العجز الطاقي :كيف يمكن التقليص منه فعليا؟

يمشل العجز الطاقي قرابة 60 في المائة من عجز الميزان التجاري. و من أسبابه بعض الأحداث التي ميزت السنوات ما بعد ثورة 17 ديسمبر 2010-14 جانفي 2011. و لكن المشاكل أعمق من ذلك و لها علاقة بعدم انخراط البلاد بما هو قادر على أن يقلب الموازين في الطاقة البديلة.
أفادت معطيات لوكالة النهوض بالاستثمار الخارجي مؤخرا إلى "تسجيل الاستثمارات الاجنبية في قطاع الطاقة قفزة ملحوظة ليستقطب القطاع نحو 689,4 مليون دينار في العام المنقضي مقابل 479 مليون دينار في 2023 أي بارتفاع تجاوز 43 بالمائة ". و هي معطيات تعتبر هامة بالنظر إلى التراجع التي عرفته الاستثمارات في الخارجية مجال الطاقة.
و قد أكد الوزير الأسبق للصناعة عفيف الشلبي إلى انهيار هذه الاستثمارات بعد قيام ثورة 17 ديسمبر2010-14 جانفي 2011 مفيدا في حديث نشرته مجلة "الأكونومست ماغربان" الناطقة باللغة الفرنسية والمتخصصة في المجالين الاقتصادي و المالي سنة 2021 أن " الفصل 13 من دستور جانفي 2014 الذي أشار إلى أن "الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي" و أن "الدولة تمارس السيادة عليها باسمه" لعب دورا سلبيا إذ أنه ساهم في تحول على مستوى الإنجازات في مجال التنقيب عن النفط و الغاز ذاكرا في هذا الصدد حملة "وينو البترول؟" التي أثرت في مجال تقليص حضور بعض الشركات الطاقية.
فرص حقيقية
مضيفا أن بلادنا "كانت قبل هذا التحول تؤمن قرابة 93 في المائة من اكتفائها الذاتي" مفيدا أن تونس كانت تستورد 300 مليون دولار (قرابة 947,5 مليون دينار) سنة 2011 و أن هذا الرقم قفز إلى 1600 مليون دولار (قرابة 5053,3 مليون دينا) سنة 2021. و أن العجز الطاقي كان يأتي في حدود 5 في المائة من العجز التجاري فقط. وتبين الأرقام الأخيرة أن هذا العجز يساوي 60 في المائة من مجمل العجز التجاري.
غير أن هذا لا يمكن أن بفسر لوحده تفاقم العجز الطاقي في بلادنا الذي لعل من أسبابه عدم التحرك بما فيه الكفاية في الاتجاه للاستثمار في الطاقات البديلة التي أصبحت تعتبر اليوم من أهم الحلول في مجال توليد الطاقة في العالم والتالي تتمتع تونس بفضل تموقعما على ضفاف البحر المتوسط و الإمكانات الطبيعية المتاحة لديها أن تتوفر على فرص حقيقية لتطويرها. فهي موجودة على مقربة من دول أوروبا التي أصبحت تبحث عن هذه الطاقات وتعمل جاهدة على التعويل عليها. علما أن بلادنا وإن تم الحديث فقط عن الطاقة الشمسية تتمتع حسب الخبراء في المتوسط على 3000 ساعة في السنة الواحدة تبزغ فيها الشمس.
وحدة لتوليد الطاقة الخضراء
وتشير معطيات علمية دقيقة أن " معظم مناطق الجنوب تونس تتمتع بمعدّلات أكبر تتراوح بين 3200 ساعة شمس في سنة و3400 ساعة في السنة على غرار منطقة الجنوب الشرقي. في حين يتراوح الحد الأدنى للفترة المشمسة في المناطق الشمالية بين 2500 و3000 ساعة شمس في السنة". و هو ما يشجع على الانخراط الدائم في الطاقة الكهروضوئية.
هذا وتبقى الطاقة الشمسية أحد الإمكانات الطاقية لبلادنا التي هي قادرة على الاستثمار في إمكانات أخرى ومن بينها النفايات. هذا وقد يوم 4 فيفري 2025 تدشين المشروع النموذجي لإنتاج الكهرباء من الفضلات المنزليّة بالمصبّ المراقب للنفايات بمنطقة "وادي لاية" بولاية سوسة وهي «أوّل وحدة لتوليد الطاقة الخضراء بكلفة تقدّر بنحو 400 ألف دينار ممولة من الحكومة اليابانية بتنفيذ من برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية وبالشراكة مع الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات." وهي الوحدة التي ستتولى " تحويل بين 20 و30 متر مكعب من غاز الميثان في الساعة إلى 60 كيلواط من الكهرباء بما يعادل استهلاك بين 350 و500 عائلة لمدّة سنة كاملة". علما أن هذه النفايات ما انفكت تشكل مشكلا حقيقيا في بلادنا بالنظر إلى كل تباعاته البيئة والصحية والاقتصادية والاجتماعية.
مصانع لتحلية مياه البحر
عدا عن ذلك يتم الحديث دوما في بلادنا عن الاستثمار في الهيدروجان الأخضر. و هي طاقة يقول في شأنها الخبراء أن " التحليل الكهربائي المدعوم بالطاقة المتجددة يقوم بتقسيم جزيئات الماء إلى هيدروجين وأكسجين، مما يؤدي إلى احتجاز الهيدروجين وتخزينه لاستخدامه كوقود". و قد تم في هذا الصدد ضبك بمساعدة و كالة التعاون الاقتصادي الألماني خطة لتصدير ما يقارب 6 مليون طن من هذه الطاقة إلى غاية سنة 2050. وهو المشروع الذي يتطلب جملة من الاستثمارات ومن بينها تشييد مصانع للطاقة البديلة الكهروضوئية و كذلك مصانع لتحلية مياه البحر و إعداد الموانئ التونسية للقيام بعمليات التصدير.
مع ضرورة تنامي الوعي بأهمية ترشيد استهلاك الطاقة التي لا يمكن في غيابها نجاح كل السياسات المتعلقة بالطاقة. فسلوك المواطن يعتبر على غاية من الأهمية وحلقة أساسية في المجال.
محمد قنطاره
التعليقات
علِّق