نقابة الصحفيين تدين المحاكمات الإعلامية و تؤكد أن القضاء هو الفيصل

نقابة الصحفيين تدين المحاكمات الإعلامية و تؤكد أن القضاء هو الفيصل

ورد علينا اليوم الثلاثاء 4 مارس  البيان التالي عن النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين و هذا ما جاء فيه :

إنعقدت اليوم الثلاثاء 4 مارس 2025 أولى جلسات النظر في ملف ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة" والتي يتم فيها تتبع عديد النشطاء السياسيين ورجال أعمال ومسؤولون سابقون في الدولة.

وكان القضاء التونسي قد اتخذ في 18 جوان 2023 قرارا بحضر النشر في ملف "التآمر على أمن الدولة" وأصدر قرارات عامة بمنع النشر، بما في ذلك في حق مؤسسات إعلامية أعلنت استضافتها لهيئات الدفاع في الملف. كما مثل الصحفيون/ات ومقدمو البرامج أمام فرق البحث على خلفية استضافتهم لأعضاء هيئات الدفاع وعائلات المتهمين، كانت النقابة قد إعتبرتها رقابة مسبقة على العمل الصحفي وتتمة لمسار تعتيم رسمي على تطورات ملف رأي عام بامتياز، وفشل اتصالي واضح للقضاء التونسي في التعاطي مع هذا الملف الحساس الذي يأتي على تماس واضح مع حرية التعبير وحرية التنظم وحرية المشاركة في الحياة العامة.

إن السماح اليوم للطواقم الصحفية بتغطية أطوار الجلسة الأولى من قضية التآمر في إعادة الأمور إلى نصابها، لا يثنينا على تقديم الأفكار الأولية التالية في تغطية مثل هذه المحاكمات:

- إنّ ملف ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة" محط اهتمام وطني ودولي وشهد موجة من الجدل والتشكيك في استقلالية الأعمال القضائية باعتبار أن أغلب المتهمين فيه معارضون لسياسات النظام القائم.

- إنّ العمل الصحفي داخل قاعات المحاكم لا يخضع لترخيص مسبق من وزارة العدل وأن الترخيص يشمل فقط التصوير والتسجيل داخل قاعات المحاكم وفق أحكام الفصل 62 من المرسوم 115 الخاص بحرية الصحافة والطباعة والنشر.

- يمنع الدستور التونسي في فصله 37 الرقابة المسبقة على حرية التعبير والرأي والإعلام والنشر ويضمنها، ونذكّر بأن إجراءات الحضر السابقة أسهمت بشكل كبير في إكساء هذا الملف غموضا كبيرا مما ساهم في انتشار أخبار غير رسمية عن القضية إضافة إلى انتشار الإشاعات والتسريبات الموجهة للرأي العام والتي مست بقرينة البراءة للمتهمين في هذا الملف.

- يضمن الدستور التونسي في فصله 38 حق المواطنين والمواطنات في المعلومة خاصة وأن هذا النوع من القضايا محل اهتمام كبير ويجب أن تتسم معالجته القضائية بالشفافية والوضوح للقطع مع اتهامات متكررة بتوجيه القضاء في هذا الملف.

- تضمن مجلة الإجراءات الجزائية في فصلها 134 علنية الجلسات ومنع رئيس الدائرة إدارة المرافعات وحفظ النظام بالجلسة وينص على أن "تكون المرافعات علنية وبمحضر ممثل النيابة العمومية والخصوم إلا إذا رأت المحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب ممثل النيابة العمومية إجراءها سرا محافظة على النظام العام أو مراعاة للأخلاق وينص على ذلك بمحضر الجلسة.

لذلك تطالب النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين وزارة العدل بتكريس ممارسة اليوم والقطع مع حالات المنع المتكرر للعاملين في مجال الصحافة في المحاكم التونسية، وعدم وضع عوائق غير مشروعة أمام التغطية الإعلامية، وتمكين الفرق الصحفية من حقها في مواصلة العمل على تغطية مداولات جلسات هذا الملف الذي يكتسي أهمية كبرى للرأي العام الوطني والدولي احتراما لحق الجمهور في الحصول على المعلومات وحق الدفاع وتكريسا لمبدأ علنية الجلسات الوارد في القانون التونسي.

وفي شأن متصل لا يمكن للنقابة أن تسكت إزاء التعاطي غير المهني والمنافي لأخلاقيات المهنة الصحفية بعدد من وسائل الإعلام التونسية العمومية منها والخاصة، وبالخصوص ما ورد في برنامج ''روندفو 9'' على قناة التاسعة ليوم الجمعة 28 فيفري الماضي الذي تناول الملف القضائي لقضية التآمر، والذي لم يحترم عددا من المبادئ الأخلاقية التي يقوم عليها العمل الصحفي :

- أولا: عدم احترام مبدأ أساسيا من مبادئ العمل الصحفي الذي يتمثل في احترام قرينة البراءة، والتي تمثل مبدأ أساسيا من مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إذ تنص المادة 11 على أن "كلُّ شخص متَّهم بجريمة يُعتبَر بريئًا إلى أن يثبت ارتكابُه لها قانونًا في محاكمة علنية تكون قد وُفِّرت له فيها جميعُ الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه." فقرينة البراءة هي مبدأ أساسي في القانون الدولي وحقوق الإنسان يضمن لكل شخص متهم بجريمة الحق في أن يُعامل كبريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي نهائي. و هذا المبدأ يضمن حماية المواطنين من الاتهامات الظالمة، ويضمن لهم الحق في محاكمة عادلة.

- ثانيا: غياب التنوع في الآراء والمعلومات والمصادر المتاحة للجمهور فلم نرَ في هذا البرنامج من يمثل من كانوا موضوع الاتهامات بل والأحكام النهائية، هكذا أخل البرنامج بمبدأ التوازن وحق الجمهور في الاطلاع على كل المعلومات والآراء المتنوعة والمختلفة، إضافة إلى استخدام البرنامج معالجة تفضي حتما إلى الإدانة، وتجاهل حقوق المتهمين في الدفاع عن أنفسهم ممّا يساهم في تشويه سمعتهم وتأليب الرأي العام ضدهم.

- ثالثا : لم يقم البرنامج على التمييز بين الأخبار والآراء وهو تمييز أساسي يسمح للجمهور بأن يطّلع على وقائع متمايزة عن الآراء حتى يتمكن من أن يحكم عليها بشكل موضوعي. إن أخلاقيات المهنة واحترام الصحفي لنفسه ومهنته يقتضي أن يتم تقديم صورة متكاملة للوقائع عبر عرض وجهات النظر المختلفة وعرض المعلومات من مصادر متنوعة، و إن الاكتفاء بوجهة نظر واحدة يعتبر إخلالًا بمبدأ التوازن الصحفي.

- رابعا: جاء البرنامج في شكل محاكمة إعلامية في اتجاه واحد والحال أن القضاء وحده مؤهل للجكم على المتهمين بإدانتهم أو إثبات براءتهم بعد استكمال كل الأطوار القضائية من الطور الابتدائي إلى الطور التعقيبي، فالقضاء هو الجهة الوحيدة المخولة لها بإصدار الأحكام القضائية، بعد استكمال جميع الإجراءات القانونية وضمان حقوق الدفاع للمتهمين وإلا أصبح الإعلام قضاء موازيا وتحولت القنوات الإذاعية والتلفزية إلى محاكم تنتصب كما تشاء ومتى تشاء.

إن النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين تعبّر عن انشغالها من محاولات الانحراف بالتعاطي الإعلامي لموضوع شديد الحساسية قد يمس من قيم مهنة الصحافة ويضرب أسس الدولة المدنية والديمقراطية في حماية المحاكمة العادلة وقرينة البراءة، ويدعو القائمين على البرنامج المذكور والقناة التي تبثه إلى الاعتذار عن هذه السقطة المهنيّة الخطيرة، والكف عن تجيير القناة لخدمة أجندات سياسية صرفة لا علاقة لها بالمهنة الصحفية ونواميسها وهو ما تمّ تجريبه في أكثر من مناسبة على غرار تغطية القضايا المتعلقة بتنقيح القانون الانتخابي، وقانون الجمعيات، وقضية الأفارقة جنوب الصحراء...

كما تنشر النقابة اليوم ورقة توجيهية في التغطية الإعلامية للمحاكمات من أجل الإستئناس بها في متابعة قضية التآمر وغيرها من المحاكمات التي قد تعرفها بلادنا في إطار الموازنة بين حرية الصحافة والحق في الولوج إلى المعلومات من جهة، وحماية الحدود القانونية والقيم الأخلاقية من جهة أخرى.

التعليقات

علِّق