الأحداث الأخيرة بين نفاق النخبة و أوهام المتطرّفين

بقلم الناصر الرقيق
يبدو أن الأحداث الأخيرة التي عاشتها تونس و رغم قساوتها و تأثيرها السلبي على واقع البلاد المتردّي أصلا إلا أنها كشفت نفاق و كذب البعض من نخبتنا سواء المثقفة منها أو السياسية حيث رأينا تكالبا من هذه النخبة على النهش في لحم السلفيين الذي أصبح حلالا حلو المذاق أكثر من ذي قبل فأنهالت بيانات المساندة لقوّات أمننا الوطني التي قامت بردع فئة من الشعب حاولت الخروج عن القانون لكن المحيّر في الأمر أن نفس هذه النخبة قبل أيّام قليلة ساندت و لازالت كذلك أحد مغنّي الراب الذي وصف نفس هذه القوّات الأمنيّة بالقول " البوليسيّة كلاب " فهل بعد هذا النفاق نفاق.
كذلك فقد شهدت الأحداث الأخيرة عمليّة حرق للراية الوطينة و هي عمليّة مدانة بكلّ المقاييس غير أنها لم تكن المرّة الأولى فقد شاهدنا هذه الفعلة منذ أيّام قليلة في بنزرت و بنفس الطريقة تقريبا حيث أقدم مجموعة من شباب كرة القدم على إحراق العلم و بين الحادثتين رأينا التصريح و نقيضه من البعض من نخبتنا و لعلّ موقف سمير بالطيّب يعتبر نموذجا بيّنا على نفاق هذا النخبة فقد قال في برنامج التاسعة مساء حين سأل عن رأيه في الحادثتين ليجيب بأن عمليّة الحق مدانة إن فعلها سلفي و مسألة فيها نظر إن كان الفاعل أخر و هو ما يبرز إزدواجية مقيتة لدى من يفترض أنهم عقول البلد و منتجي الأفكار فيه لكن لا يلام سمير بالطيّب بالرجل معروف بمرضه الإيديولوجي و عداءه المزمن تجاه كلّ ما هو إسلامي.
و من بين الأشياء الأخرى التي عرّت جزء من نخبتنا موضوع مؤتمر أنصار الشريعة في حدّ ذاته و رفضهم لطلب الترخيص لعقده حيث سارعت هذه النخبة لمباركة التدخّل الأمني القوّي و مشيدة بهذا العمل البطولي لقوّات الأمن و في المقابل أدانت أنصار الشريعة لعدم إحترامهم و محاولة فرض رؤيتهم كأمر واقع غير أن نفس هذه النخبة كانت قد خرجت للتظاهر في شارع الحبيب بورقيبة يوم 9 أفريل متحديّة قرار وزارة الداخلية في ذالك الوقت بمنع التظاهر في هذا الشارع في مخالفة صارخة للقانون و من ثمّة شنت حملة عنيفة على قوّات الأمن متهمّة إيّاها بشتّى أنواع التهم لا لشيء إلا لأنها نفّذت القانون و منعت التظاهر ممّا أجبر وزير الداخلية فيما بعد على التراجع في قراره غير أنه حين تواجه هذه النخبة بهذه الحجج التي تبرز كذبها و نفاقها تجد لنفسها الكثير من المبرّرات التي لا تقنع أحدا سوى البعض من الذين يريدون لتونس أن تكون عارية يتكشّف عليها الجميع مثل تلك الفتاة التي قال سمير بالطيّب أنه لا يعرف من وراءها وسكت دون أن يدين ما فعلت في مقبرة أولاد فرحان بالقيروان أو كما قالت النساء الديمقراطيات إنها تمارس حريّتها.
هذه عيّنة من المواقف المتناقضة للبعض ممن إعتادوا وصف أنفسهم بالنخبة و التي تبرز بلا شكّ العاهات العديدة التي تعاني منها خاصة تجاه كلّ ما هو إسلامي و محاولة شيطنة الشباب الذي يتبنى أفكارا دينية رغم القناعة بأن على هؤلاء الشباب أن يلتزموا بقوانين الدولة و أن لا يحاولوا فرض أراءاهم بالقوّة و كم كنا نمني النفس بأن يخرج و لو صوت واحد من بين هذه الأصوات العديدة التي تحاول تجريم الشباب السلفي لمجرّد أفكاره ليدين غلق المصانع و المؤسسات و ضرب الإقتصاد الوطني أم أن ذلك مباح بل و محمود طالما أن الهدف منه إفشال الحكومة و إسقاطها.
لقد عانى الشعب التونسي و لازال يعاني إلى اليوم من هذه النخبة المنبتّة التي لم يكن لها في يوم من الأيّام أي صلة بهاته الأرض و كانت هي المشرّع الأوّل لحكم المخلوع بل أنها ساعدته في تركيز دعائم حكمه و نظّرت له ليسكت الجميع و ما سياساته في التعليم و الإقتصاد و الإجتماع إلا نتاج لأفكار نخبة " الويسكي " مما أدّى بتونس للوصول إلى ما وصلت إليه من هذا التزمّت و التطرّف يمينا و يسارا و لسائل أن يسأل من الذي جعل شبابنا يقبل على تبني هذه الأفكار الدينية الراديكالية غير ذاك التطرّف في الجهة المقابلة بالتعرّي و المجاهرة بالفحش و محاولة التشريع للزواج المثلي و كلّ أنواع الرذيلة لهذا أعتقد أن تونس كما كانت دائما موطنا للمعتدلين فإنها ستبقى كذلك و لا مجال للمتطرّفين من جميع التيارات إلا القبول بهذا الواقع لأن أوهامهم في النفوذ و السيطرة سيسفّهها الشعب و بطولاتهم المكذوبة ستتكسر على عتبات المجتمع.
التعليقات
علِّق