حرق الراية الوطنية ببنزت أحرق المتاجرين بحادثة منوبة

حرق الراية الوطنية ببنزت أحرق المتاجرين بحادثة منوبة

بقلم : الناصر الرقيق

كثيرة هي الأمم و الشعوب التي جنت على أنفسها بأيديها حيث قامت بتدمير نفسها بنفسها ووفرت العدّة و العتاد و الوقت أيضا على أعدائها الذين ربما جلسوا للتخطيط سنين طويلة من أجل القضاء عليها لكن تحقق ذلك الحلم بأيادي أبناء تلك الأمم و الشعوب لتجد نفسها في لحظة ما منهكة متعبة في حالة من الضعف و الهوان ما يجعل أيّا كان يتطاول عليها و ربّما يطمع في موطئ قدم له في هذا الملك المشاع بإعتبار أن الأراضي الخربة يجب أن يأتي من يعمّرها و يستصلحها بطريقة أو بأخرى و هذا تقريبا ما حدث مع الإستعمار المباشر الذي غزا معظم بلادنا العربية و الإسلامية خلال القرن الماضي ليعود من جديد اليوم لكن بأشكال أخرى و كما لم نغفر نحن للأجيال التي تسببت في مجيء المستعمر لبلادنا فإنه من المؤكد أن الأجيال القادمة لن تغفر لنا ما يقوم به البعض من بني جلدتنا من تدمير للوطن قد يفرض علينا إستعمارا من نوع آخر.
فما شاهدناه من صور للحرق و النهب و أعمال للبلطجة بمدينة بنزرت لا يمكن تفسيره إلا في هذا السياق التدميري الممنهج للدولة لأن ما عاشته مدينة بنزرت و قبلها العديد من المناطق الأخرى و ربما في المستقبل ستكون هناك مدن أخرى ستعيش نفس الأحداث لا يعدو إلا أن يكون من قبيل مزيد إغراق كاهل الدولة في مشاكل و تشتيت جهودها في إصلاح ما خرّب زمان لتجد نفسها مرغمة على تحمّل مزيد من الخراب المفروض قسرا فعدم الترشح لمجموعة التتويج في البطولة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون سببا في إندلاع كلّ ذلك الكمّ الكبير من الفوضى بمدينة بنزرت لهذا أعتقد أن الأمر أعمق من ذلك و ما حدث يدلّ دلالة واضحة على أننا لم نتقدّم قيد أنملة و بقينا نراوح مكاننا و الثورة للأسف الشديد لم تزحزح في عقولنا الشيء الكثير بدليل أن ما حدث في بنزرت يوم الإثنين ليس إلا نسخة مكررة و ربّما مطوّرة من العنف الذي حدث قبل الثورة و تقريبا بين الفريقين.
إذن بقيت الأمور على حالها أو زادت في التدهور بخصوص عقليّة التخريب التي يمتلكها البعض و الذين عادة ما يستغلون مثل هذه الظروف ليمعنوا في هذا البلد فسادا و إفسادا و لعلّ تكرار مثل هذه الحوادث خاصّة بعد إنتخابات 23 أكتوبر 2011 يعود لسببين إثنين هما العجز التامّ للسلطة على إستشعار الخطر قبل وقوعه و التحضير للتصدّي له حال حدوثه و الإرتباك الحاصل لها في كلّ مرّة تحدث فيها مشكلة في جهة من الجهات بالإضافة للجبن الواضح و الخوف المبالغ فيه بالنسبة للأحزاب الحاكمة التي أثبتت فشلها و عجزها في معالجة مثل هذه الإضطرابات و إنفاذ القانون ضدّ كل من يتجاوزه و لم نراها تسعى لذلك بكلّ ما أوتيت من قوّة و جهد إلا تجاه التيارات السلفية أما السبب الثاني فهو إنتهازية المعارضة التي تسعى لتحقيق مكاسب سياسية على حساب الحكومة بالركوب على كلّ إحتجاج من أي نوع سواء في العلن أو تغذيته في السرّ إن كانت ستؤاخذ عليه بالإضافة لعملها بكلّ الوسائل لحسم صراعها مع السلطة عن طريق إنهاكها إقتصاديا و إجتماعيا و إظهارها بمظهر العاجز عن بسط الأمن و السيطرة على جميع مناطق البلاد و هذا ما نجحت فيه إلى حدّ ما حيث بتنا نشعر أن الترويكا الحاكمة في تونس لا تمسك بكلّ خيوط اللعبة بل أن هناك بعض الأطراف الأخرى لديها من القدرة على خلط الأوراق في كلّ وقت تريده أكثر ممّا لدى الأطراف الحاكمة.
إضافة إلى كلّ ذلك فإن النخبة في تونس تتحمّل النصيب الأوفر من هذا العبث الذي وصلنا إليه حيث أنها لم تلعب دورها بالشكل المطلوب بإعتبار أن الثورة على المستوى السياسي لم يصاحبها إلى حدّ اللحظة ثورة في المجال الثقافي و الفكري تغيّر ما كان سائدا من مفاهيم و تسعى لتنقية العقول مما علق بها من أدران الفكر النوفمبري المقيت القائم أساسا على الفساد بل أن نخبتنا ظلّت حبيسة معارك وهمية مستمدة من صراح الماضي بين توجهين مختلفين كان من الأولى تجاوزها لما هو أنفع للبلاد و العباد و لعلّ حادثة العلم في كليّة منوبة و كيف تمّ إستغلالها في ذلك الوقت لتجريم توجّه ما و إظهاره بمظهر اللاوطني الذي يحاول النيل من مكاسب البلاد بعد إهانته لرمز من رموزها ألا هو العلم تظهر مدى عجز النخبة عن التخلّص من عقدها الإيديولوجية لتناقش الأمور بأكثر عقلانية و قد كتبت في حينها و قلت أن المسألة قد تتكرر و هي أعمق من ذلك و يجب تناولها كأزمة ثقافية يجب إيجاد الحلول لها و هو ما تأكّد في بنزرت حيث لم يكتف أحدهم بإنزال العلم بل قام بحرقه أمام مرأى و مسمع الكلّ و طبعا لا يمكن أن نقول بأن من قام بذلك هو خائن و عميل بل هو في إعتقادي تصرّف طبيعي إذا ما دققنا النظر و بحثنا قليلا في تكوين ذلك الشاب و نظرته للعلم و الوطن و إستعداده للتنازل عليهما بمجرّد أن يقع المساس من وطنه الصغير الذي تمثّل في هذه الحالة في فريقه المفضّل إذن أعود فأقول أن الأزمة هي أزمة ثقافية بالآساس يجب أن نتناولها بكلّ هدوء و بعيدا عن كلّ توظيف و خارج جلباب السلطة إن كنّا فعلا جادّين في النهوض بهذا الوطن و إلا فإننا سنترك المجال مناسبا لهؤلاء أن يخربوا لنا البلاد و نحن نتفرّج لنستفيق على شروط مجحفة للبنك الدولي حتّى يقرضنا بعض الدنانير لنصلح بها ما أفسده هؤلاء.
 

التعليقات

علِّق