا من كرامتها وشرفها وتعمد إلى أساليب 7 نوفمبر القديمة وكلّنا يعرف تلك الأساليب وأهدافها ؟.
- متى يعي السياسيون جميعا أن جماعة المسرح ( والفن عموما ) مجموعة مجانين لا يخضعون لأي نوع من النواميس سواء في تونس أو خارجها وأن الفيصل بين الطرفين هو الجمهور والقضاء وأن عليهم أن يقبلوا كافة أنواع النقد مهما كانت وأن يردّوا على الميدان من خلال أعمالهم وليس من خلال استغلال النفوذ لإلجام الأفواه وتكميمها ... حتى إن كان ما يصدر عن تلك الأفواه لا يعجبنا مثلما قلت في البداية .
إن الحكاية وما فيها مسألة مبدأ وإن ما يحدث هذه الأيام يثير فينا مخاوف من عودة عهد عبد الوهاب عبد الله ومراقبة الصحف والمجلات قبل طبعها وإعداد شريط الأنباء " على المقاس " في قصر الرئاسة ... ومنع الحديث " بالسوء " حتى عن عمدة المنطقة ... فاحسبوها بالعقل والمنطق ... واتركوا الحكم للجمهور والتاريخ  فهما أعدل الحكام وأفضلهم .
جمال المالكي

 

التعليقات

علِّق