توضيحات في خصوص الحصانة البرلمانية

توضيحات في خصوص الحصانة البرلمانية

 

تعالت العديد من الأصوات في المدة الأخيرة المنادية بإلغاء الحصانة البرلمانية إعتقادا منها أن الحصانة وسيلة للهروب من التتبعات القضائية التي تلاحق خاصة من تعلقت بهم شبهات فساد.

 وعلى هذا الأساس بات من الضروري تقديم التوضيحات التالية في خصوص هذا الإجراء.

ما هو مفهوم الحصانة؟

تعتبر الحصانة إمتيازا يتمتع به عدد من الأشخاص سواءا لصفتهم أو وظيفتهم يمكن من تعليق قواعد التتبع والمحاكمة القضائية في شأنهم وفق ظوابط محددة.

ما هو مفهوم الحصانة البرلمانية؟

تنقسم الحصانة التي يتمتع بها نواب البرلمان إلى نوعين وهما الحصانة الوظيفية والحصانة الجزائية.

فأما الحصانة الوظيفية التي تطرق لها الدستور في فصله الثامن والستين فالهدف منها هو ضمان إستقلالية النائب وحريته في التعبير. وعلى هذا الأساس فهي تحمي النائب من إجراءات التتبع القضائي المدني او الجزائي ضده وتمنع إيقافه أو محاكمته من أجل آراء أو إقتراحات يبديها أو أعمال يقوم بها في إرتباط بمهامه النيابية. وبالتالي لا يمكن تتبع النائب لا مدنيا ولا جزائيا من أجل آرائه السياسية أو مواقفه التي يبديها في خصوص أعمال قام بها في إطار ممارسته لوظيفته النيابية.

 و في هذا السياق يضاف لما سبق ما نص عليه الفصل 28 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب من إمكانية عدم إعتصام النائب بالحصانة أي قبول التتبعات في شأنه والإمتثال لها رغم إرتباطها الوثيق بآراء وأعمال تندرج في إطار ممارسة الوظيفة التشريعية.

وبحكم إرتباطها الوثيق بممارسة المهام فإن الحصانة الوظيفية التي يتمتع بها النائب لا تكتسي الصبغة المطلقة بل لها طابع مشروط بممارسة الوظيفة النيابية حتى يتسنى للنائب القيام بمهامه الدستورية بكل حرية دون الخضوع إلى تهديدات وضغوطات مهما كان مصدرها أو نوعها. ويجدر التوضيح في هذا الإطار أن هذه الحصانة تتواصل حتى بعد إنتهاء العهدة النيابية.

وعلى هذ الأساس لا يمكن بأي حال من الأحوال إعتبار الحصانة الوظيفية التي يتمتع بها النائب ضربا لمبدأ المساواة التي أقرها الفصل 21 من الدستور التونسي.

أما فيما يتعلق بالحصانة الجزائية فهي في علاقة بالأفعال التي يقوم بها النائب خارج ممارسة وظيفته التشريعية فلقد تعرض لها ضمنيا الفصل 69 من الدستور حينما أقر أنه لا يمكن تتبع النائب طيلة مدة نيابته في تهمة جزائية ما لم ترفع عنه الحصانة.

يميز الفصل 69 من الدستور المذكور أعلاه بين وضعيتين:

1/ وضعية النائب الذي لا يكون في حالة تلبس.

2/ وضعية النائب الذي يكون في حالة تلبس.

ففي الحالة الأولى التي لا يوجد فيها تلبس يمكن للنائب أن يعتصم بالحصانة النيابية أي أن يتمسك بها وعليه لا يمكن تتبعه أو إيقافه ما لم يرفع عنه مجلس نواب الشعب الحصانة.

أما في الحالة الثانية أي في حالة التلبس بالجريمة فإنه يمكن إيقاف النائب ويعلم رئيس المجلس حالا على أن ينتهي الإيقاف إذا طلب المجلس ذلك.

حالات رفع الحصانة على النائب:

يتبين مما سبق أن التتبعات الجزائية ضد النائب في خصوص الأفعال التي لا علاقة لها بممارسة المهام النيابية تخضع إلى شرطين أساسين:

1/ إما أن يتخلى النائب عن حصانته.

2/ أو أن يقرر مجلس نواب الشعب رفع الحصانة عن النائب بعد دراسة ملفه والإتهامات الموجهة ضده طبقا للإجراءات المنصوص عليها بالنظام الداخلي وتركه بالتالي يمثل أمام القضاء.

وبالتالي وبناءا على ما سبق فإنه لا يمكن للقضاء أن يرفع الحصانة عن النائب دون موافقته أو دون موافقة المجلس.

إذا تخلى النائب عن حصانته فإن إجراءات التتبع تتم بصفة عادية. و بالتالي يمكن للنيابة العمومية توجيه التهم و دعوة النواب للتحقيق دون الرجوع إلى البرلمان وطلب رفع الحصانة عنهم و لا تطلب النيابة العمومية رفع الحصانة إلا بعد تمسك النائب بحصانته كتابيا.

إجراءات رفع الحصانة في حالة ورود طلب في ذلك من السلطة القضائية:

يتم تقديم مطلب في ذلك من السلطة القضائية مرفقا بملف القضية إلى رئيس مجلس نواب الشعب.

ويتولى رئيس المجلس إعلام العضو المعني بالأمر وإحالة الطلب إلى اللجنة المعنية بالأمر التي تتولى دراسة الملف والإستماع إلى المعني بالأمر أو من ينوبه من زملاءه وتكون جلسات اللجنة سرية و منحصرة في أعضاءها.

 وتتولى اللجنة إعداد تقرير في الغرض في أجل 15 يوما من تاريخ الإحالة ترفعه إلى مكتب المجلس الذي يتولى إحالته على الجلسة العامة.

إجراءات طلب إنهاء الإيقاف في حالة التلبس:

لا بد من الإشارة في هذا السياق إلى أن دستور 27 جانفي 2014 لم يتعرض إلى هذه الفرضية في أحكامه المتعلقة بالحصانة البرلمانية بل أضافتها أحكام الفصلين 31 و 32 من النظام الداخلي التي تعرضت وذلك في تعارض صريح مع الدستور إلى إمكانية طلب إنهاء إيقاف عضو بإقتراح عضو أو أكثر و بقرار يتخذه المجلس على ضوء تقرير لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية الذي يتم تقديمه في أجل أقصاه 48 ساعة و بعد الإستماع إلى صاحب الإقتراح أو إلى أول من أمضى في تقديمه. وهو ما من شأنه أن يعقد إلى درجة كبيرة من إجراءات رفع الحصانة البرلمانية. فيكفي لنائب وحيد أن يطالب بإيقاف الإجراءات حتى وإن كانت الإدانة ثابتة في حين أن تقديم مقترح تعديل على نص مشروع قانون يتطلب خمسة نواب على الأقل وأن المبادرة بمقترح قانون تتطلب إمضاء عشرة نواب على الأقل.

الثغرات المتصلة بمسألة رفع الحصانة:

وجب الإشارة هنا أن المشرع  غفل عن تحديد الإجراءات الواجب إتباعها في حالة عدم تخلي النائب عن الحصانة وعدم تمسكه بها كتابيا. إذ أن إحالة طلب رفع الحصانة إلى مجلس نواب الشعب يجب أن يتضمن إقرار كتابيا من النائب بتمسكه بالحصانة وبما أن النائب يتمتع بالحصانة فلا سلطة للجهات القضائية بجلبه ومساءلته حول تمسكه بالحصانة من عدمه وإلزامه بالإقراربذلك كتابيا.

لذا وجب تعديل النظام الداخلي وتحديد سقف زمني لرد النائب والإقرار بأن عدم التمسك بها كتابيا في ظرف 15 يوما من تاريخ إبلاغه بالتتبعات يعتبر تمسكا ضمنيا بالحصانة.

إجراءات التصويت على مطالب رفع الحصانة ومطالب إنهاء الإيقاف:

يتم توزيع تقرير اللجنة على كفة الأعضاء قبل الجلسة العامة.

يتم بعد ذلك الإستماع إلى التقرير ثم إلى العضو المعني بالأمر إذا رغب في ذلك أو لمن ينوبه من زملاءه.

يتخذ المجلس قراره في خصوص رفع الحصانة من عدمه أو قبول طلب إنهاء الإيقاف من عدمه بأغلبية الحاضرين من أعضاءه دون إبراز ما إذا كانت هذه الأغلبية لا يجب أن تقل عن الثلث أو لا مثلما هو الشأن للتصويت على مشاريع القوانين العادية أو صحة إنعقاد الجلسات العامة.

ختاما لما سبق يمكن القول إن الحصانة البرلمانية ضرورية وهي تمنح للنائب حتى يتسنى له أداء مهامه النيابية على أحسن وجه وفي كنف الإستقلالية وإحترام مبدأ الفصل بين السلط ودولة القانون.  وبالتالي فعلى السيدات والسادة نواب الشعب أن يكونوا في مستوى الثقة التي منحت لهم من طرف الشعب صاحب السيادة وأن هذه الحصانة مرتبطة بأداء الواجب وكل ما خرج عن إطار الواجب التشريعي يضعهم مع كافة المواطنين على حد السواء.

عدا  ذلك فإن أخلقة الحياة السياسية أصبحت ضرورة حتمية حتى تتسنى المعادلة بين ما تفرضه الوظيفة النيابية من حماية للنائب وبين ما تفرضه دولة القانون من مساواة بين جميع المواطنين.

د. منى كريم
(أستاذة جامعية و باحثة في القانون العام)

التعليقات

علِّق