اي خريف لربيع تونس؟؟؟

اي خريف لربيع تونس؟؟؟
بقلم صباح توجاني
كما كان منتظرا، توقف حوارنا في العقبة بعد ان  اعلن الناطق الرسمي باسم الرباعي الراعي للحوار انه سيتم استئناف جلسات الحوار الوطني يوم الإثنين او الثلاثاء القادمين، بمشاركة كل الأحزاب التي كانت حاضرة خلال اجتماعات الأسبوع قبل الماضي. وبذلك قضى على اخر امل لدى الفئة المتفائلة باستئناف جلسات الحوار الوطني المتعطلة منذ عشرة ايام كاملة للأسباب التي لا تغيب على احد
وتسود البلاد اليوم حالة من الترقب والتوتر المشوب بالخوف من انفجار الوضع الهادئ في انتظار زوبعة قد تقوم في كل لحظة، خاصة بعد ان صرح الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة الأسبق وزعيم حركة نداء تونس، المنافس الأول لحركة النهضة الحاكمة، بان المعارضة ممثلة في جبهة الإنقاذ قد تضطر الى العودة الى الشارع في حال لم تستقل حكومة الترويكا يوم 15 نوفمبر الجاري تنفيذا لخارطة الطريق التي امضت عليها الأحزاب المشاركة في الحوار وفي مقدمتها النهضة التي تقود الإئتلاف الحاكم.
وكان المراقبون في الداخل والخارج قد وصفوا تصريح السبسي على انه خطوة عملاقة على درب تصعيد مواقف المعارضة خاصة وان السبسي لم يتجرا، في احلك فترات الترويكا، على الدعوة الى تحريك الشارع واستعمال العنف لإسقاط الحكومة التي يراها انقلابية بالدرجة الأولى لأنها على حد تعبيره، خانت الشعب ولم تف بوعودها له، وفشلت في ادارة الشان العام. 
الهدوء الذي يسبق العاصفة، كما يريد ان يصف المحللون السياسيون وضعنا اليوم، تتخلله بعض التسريبات التي تفند رؤيتهم للأمور، من ذلك ان اطرافا اعلامية نشرت اخبارا خطيرة مفادها ان علي العريض مصر على تقديم استقالة حكومته خلال اليومين القادمين حتى وان لم يتوفق المتحاورون الى اقتراح شخصية مستقلة لخلافته على راس رئاسة الحكومة.
تاتي هذه الأخبار لتصب الزيت على النار المشتعلة، حيث اكد الحسين العباسي رئيس اتحاد الشغل الذي يقود الرباعي الراعي للحوار، بانه لم يتوصل الى اليوم الى نتيجة تذكر تنبئ بقرب احلال التوافق بين طرفي النزاع، او على الأقل تحيي الأمل في استئناف قريب لجلسات الحوار الوطني. وفي حال اصر العريض على تقديم استقالة حكومته، فاي مصير ينتظر التونسيين، الذين يقبلون بحكومة مرتبكة ويعتبرونها افضل الف مرة من اي فراغ دستوري يهدد البلاد بالخراب والفوضى، والأمثلة كثيرة.
العباسي الذي كثف من مشاوراته، المكثفة اصلا منذ اكثر من ثلاثة اشهر، لا يزال يحدوه الأمل في تحقيق سبق سياسي يبوأ المنظمة الشغيلة مكانة بارزة في المشهد السياسي عبر توصله الى اتفاق المتحاورين على تنفيذ بنود خارطة الطريق المنبثقة اساسا من مبادرة اتحاد الشغل المستندة علنا الى طلبات المعارضة واعتصام الرحيل الفاشل.
ولا يحتاج الوضع الراهن الذي تخيم عليه التجاذبات وتبادل التهم بين الحكومة والمعارضة وممثليهما تحت قبة المجلس التاسيسي وخارجها، الى خبرة واسعة في المجال السياسي والقانوني لفك طلامس المفاوضات الماراطونية او للتعرف على النوايا الحقيقية لكل طرف مشارك في الحور او رافض له، فاللعبة السياسية واضحة والتنافس بل التزاحم المحموم من اجل افتكاك السلطة والإنقضاض عليها من جهة وبهدف التمسك بالسلطة الشرعية من جهة اخرى، اضحى جليا للعيان.
فالنهضة التي استمدت شرعيتها من صندوق الإقتراع يوم 23 اكتوبر، لا تزال تملك من الخبرة والدراية بما يؤهلها الى ان تسعى اليوم الى احلال التوافق وقد غيرت من مسميات الأمور بعد ان كانت ترفع لواء الشرعية.
فمما لا ريب فيه ان النهضة التي عولت على تفهم المعارضة لحيثيات المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد ودعتها مرات الى احلال التهدئة الى حين استكمال المسار الإنتقالي، لا تتردد اليوم في التنازل عن السلطة في حركة، ان تمت بالفعل، ستدخلها التاريخ مرة اخرى، وستدفع الأنصار الذين تخلوا عنها خلال الفترة القليلة الماضية، الى العودة الى احضانها، وربما يكونون مرفوقين بالألاف من الجماهير الصامتة التي لا انتماء سياسي لديها.
الا ان اللمعارضة التي استعادت عافيتها بعودة الحزب الجمهوري اليها بعد انشقاقه المؤقت عنها واصطفافها وراء النهضة في ترشيح السياسي المستقل احمد المستيري لمنصب رئاسة الحكومة الجديدة، تظل تعول على الحراك الشعبي كصمام امان وورقة ضغط على الترويكا لدفعها الى احترام تعهداتها بالإستقالة يوم 15 نوفمبر الجاري، وتعتقد جازمة ان الوقت ملائم لإفتكاك السلطة من حكومة تراها فاشلة وتحملها مسؤولية تردي الأوضاع السياسية والإقتصادية والأمنية بالبلاد.
ومع تسارع اللحظات الحرجة، نزل خبر الغاء المحكمة الإدارية لنتائج عمل لجنة الفرز الخاصة بترشح اعضاء هيئة الإنتخابات المستقلة، وبالتالي اعادة الإستعداد لتشكيل الهيئة الى المربع الأول، كالصاعقة على المتفائلين بقرب انفراج الأزمة السياسية ورجوع اعضاء المجلس التاسيسي الى مقاعدهم بعد ان غادروها مؤخرا، واستئناف الحوار الوطني لأستكمال المسارين التاسيس والحكومي.
ويزداد المشهد السياسي غموضا وتدهورا مع تنامي الإحساس بانه لا وفاق في الأفق ولا وجود لإستعداد من طرف الترويكا قصد مراجعة التنقيحات التي ادخلتها كتلة النهضة والمؤتمر بالمجلس التاسيسي على نظامه الداخلي، وهي تنقيحات تصفها المعارضة وحزب التكتل حليف النهضة في الترويكا الحاكمة، ب"الإنقلاب الأبيض او الناعم" على الديمقراطية. 
ويتضاعف الإحتقان بتسريب اخبار حول امكانية انسلاخ التكتل من الترويكا والتحاقه بالمعارضة جراء سعي النهضة الى الحد من صلاحيات رئيس المجلس التاسيسي مصطفى بن جعفر الذي يراس ايضا حزب التكتل، خاصة وان جهود الرباعي الراعي للحوار وتدخلات سفراء الدول الكبرى ( امريكا وفرنسا والمانيا) باءت بالفشل بسبب تصلب مواقف قيادات الأحزاب السياسية.
فلا شيئ ينبئ بتطور ايجابي على مستوى الفرقاء السياسيين الذين يقرون بفشل الحوار ويتمسكون به كسبيل اوحد للنجاة من السيناريوهات المظلمة التي تتهدد البلاد في خريف يتسم بالجدل العقيم ويؤذن بدخول بلد الربيع العربي في بوتقة من الفوضى التي قد تخلف الدمار في مرحلة دقيقة من الإنتقال الديمقراطي الصعب.
والثابت ان البلاد التي ازداد فيها عدد الفقراء وتراجع فيها حجم الطبقة الوسطى واصيب اقتصادها في مقتل بتحاشي رجال الأعمال الإستثمار فيها، وارتفاع نسبة البطالة واسعار المواد الغذائية وتنامي الإرهاب، هي اليوم مقبلة على فترة جفاء يصعب معها التكهن بما ستكون عليه الأوضاع السياسية التي تظل القاطرة التي تجذب بقية القطاعات إن في اتجاه النجاة والإستقرار او في اتجاه السقوط المدوي.
وبالرغم من تتالي دعوات التونسيين من غير المتحزبين وقلة من رجالات السياسية من غير الفاعلين، الى وجوب التعجيل بالعودة الى طاولة الحوار الوطني، الا ان للأحزاب حساباتها الحزبية الضيقة التي تكتم انفاس مريدي الحل والوفاق، والتي ستكون سببا في حدوث  انزلاق خطير عواقبه سيتحملها    الشعب التونسي المغلوب على امره والذي اصبح ينظر، مضطرا، الى النصف الفارغ من الكاس.   
 
 
 
 

التعليقات

علِّق