حكومة المشيشي : حضرت الكفاءات في وزارات .. وغابت في وزارات أخرى !
أعلن رئيس الحكومة المكلّف هشام المشيشي في ساعة متأخرة من مساء أمس الإثنين عن تشكيلة حكومة كفاءات مستقلة تضم 25 وزيرا و3 كتاب دولة.
وقال المشيشي، خلال المؤتمر، إن حكومته هي "حكومة كفاءات مستقلة ستنكب على العمل على استحقاقات التونسيين العاجلة".
وأضاف "قدمت اليوم لرئيس الجمهورية قيس سعيد تركيبة الحكومة المقترحة التي ستعرض على البرلمان للمصادقة عليها وأجدد تعهدي الشخصي بأن تحترم حكومتي جميع الكتل البرلمانية والأحزاب".
وفي قراءة أولية للتركيبة الوزارية ، يتبيّن بالفعل وجود عديد الكفاءات المتميزة ووزراء يملكون " سيرة ذاتية " عالية ، غير أن البعض الآخر من الأسماء تم تعيينها دون الإعتماد على المعايير التي أعلن المشيشي وضعها بنفسه والمتعلقة بالكفاءة والخبرة والإستقلالية . .
فوزير الداخلية مثلا توفيق شرف الدين لا علاقة له لا من قريب أو بعيد بوزارة الداخلية وقد اشتغل كمحامي . فإذا تحدثنا عن " الإستقالالية " فإن هذا المعيار ينتفي باعتبار وأن شرف الدين شغل خطة مدير للحملة الإنتخابية لرئيس الجمهورية قيس سعيد ، وإذا ما تحدثنا عن الكفاءة والخبرة فإن الوزير الجديد ليس له أي علاقة بعالم " الأمن " ودواليب وزارة الداخلية وملفات " الحرقة " والتهريب والإرهاب والجريمة المنظمة التي تفاقمت في تونس بشكل كبير .. وقد يحتاج شرف الدين عديد الأسابيع لمعرفة أبواب و " مداخل " وزارة الداخلية ، فما بالك بالمنظومة الأمنية وأجهزتها المتشعّبة ..
نفس الشيئ ينطبق أيضا على وزارة هامة جدا وحساسة وهي وزارة الدفاع ، حيث تم إسنادها للقاضي محمد بوستة الذي يشتغل في منصب رئيسا أولا لمحكمة الاستئناف ببنزرت.
فلو أراد المشيشي فعلا اعتماد معايير الخبرة والكفاءة لاستنجد بخرّيجي مدرسة " سان سير " العسكرية العريقة ولنا في وزارتي الداخلية والدفاع عشرات الجنرالات والضبّاط والكفاءات التي لا يرقى إليها الشك ، وهي القادرة بفضل خبرتها وانضباطها على تدعيم المنظومة الأمنية والدفاعية وعدم تسييسهما .
رئيس الحكومة الجديد واصل اخطائه عبر تعيين سلوى الصغير كوزيرة للصناعة ، رغم ما عُرفت به من تجارب سابقة فاشلة عندما كانت رئيسة مديرة عامة لمصنع تكرير النفط " الستير" ببنزرت أو عندما تم تعيينها كرئيسا مديرا عاما للخطوط التونسية سنة 2014 ولا بأس من التذكير بما تركته وراها من فوضى و " خراب " إداري وعجز مالي في فترتها ..
وبعيدا عن الشعبوية ، وإذا تحدثنا بمنطق " براغماتي " بحت فإن تعيين وليد الزيدي في خطة وزيرا لثقافة لم يعتمد على أية معايير موضوعية ، وهو قرار يتناقض مع ما سبق وأعلن عنه المشيشي سابقا من شعارات رنانة عن الخبرة والكفاءة .
فالزيدي - الذي نكنّ له كل الإحترام ونتمنى له كل التوفيق - لا يملك في جرابه أي خبرة أو رؤية في الجانب الثقافي .. ولم يسبق أن عمل يوما واحدا في أي إدارة ولا يعرف كواليس ونواميس وخفايا التسيير ، بما يعني أن منطق الدولة ومن يريد الإعتماد على الكفاءات والخبرات لا يلجأ لتعيين " عاطل عن العمل " في منصب وزير .
لقد كان من الأجدر أن يتم تكريم الزيدي الذي يعتبر أول تونسي من ذوي الإحتياجات الخاصة يتحصل على الدكتوراه عبر منحه مثلا العمل في إحدى الجامعات أو الإدارات ثم يتدرج شيئا فشيئا ليملكك الخبرة الكافية التي قد تؤهله في يوما ما لشغل منصب وزير بعد أن ينهل من تجاربه المهنية ..
فطه حسين مثلا لم ييتم تعيينه وزيرا للمعارف سنة 1950 إلا بعد أن تقلد عديد المناصب في الجامعات ثم عمل في الأربعينات كمستشار فني لوزارة المعارف ثم مراقب للثقافة في الوزارة عينها وهذا لا يستقيم مع الزيدي الذي نجدّد ونذكّر بأننا نحترمه ونتمنى له كل الخير .
وأخيرا لا يمكن المرور دون الحديث عن الإستقالالية المفقودة لدى بعض الوزراء وخاصة علي الحفصي المعروف بانتمائه لنداء تونس وبنتمائه السابق للتجمع الدستوري المنحلّ ، وهذا يقلّص من مصداقية المشيشي الذي تحدث وأصرّ وأكد بأن حكومته ستكون مصتقلة
اليوم وبعد أن أعلن المشيشي عن حكومته وبعد أن كشف عن " كفاءاته " يتساءل كثيرون هل ستمر حكومة الكفاءات المستقلة في ظل إصرار غالبية الأحزاب الكبرى في البلاد على حكومة سياسية ؟ أم أن الأحزاب ستصوّت لها خوفا وخشية و " هروبا " من حل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة ؟
ش.ش
التعليقات
علِّق