استفتاء 2022..هذه ابرز الفوارق بين دستور 2014 و 2022

استفتاء 2022..هذه ابرز الفوارق بين دستور 2014 و 2022

توجه التونسيون الى مراكز الاقتراع يوم الاثنين 25 جويلية 2022 (يوم عطلة ) للاستفتاء حول الدستور الجديد المقترح من طرف رئيس الجمهورية قيس سعيد وذلك بعد ان سجلت هيئة الانتخابات اكثر من 9,3 ملايين ناخبا بطريقة تلقائية .

وتأتي خطوة الاستفتاء في ظل مسار كامل انتهجه الرئيس التونسي انطلق بقرارات مفاجئة في 25 جويلية لسنة 2021 ، منها احتكار للسلطات الثلاث وإقالة لرئيس الحكومة السابق وتجميد لأعمال البرلمان و حله بالكامل لاحقا. لينتهي هذا المسار بانتخابات نيابية مبرمجة من طرفه بحسب تدابيره الاستثنائية بشهر ديسمبر القادم .

نظام “رئاسيوي ” أمبراطوري ” 

و يمنح المشروع الجديد للدستور ،الذي عدله قيس سعيد بعد نشره بالرائد الرسمي ، صلاحيات واسعة للرئيس محولا النظام السياسي السابق البرلماني المعدّل إلى رئاسي وصفه بعض الخبراء “بالرئاسوي الامبراطوي “حيث تطغى فيه السلطة التنفيذية على بقية “الوظائف التشريعية و القضائية ” بحسب نص المشروع .

و جاءت هذه النسخة المعروضة للاستفتاء في وقت تبرأت فيه “اللجنة الاستشارية من أجل بناء جمهورية جديدة”، منها و من فصولها ، فضلا عن وصفها له بالخطيرة و الممهدة لنظام ديكتاتوري من قبل رئيسها الصادق بلعيد و الذي كان من احد المقربين من سعيد .

و يرى بعض الخبراء الدستوريين ، ان المشروع المنشور و المصحح ، هو من كتابة و صياغة الرئيس التونسي قيس سعيد حيث يترجم فعليا قناعاته و افكاره . و كان سعيد قد قام بإصلاح “46” خطأ لغويا ومضمونيا في مسودّة الدستور الأولى، وإصداره نسخة ثانية معدّلة (08/07/2022).

بعض الفصول الجيدة 

ويرى بعض المتابعين للشأن العام التونسي بأن الدستور الجديد يحمل في طياته بعض الفصول المهمة و الجيدة على غرار منع السياحة الحزبية، أو حظر الإضراب في القطاعات الحيوية (الفصل41)، وإحداث مجلس أعلى للتربية والتعليم (الفصل 135)، وإلزام الدولة برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، والأطفال والمسنّين الذين لا سند لهم وتجريم التمييز على أساس الانتماء ، ورفع الحصانة عن النائب في حال تعطيله السير العادي لأعمال البرلمان ، وتأمين ظروف المحاكمة العادلة ، الا ان ذلك لا يمنع وجود فصول “شائكة و ملغمة ” خاصة في باب الحريات و السلطة التنفيذية و الهيئات الدستورية .

رئيس الجمهورية هو المهيمن  

و حيث منح سعيد لنفسه في مسوّدة الدستور صلاحيات واسعة، مقارنة بصلاحيات بقية السلطات فهو المهيمن على كلّ أجهزة الدولة التنفيذية، والتشريعية، والقضائية ، كما انه يضبط السياسة العامّة للدولة (الفصل 100)، ويتولّى إسناد الوظائف العليا المدنية والعسكرية فيها (الفصل 106)، وهو مَن يعيّن رئيس الحكومة وبقية أعضائها و هي مسؤولة أمامه و ليس امام البرلمان ليكون بذلك وجودها صوريا و جهازا تنفيذيا لقرارات الرئيس و توجيهاته .

كما اعتبر بعض اساتذة القانون الدستوري ، ان الفصل 110 من الدستور المنشور يمثل خطرا و تمهيدا لدكتاتورية “الشخص الواحد ” حيث أنّ “رئيس الجمهورية يتمتع بالحصانة طيلة توليه الرئاسة، وتعلق في حقه كافة آجال التقادم والسقوط (…)، ولا يُسأل عن الأعمال التي قام بها في إطار أدائه لمهامه” .

صلاحيات محدودة للبرلمان  

في مقابل هذه الصلاحيات التنفيذية الخارقة ، جاء الدستور الجديد و على عكس دستور سنة 2014 بصلاحيات محدودة للبرلمان ، فقد أقر إحداث مجلس وطني للجهات والأقاليم، ليُنازعه اختصاصاته الرقابية والتمثيلية.

فضلا عن ذلك فان هذا البرلمان لا يمكنه إقالة الحكومة أو حجب الثقة عنها عبر التصويت، إلا بتأييد ثلثي النواب في المجلسين (الفصل 115).

كما يجوز “لرئيس الجمهورية أن يحل المجلسين أو أحدهما، ويدعو إلى تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها” (الفصل 115)، وله الحقّ في اقتراح تشاريع، وإصدار مراسيم، وردّ قوانين صدّق عليها المجلس النيابي. بالاضافة الى أنّ حصانة النوّاب مقيّدة” (الفصل 66)، حيث يمكن سحب الوكالة منهم” (الفصل61).

وظيفة قضائية  

أما وضعية السلطة القضائية فهي ليست بأفضل من وضعية السلطة التشريعية ، فالرئيس بحسب مشروعه الجديد ،يعتبرها مجرّد وظيفةٍ خاضعة لهيمنة السلطة التنفيذية، حيث انه هو من يقوم بتسمية القضاة الا انه يتمتع بالاستقلال المالي والإداري.

في ذات السياق ، فان اعضاء المحكمة الدستورية “الهيكل الوحيد المراقب لرئيس الجمهورية ، يتم تسميتهم جميعا “9” بأمر منه و من قدماء الهيكل القضائي ، أي انهم على أبواب التقاعد، مما يجعلها تفتقر للاستقلالية .

دستور غامض  

و الغريب في الامر كذلك ، بان الدستور الجديد لم يفصح عن الفرضيات القانونية الممكنة في حالة التصويت عليه ب”لا” حيث ان المرسوم الرئاسي المتعلق بتقيح قانون الانتخابات والاستفتاء نص على أن تُصرّح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات “بقبول مشروع النص المعروض على الاستفتاء في صورة تحصل الإجابة بـ”نعم” على أغلبية الأصوات المصرح بها”، وأن يتولى رئيس الجمهورية ختمه ويأذن بنشره في أجل لا يتجاوز أسبوعا من تاريخ الإعلان عن النتائج النهائية للاستفتاء.

و يبقى السؤال المطروح حاليا ، هل ستكون نسبة المشاركة في الاستفتاء كبيرة أو ضعيفة حيث انه يوجد عدد كبير من الطبقة السياسية من ممن قرروا المقاطعة على غرار حزب النهضة و افاق تونس و الدستور الحر ..و اخرين ممن اختاروا الحياد على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل ..و طبقة اخرى لا تعنيها فعليا الحياة السياسية التونسية و المشاركة في فعالياتها .

في مقابل ذلك يرى البعض ان الاستفتاء سيشهد اقبالا معقولا من مساندي الرئيس على غرار بعض الاحزاب السياسية و بعض المستقلين ، أو من الذين يحبون فعلا الرئيس أو لأنهم يكرهون حركة النهضة الاسلامية و من حكموا حكموا البلاد منذ 2011 .

عدم التنصيص على نسبة المشاركة 

جدير بالذكر ان مشروع الدستور لم يتضمن تنصيصا واضحا لنسبة المشاركة في الاستفتاء أو سيناريوات الاقبال عليه و التي يمكن بمقتضاها معرفة مدى شرعية نتائجه ، مما يعطي انطباعا بان مشروع الدستور سيمر “رغم كل شئ ” .

في ذات السياق كانت المنظمة الشغيلة في تونس قد طالبت رئيس الجمهورية بإصدار مرسوم رئاسي يتم بمقتضاه تحديد نسبة عتبة بـ 50 بالمائة من أجل إضفاء الشرعية على نتائج الإستفتاء.

من جهتها كذلك قالت أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي في تصريح اعلامي ،”: بأنه إذا كان التصويت بـنعم مع نسبة مشاركة ضعيفة لا تتجاوز 25%، فإن الدستور سيولد ضعيفا ولن يكون قادرا على اخراج البلاد من الأزمة السياسية وربما سيزيد من حدتها، على اعتبار أن ذلك سيمثل ورقة رابحة بالنسبة للمعارضة التي ستتجند رفضا لدستور الأقلية” بحسب قولها.

التعليقات

علِّق