المرصد الاجتماعي التونسي: بالأرقام عودة واضحة للفعل الاحتجاجي..

المرصد الاجتماعي التونسي: بالأرقام عودة واضحة للفعل الاحتجاجي..

ورد علينا اليوم تقرير الثلاثي الثالث لسنة 2025 للمرصد الاجتماعي التونسي  حول الاحتجاجات  و في ما يلي التفاصيل :

"بلغت حصيلة الحراك الاجتماعي خلال الربع الثالث من سنة 2025، جويلية واوت وسبتمبر، ال 1316 تحركا، لتضاعف النسق نحو المرتين بالمقارنة مع نفس الفترة من السنتين الماضيتين، اين كانت حصيلة الثلاثة أشهر في حدود ال 752 تحركا خلال 2024، وسجلنا 680 تحركا خلال نفس الفترة من سنة 2023. 

ويؤكد من جديد الرقم المرتفع نسبيا في نسق الاحتجاج خلال الربع الثالث للسنة، عودة واضحة للفعل الاحتجاجي كأداة للتعبير والمطالب بالحقوق وعن حجم الفجوة بين توقعات الفاعلين والوعود السياسية  وواقع السياسات المناقضة للوعود . كما يؤشر الى تواصل في حالة الاحتقان وعدم الرضا الذي بدأ منذ بداية السنة تقريبا ولم تنجح محاولات التهدئة، باعتماد مفاهيم السيادة للشعب، والتبرير بنظرية المؤامرة ومنظومة الفساد او عبر مهاجمة الخصوم السياسيين ، في إخماد موجة الاحتجاج والتقليص من حالة الغضب الاجتماعي او في وضع حد لتاكل الثقة المسجل في المؤسسات الرسمية التي فشلت في معالجة الملفات الاجتماعية المزمنة. 

ومن المهم الاشارة الى انه بعد التراجع التقليدي في نسق الحراك الذي سجلته اشهر الصائفة نتيجة الإيقاع الاجتماعي للحياة الجمعية ، فشهر جويلية شهد 357 تحركا وشهر أوت سجل 323، عاد الفاعل الاجتماعي الى التحرك من جديد وبقوة مع بداية الخريف وانطلاقة السنة  السنة الدراسية، ليعرف شهر سبتمبر وحده 635 تحركا احتجاجيا ويكون الشهر الأكثر احتجاجا منذ بداية السنة.  بما يعكس عودة التوتر الاجتماعي نتيجة ما تطرحه العودة الدراسية والسياسية بعد اشهر العطلة. 

وشهد شهر سبتمبر 2025، خلال نصفه الأول انطلاقة أسطول الصمود المغاربي والعالمي، وعرف مشاركة واسعة  لنشطاء وناشطات تونسيين وتونسيات، كما ترافق في مختلف محطات تقدمه بسلسلة من التحركات التي اتسمت بحضور زخم شعبي كبير مساند للقضية الفلسطينية ومندد بحرب الإبادة في غزة بما يعزز هذه الحركات الجديدة ذات البعد القيمي والإنساني . واولا باول تفاعل الشارع التونسي مع مجريات تقدم السفن نحو غزة وفي كل محطة او أشكال اعترضهم، عرفت مختلف ولايات الجمهورية تحركات ووقفات مساندة واسعة شملت التلاميذ والطلبة والنشطاء والمواطنين بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم. وتواصل التحرك الى ما بعد  اختطاف المشاركين في أسطول الصمود من قبل قوات الاحتلال واعتقال جميع المشاركين بما في ذلك 28 تونسيا وتونسية، و تم اطلاق سراحهم تباعا مع بداية شهر أكتوبر 2025. هذا وقد ضم أسطول الصمود 532 مشاكا من 45 دولة على متن قرابة ال 50 سفينة انطلقت من اسبانيا وايطاليا وتونس. 

وهذا وقد حافظت البلاد خلال الربع الثالث من سنة 2025، على نفس الواقع الاقتصادي والاجتماعي المتعثر، كما عرفت تواصلا لنفس المسار السياسي الذي بدأ ما بعد 25 جويلية 2021، اين تم اعتماد القوانين والمحاكم لأغراض قمعية، وتواصل سجن الخصوم السياسيين ونشطاء العمل المدني والإنساني، كما بقى المرسوم عدد 54، وجملة من فصول المجلة الجزائية، العنوان الاكبر لتكميم الافواه وإسكات كل الاصوات المعارضة او الناقدة والتي لا تقتصر على المعارضين او الصحفيين والمحامين فقط بل شملت الجميع بما في ذلك المواطنين والطلبة.. في تجسيد لمناخ سياسي قمعي بامتياز. 

وتفاقمت الهشاشة المهنية وازداد الشعور بعدم الأمان الاقتصادي والاجتماعي، وشكلت التحركات المهنية المطالبة بتفعيل الاتفاقيات العالقة وتسوية الوضعية المهنية والقطع مع العمل الهش والترسيم وصرف المستحقات والرواتب والحق في تشغيل المعطلين عن العمل من حاملي الشهائد وتحسين ظروف العمل وتدعيم الموارد البشرية اكثر من 55% من جملة التحركات التي شهدها الربع الثالث للعام. في نفس الوقت تستقر التحركات المدنية في مرتبة ثانية، اين مثلت نحو ال 25% من جملة التحركات خلال نفس الفترة. وارتبطت في نصفها بالقضية الفلسطينية وما يجري في غزة من حرب ابادة وتجويع، في حين نادت في نصفها الثاني باطلاق سراح السجناء الموقوفين ونددت بالتراجعات المسجلة في حقوق النساء وفي حرية التعبير وفي استقلال القضاء وفيما يهم النشاط النقابي والسياسي..   

وتحافظ الاحتجاجات البيئية على موقعها ضمن الفعل الاجتماعي، أين ارتبطت التحركات خلال اشهر جويلية واوت وسبتمبر،في نحو ال 10% منها بحقوق بيئية، تتصل بالحق في الماء ووضع حد للانقطاعات المسجلة والمتفاقمة خلال أشهر الصائفة، وبالحق في بيئة سليمة يتم فيها القطع مع السكب الصناعي وتلويث مياه البحر..  ومع المصبات العشوائية و مع التسربات الغازية من المجمع الكميائي في قابس وقفصة والتي تؤدي في كل مرة الى تسجيل حالات اختناق.. ويحمل الفاعل الاجتماعي في مجمل هذه التحركات، الدولة المسؤولية كاملة في ضمان جودة الحياة والحفاظ على محيط آمن وسليم. 

واتصلت بقية التحركات المسجلة خلال الثلاثي الثالث للسنة، بمطالب توفير خدمات عمومية أساسية، شكل الحق في التعليم الجزء الأكبر منها نظرا ان شهر سبتمبر كان شهر العودة المدرسية، الى جانب المطالبة بالحق في الصحة والنقل وتوفير الحماية والأمن والحق في العيش الكريمة وفي التنمية والربط بالطرقات وفك العزلة.. 

ومن منظور جندري كان الحراك الاجتماعي بالأساس مشترك، وتم تسجيل 1164 تحركا في شكل مختلط وانتظم 129 تحركا من قبل الرجال أما البقية وهي 23 تحركات فانتظمت من قبل نساء بالأساس.   

وتنوعت أشكال الاحتجاج خلال الربع الثالث من السنة، وجاءت في أكثر من 82% ميدانية وتوزعت بين وقفات احتجاجية واعتصامات وإضرابات وإضرابات عن الطعام وقطع طريق ومسيرات سلمية واخرى باتجاه قصر رئاسة الجمهورية وايام غضب وحمل الشارة الحمراء وغلق مواقع العمل.. 

في حين اختار الفاعل الاجتماعية في نحو 18% الفضاء الرقمي الافتراضي للتعبير عن غضبه أو مطالبة المسؤولين للتدخل واعتمد في ذلك المناشدة والعرائض والبيانات وحملات المناصرة الرقمية. 

وكانت فئة العمل والموظفين الفاعل الاجتماعي الأساسي خلال الربع الثالث للسنة وشاركوا في 403 تحركا احتجاجيا بما وهي من الفئات المُهَيمن ليها اقتصاديا التي تعيد صياغة مطالبها في شكل مقاومة رمزية وميدانية يعكس استمرار الصراع حول العمل  اللائق والاعتراف المهني، يليهم في ذلك السكان الذي اثثوا 221 من التحركات المسجلة وياتي بعدهما النقابات ب 158 تحركا ثم النشطاء الذي نظموا 140 تحركا. هذا وخاض المعلمون والاساتذة ل 87 تحركا في حين شارك سواق الحافلات في 72 تحركا وأصحاب الشهائد المعطلين عن العمل في 49 تحركا ونفس عدد التحركات انتظم من قبل الأولياء، اما الطلبة ورغم ان الفترة تزامنت مع عطلة فقد شاركوا في 38 تحركا. وشهدت الثلاثة أشهر ايضا تحركات للصحفيين والمحامين والفلاحين والأطباء والتلاميذ وموظفي الخدمات الطبية واحباء الأندية الرياضية والرياضيين. 

وتتخذ خارطة الاحتجاجات خلال الربع الثالث للسنة شكلا مألوفا نسبيا، اين تحافظ خلاله تونس العاصمة على مرتبتها الاولى من حيث تمركز الفعل الاحتجاجي، وتسجل لوحدها 339 تحركا احتجاجيا، ياتي بعدها ولاية قفصة التي سجلت 150 تحركا ثم ولاية قابس التي عرفت 138 تحركا ثم ولاية نابل ب 83 تحركا ولاية القيروان ب64 تحركا وبنزرت 56 تحركا والقصرين 55 تحركا وسيدي بوزيد 53 تحركا وبن عروس 51 تحركا أما البقية فتوزعت بين بقية ولايات الجمهورية وسجلت ولاية اريانة اخفضها اين شهدت 8 تحركات وقبلها المنستير ب 12 تحركا والكاف ب15 تحركا… 

واتجه الفاعل الاجتماعي في نحو ال 54% من مطالبه نحو رئاسة الحكومة او رئاسة الجمهورية، في حين تعلقت 10% من المطالب بوزارة التربية و نحو ال 7.75% ارتبطت بصاحب العمل، اما البقية فتم توجيهها نحو الادارات الجهوية ووزارة العدل ووزارة الفلاحة والشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه ووزارة الصحة والنقل والسلط الامنية والقضائية.. 

وانطلاقا من عينة الرصد سجلت الثلاثة اشهر الثالثة للسنة 18 حالة ومحاولة انتحار، توزعت بالتساوي بين الثلاث اشهر اين شهد شهر جويلية 6 حالات انتحار و اوت بدوره سجل 6 حالات انتحار ونفس العدد شهده شهر سبتمبر. 

ويختار الفاعل الاجتماعي الانتحار كفعل فردي وصورة من صور ما يمكن اعتباره “احتجاج صامت” وتعبير عن رفض وعدم رضا وغضب من واقع يشعر فيه أنه غير مرئي وان الدولة والمجتمع لا يستجيبان لمعاناته أو انتظاراته. 

ويعتبر العاطلون عن العمل والنساء المسلط عليهن عنف جسدي معنوي او اقتصادي والاطفال والمساجين والمهمشين اجتماعيا كالمهاجرين.. الفئة الاكثر عرضة للتواجد في مناخ من اليأس الدافع للاقدام على الفعل الانتحاري.  وفي المناطق الداخلية والأرياف والمناطق الأقل حظا بما فيها فضاءات التعليم، يتحول الانتحار من فعل رمزي فردي الى رسالة للمجموعة تذكر بالانسحاب المسجل للمجتمع ولمؤسسات الدولة من أدوارها التقليدية الداعمة والحاضنة والموفرة للدعم النفسي. 

واقدم على فعل الانتحار 13 من الذكور و5 إناث، منهم 3 أطفال دون سن الثامنة عشر عاما وشكل الشباب الجزء الأكبر ممن اقدم على ايذاء النفس خلال الربع الثالث للسنة كما سجلت الفترة انتحار 2 سنهم فوق الستين عاما. 

وشهدت ولاية القيروان 6 من حالات الانتحار التي تم رصدها من قبل المرصد الاجتماعي التونسي، اما قفصة فعرفت 3 حالات وسجلت تونس العاصمة حالتان وتوزعت البقية بين ولايات الكاف وبنزرت وجندوبة وسوسة وصفاقس ومدنين ونابل حالة انتحار في كل منها. 

واختار غالبيتهم الفضاء الخاص ليكون إطارا لفعل الانتحار أين سجل 10 من الحالات المرصودة داخل فضاء السكن، و4 داخل مؤسسات تربوية مدارس أو معاهد و3 في مكان عام وحالة داخل فضاء عمل. 

وتكتسب ظاهرة العنف في الربع الثالث للسنة زخما اكبر وتتسع اكثر، لتعكس حجم التوتر والغضب وعدم الرضا العام الطاغي على الحياة اليومية للتونسيين والتونسيات، والذي يتحول في كل مرة الى عنف موجه نحو الآخر. 

وتتوزع حالات العنف المرصودة على مختلف ولايات الجمهورية، ويسجل الجزء الاكبر منها في الاحياء الحزامية لولاية تونس اين تتعمق الفوارق ويتحول التباين الاجتماعي والاقتصادي الى عامل لتغذية مشاعر الغضب والانتقام والإذلال والتخويف ودافع للإقدام على مختلف أشكال العنف الجسدي والمعنوي واللفظي والجنسي والاقتصادي والاجتماعي الرمزي.. 

وتتزايد تمظهرات العنف مع تضاعف ضغوطات الأزمة الاقتصادية والإفلات من العقاب، ويظهر بوضوح في الاحداث والاعمال الاجرامية المرتكبة من براكاجات وعنف متبادل وحالات قتل وسرقة وعنف زوجي وتقتيل للنساء (على يد الازواج او الابناء) وحالات اغتصاب وتحرش.. 

وتأتي خطابات العنف والكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي والفضاء الرقمي وما يحيط بها من تطبيع وتسامح،  لتكون اطار جديد لانتشار خطابات العنف والتطبيع معها. ولتتحول تدرجيا الى محرك من المحركات الدافعة لمزيد انتشار هذه الظاهرة. وتكون النساء والاطفال وكبار السن والمساجين الفئات الاكثر عرضة لأعمال العنف والاعتداءات التي يتم رصدها بشكل عام. 

وشهدت الثلاثة أشهر الثالثة للسنة 8 حالات موت مستراب وحالات عنف شديد داخل مراكز الإيقاف والسجون التونسية، لتذكر من جديد بتواصل الإفلات من العقاب وارتفاعه في صفوف الأمنيين. كما كانت النساء ضحية لعديد الاعتداءات سواء الجنسية او الجسدية او المعنوية والتي تتوزع على الفضاء الطبيعي الفضاء السيبرني على حد السواء. 

ويتزايد العنف في المناطق والجهات التي تتعمق فيها أوجه  اللا المساواة وغياب العدالة الاجتماعية وتعرف انتشارا لمظاهر الحرمان والفقر والتهميش. 

وفيما يتعلق بالتوزيع الجغرافي، لا تزال خريطة العنف متنوعة على غرار الأشهر الماضية وشملت أحداث العنف المسجلة خلال اشهر جويلية وأوت وسبتمبر، كل ولايات الجمهورية تقريبا. وحتى مع تغير ترتيب الولايات من حيث معدلات أحداث العنف المسجلة من شهر إلى اخر حافظت الظاهرة تقريبا على نفس ملامحها العامة. "

التعليقات

علِّق