يبدو أننا وصلنا في هذه البلاد إلى درجة  من السقوط والانحطاط لم يشهدها تاريخها الذي يمتدّ على 3000 سنة ( هكذا قيل لنا والله أعلم ) . فبالإضافة إلى حالة الشلل التام الذي أصاب كافة مفاصل الحياة تقريبا في البلاد وضرب الاقتصاد في مقتل ... وحالة التسيّب والاستهتار التي بات المواطن يبديها إزاء الوباء الملعون وصلنا إلى مرحلة تهدد فعلا ما تبقّى من أوجه الحياة في هذه البلاد .

وبالأمس القريب شهدنا عشرات الإضرابات التي يشنّها الأطباء والممرضون ومختلف أعوان الصحة العمومية دفاعا عن مصالحهم ... وقلنا في كل مرّة إننا ( نحن وكثير من أفراد هذا الشعب ) نتفهّم مطالبهم ونتفهم تحركاتهم التي يحتجون من خلالها على تنصّل الدولة ( بمختلف مؤسساتها ) من  تعهداتها والتزاماتها . وكانت بعض الأمور تشفع لهم عند الناس كأن تتواصل الخدمات في أقسام الاستعجالي  خلال الإضرابات وفي بعض الأقسام الأخرى التي تتطلّب المراقبة الطبية والرعاية على مدار الساعة .

أما اليوم فقد وصلنا إلى مرحلة تتجرأ فيها  نقابات الأطباء على شنّ   إضراب  بثلاثة أيام  ونحن في  قلب المعركة ضد  الفيروس القاتل   هكذا دون أن  يستحي أصحاب  قرار الإضراب  على الأقل فيتم استثناء  التلاقيح والمصابين  الذي هم في حالة حرجة.

إن البلاد في حالة حرب حقيقية ضد عدوّ فتّاك وعنيد . ولو كانت الدنيا دنيا لتطوّع المضربون بساعات إضافية من العمل لفائدة البلاد عوض التوقف عن العمل بهذه الصفة السمجة التي لا تراعي حتى أبسط درجة من درجات التعقّل والأخلاق .

صحيح أن الوضعيّة " مخروبة " وأن الدولة تنصّلت  في مليون مناسبة سابقة من تعهّداتها والتزاماتها وهي بذلك تستحق حتى النفي في صحراء النيجر. لكن هل إن كل ذلك يشفع لهؤلاء المضربين فعلتهم ويبرّر ما قاموا به ( دعونا من الدولة ) أمام الناس وأمام ضمائرهم ؟؟؟.

وفي واقع الأمر فإن هذا العبث  لم يعد جديدا علينا . لكن  عندما تتعنّت الكثير من النقابات التي لا تراعي غير مصالحها فإن الأمور تصبح مدعاة للحيرة والغرابة خاصة من التزامن الغريب الذي يطرأ بين الحين والحين على بعض التحركات الاحتجاجية هنا وهناك .

وقد  رأينا  كيف أن نقابة التعليم الأساسي  تقرر مواصلة  تصفية حساباتها مع وزارة فاشلة فتغامر بسنة دراسية كاملة لآلاف التلاميذ في...ولعلّ الظرف ليس مناسبا الآن لنتحدث عن غير هذا من التجاوزات ومن شبهات الفساد التي تطال ال من عديد النقابات والنقابيين وبات يعلمها الجميع.

إن اتحاد الشغل  بلا أدنى شك قلعة نضال وتاريخ  وله مكانته  لدى أغلب فئات التونسيين منذ عشرات السنين ...وبلا أدنى شك فإن للاتحاد دوره الوطني الذي لا جدال فيه . لكن هذه المكانة التي يحظى بها  في قلوب التونسيين ليست صك غفران تسمح لكل من هب ودب من نقاباته ومن نقابييه بأن يفعلوا ما يشاؤون .  وإذا أراد الإتحاد أن يحافظ على تاريخه النضالي وعلى مكانته لدى التونسيين عليه أن يقطع مع بعض الممارسات التي تسيء إليه وإلى  قيادته التي هي في النهاية   مسؤولة عن كل ما يصدر عن نقابات الاتحاد ونقابيي الاتحاد  وعن  هذا التنمر الذي يزداد يوما بعد يوم. وعلى الاتحاد اليوم اتخاذ ما يجب من إجراءات لوقف هذه السلوكات الرعناء التي تجاوزت كافة الخطوط الحمراء.