معهد حوكمة الموارد الطبيعية: إنشاء أول شبكة رائدة تعنى بالتحول الطاقي

معهد حوكمة الموارد الطبيعية: إنشاء أول شبكة رائدة تعنى بالتحول الطاقي

نظم معهد حوكمة الموارد الطبيعية (NRGI) فرع تونس بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية يوم الخميس 27 فيفري 2025 بأحد نزل العاصمة ورشة عمل تهدف الى تعزيز مشاركة المجتمعات المحلية في عملية حوكمة قطاع الطاقة في تونس .

و كان ذلك بحضور مختلف الأطراف المتداخلة في هذا الملف الهام من هياكل حكومية ممثلة في عفاف الشاشي الطياري،رئيسة ديوان وزارة الصناعة و الطاقة و المناجم، وعدد من الإطارات بالوزارة و لوري هايتيان، مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، وفريق عملها بتونس إضافة الى مكونات المجتمع المدني من ولايتي قبلي و تطاوين .

وقد تم خلال هذه الورشة عرض جملة من المواضيع من بينها الاستراتيجية الوطنية لقطاع الطاقة 2035 وحوكمة التحول الطاقي ببلادنا وغيرها من المواضيع الهامة.

الانتقال الطاقي بين الفرص والتحديات: رؤية معهد حوكمة الموارد الطبيعية

في مداخلتها، أفادت السيدة لوري هايتيان، مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية بالشرق الأوسط وشمال افريقيا، أن العالم يشهد تحولات طاقية عميقة تثير نقاشات متباينة بين اعتبارها فرصة للتنمية أو تحديًا اقتصاديًا. في هذا السياق، يعمل معهد حوكمة الموارد الطبيعية على دعم الحوكمة الرشيدة لهذا التحول، مستندًا إلى خبرته في قطاع النفط والغاز.

وأضافت أن الانتقال من النفط والغاز إلى الطاقات المتجددة يطرح تحديات كبيرة، خاصة للدول المصدرة لهذه الموارد التي تواجه ضغوطًا لإيجاد بدائل اقتصادية مستدامة. في المقابل، قد يكون التحول أكثر سلاسة لدول غير معتمدة على العائدات النفطية، مثل تونس، مما يتيح لها فرصًا تنموية جديدة.

استجابة لهذه التحديات، طور المعهد استراتيجية جديدة ترتكز على محورين: حوكمة قطاع التعدين، لضمان استغلال شفاف وعادل للمعادن الاستراتيجية المستخدمة في الطاقات المتجددة، ودعم التحول الطاقي كفرصة لتنمية الدول النامية عبر تعزيز نقل التكنولوجيا والاستثمارات العادلة.

كما يسعى المعهد إلى تعزيز الحوار الإقليمي عبر إشراك الخبراء المحليين في مناقشة التحولات الطاقية وإعداد تقارير بحثية معمقة، من بينها دراسات حول إزالة الكربون في الشرق الأوسط، التعاون الإقليمي في الطاقات المتجددة، والشراكة الطاقية بين أوروبا وشمال إفريقيا.

وفي ختام كلمتها، أكدت على أن معهد حوكمة الموارد الطبيعية ملتزم بمواكبة هذه التحولات ودعم الدول في بناء استراتيجيات انتقال طاقي عادلة، داعيًا إلى المزيد من الحوار والمشاركة الفعالة لضمان تحقيق تحول مستدام ومتوازن.

الطياري : التحول الطاقي يتطلب تشريك جميع القوى الفاعلة

وخلال هذا اللقاء، ألقت السيدة عفاف الشاشي الطياري، رئيسة ديوان وزارة الصناعة والمناجم والطاقة، كلمة أثنت خلالها على أهمية هذا اللقاء الذي يجمع الجهات الرئيسية الفاعلة في قطاع الطاقة في تونس وعلى مجهودات معهد حوكمة الموارد الطبيعية بالخصوص لحرصه على التصرف المستدام والمسؤول في مصادر الطاقة ببلادنا.

وأفادت الطياري :"هذا الاجتماع هو منصة أساسية للحوار و تبادل الآراء حول التحديات و فرص التحول الطاقي بتونس و التقدم المسجل في الحوكمة في مجال الطاقة و أفاق الاستراتيجية للسنوات القادمة .وهو كذلك فرصة لتسليط الضوء على الدور الحيوي للمجتمع المدني في هذه الديناميكية و لتقديم عدد من المبادرات ذات القيمة المضافة العالية خاصة انشاء شبكة تونسية للانتقال الطاقي التي ستعاضد الجهود الفاعلة في القطاع و ستساهم في بناء رؤية مشتركة و طموحة" .

و تابعت كلامها قائلة :"يعتبر الانتقال الطاقي من أهم الملفات التي تحظى باهتمام كبير من قبل الدولة حيث تواجه تونس على غرار دول العالم تحديات كبرى مرتبطة بالأمن الطاقي من تذبذب في أسعار المحروقات و تراجع انتاج الوقود الاحفوري والحاجة الملحة لتقليص انبعاثات الغازات الدفينة للمساهمة في المجهود العالمي للحد من الاحتباس الحراري و التغير المناخي. وعليه يجب علينا إعادة التفكير في مقاربة الشأن الطاقي ليس فقط في إطار التحول التكنولوجي بل كذلك في إطار التحول الاقتصادي والاجتماعي واسع النطاق مع الأخذ بعين الاعتبار لأساليب التصرف والتوظيف وتحقيق الاستدامة وتشريك أكبر عدد ممكن من الجهات الفاعلة محليا وجهويا لنضمن للتونسيين طاقة نظيفة ومستدامة بأسعار معقولة".

و أضافت رئيسة الديوان قائلة :"لقد اعتمدت وزارة الصناعة والمناجم والطاقة رؤية استراتيجية طموحة لسنة 2035 و التي تشمل عدد من المجالات الرئيسية و هي :تطوير الطاقات المتجددة و تعزيز النجاعة الطاقية و تطوير شبكة طاقة حديثة و ذكية و تطوير الاطار التنظيمي. و من المجالات الرئيسية الموجودة في الاستراتيجية الالتزام بالشفافية و حسن الحوكمة باعتماد المعايير الدولية و بناء مناخ من الثقة و الانفتاح في إدارة الموارد الطبيعية.

فالتحول الذي نحن بصدد إنجازه يتطلب تشريك جميع القوى الفاعلة في البلاد حيث نؤمن أن المشاركة الفاعلة للمواطنين و منظمات المجتمع المدني و خبراء الطاقة تعتبر من أساسيات الحوكمة الفعالة و الشفافية مما يحقق القرب من الواقع اليومي للمواطن سواء كان مستهلكا أو منتجا و تعزز التشاور بشأن الخيارات الاستراتيجية للبلاد" . 

مبادرة رائدة...

و عن مساهمة المجتمع المدني في ملف الطاقة قالت الطياري :" يلعب المجتمع المدني دورا أساسيا على عدة مستويات حيث يعمل من جهة كقوة اقتراح و سيساهم في دعم النقاش الاجتماعي و يشارك في مسارات القرارات الاستراتيجية المرتبطة بالسياسات الطاقية ومن ناحية أخرى يتدخل كجهة تعديلية تضمن قدرا أكبر من الشفافية في حوكمة القطاع .كما يعمل المجتمع المدني على رفع مستوى الوعي و تحسيس المواطنين بتحديات الانتقال الطاقي و يسهم في تبني جميع الإصلاحات و الديناميكيات الجديدة في القطاع" .

و ختمت مداخلتها قائلة : "نجدد استعداد الوزارة لمزيد التعاون مع جميع الأطراف حتى تتمكن من المساهمة الفاعلة في عملية صنع القرار  ويتمثل انشاء أول شبكة تونسية في الانتقال الطاقي مبادرة رائدة في المنطقة حيث ستمكن هذه الشبكة من التنسيق المحكم و التعاون البناء بين جميع المتداخلين في القطاع و ستسهل هذه الشبكة انشاء منتدى للحوار و التوصل لحلول مبتكرة و بناء و تعزيز القدرات الضرورية لتحقيق انتقال طاقي ناجع و مستدام و شامل. وهذا يتطلب منا تطوير أوجه التوازن بين الجميع بهدف تحقيق الاستقلال الطاقي ببلادنا وبالتالي تطوير الاقتصاد الوطني وتحقيق نسبة النمو المرجوة لجميع الجهات والأقاليم ودعم التشغيل والمبادرة الخاصة ".

ومن جانبه عرج مدير الانتقال الطاقي بوزارة الصناعة والطاقة والمناجم عبد الحميد خلف الله على ملامح الوضع الطاقي في العالم وفي تونس على وجه التحديد. كما عرض محاور الاستراتيجية الوطنية للانتقال الطاقي وتطرق لطرق تطوير الطاقات المتجددة والإصلاحات الهيكلية لقطاع الطاقة وإلى تطوير التكنولوجيا الحديثة.

أما المديرة العامة للخلية المركزية للحوكمة فائزة دجبلون، فقد قدمت خلال مداخلتها المبادئ العامة لحوكمة الموارد الطبيعية و المخاطر و التحديات التي تحول دون الانتقال الطاقي .

بلحاج : هذا اللقاء كان مثمرا في مسار الشراكة الثلاثي

و من جهته أكد الخبير لدى معهد حوكمة الموارد الطبيعية سامي بالحاج  أن اللقاء كان مهما جدا في مسار الشراكة الذي تأسس بين معهد حوكمة الموارد الطبيعية و وزارة الصناعة و الطاقة و المجتمع المدني. فهذا الثلوث كان بينه تعاون في اطار مشروع يقوده المعهد تم تنفيذه في ولايتي قبلي و تطاوين، موضحا أن هذا المشروع يهم الانتقال الطاقي و حوكمة الموارد الطاقية في هاتين المنطقين اللتين تزخران بموارد طبيعية من الطاقة التقليدية و المتجددة حيث دامت هذه الشراكات أشهر و تم تنفيذ مجموعة من المشاريع خلالها و توجت بهذه الورشة التي جمعت كل الأطراف المتداخلة و كانت فرصة لتبادل المعلومات و المقترحات حسب قوله .

و أضاف الخبير :"كانت فرصة للتشاور و الحوار حول التحديات و فرص الانتقال الطاقي في تونس .و بعد عرض الوزارة لتصورها و استراتيجيتها في المجال تم عرض تصورات و توصيات المجتمع المدني في هذا الخصوص .و قد لمسنا وجود كثير من التناغم بين الاستراتيجية الوطنية للانتقال الطاقي و توصيات المجتمع المدني بل أكثر من ذلك وجدنا التقاء في العديد النقاط الشي الذي أضفى الكثير من الأريحية و التفاعل و الثقة في الورشة و لذلك اعتبرها ورشة ناجحة جدا ".  

و تابع كلامه قائلا :"لاحظنا حضور لافت من ممثلي الوزارة المعنية و هذا ان دل على شيء فهو يدل على اهتمام الوزارة و التزامها مع شركائها و كلمة رئيسة الديوان جيدة تتضمن رسائل إيجابية حيث جمعت بين تصورات الوزارة حول الانتقال الطاقي و تثمين دور المجتمع المدني مؤكدة انفتاحها للتشارك مع مختلف الفاعلين لتطوير الاستراتيجية الوطنية للانتقال الطاقي و هذا ما رحب به مختلف الحاضرين و الشركاء".

وعن انتظارات الحاضرين من هذه الورشة أكد سامي بالحاج تسجيل ارتياح لمسار الشراكة السابق وهذا ما يؤسس المواصلة في مسار شراكة مستقبلي. معتبرا ذلك بمثابة الاعلان بين الجميع للعمل المشترك والتعاطي مع التحديات المفروضة و كذلك اغتنام الفرص خاصة بعد الإعلان عن تأسيس شبكة الجمعيات المختصة في الانتقال الطاقي بالمنطقة و هو ما اعتبره مكسب هام من بين مخرجات المشروع الكبير الذي يقوده معهد الحوكمة و الموارد الطبيعية. حيث أعلنت الوزارة عن تأسيس هذه الشبكة وهذا دليل حسب رأيه بمثابة تبنى لها واستعدادا للتعاون معها في علاقة شراكة استراتيجية مبنية على الثقة والاحترام المتبادل.

الإعلان عن انشاء الشبكة الجمعياتية للانتقال العادل للطاقة

و قال أنور بالحبيب رئيس شبكة "رتاج " RATEJالتي تأسست حديثا و تعنى بالانتقال العادل لطاقة :"اللقاء  كان مثمر بحضور ممثلي وزارة الطاقة و العمل عموما كان جيد خاصة في جانب المنصة بالتفاعل و التشارك و التعاون بين الأطراف المعنية حول استراتيجية الانتقال العادل للطاقة خاصة في جهات تطاوين و قبلي التي تعتبر قطب طاقي في الطاقات المتجددة."  

وعن أهم  الانتظارات بعد ميلاد هذه الشبكة الجديدة يقول أنور بالحبيب :" انتظاراتنا تتمثل في  مزيد التعاون و الشراكة مع الجهات خاصة الحكومية منها من أجل تنفيذ السياسات العمومية في هذا المجال .و قد سعدنا بالتعاون مع المنظمات الدولية من ذلك معهد الحوكمة و الموارد الطبيعية  و بتفعيل منصة تشاركية تعاونية لتحقيق انتقال شامل و عادل و منصف و مستدام .في الختام الجلسة في المجمل كانت موفقة و لمسنا تفاعل إيجابي من ممثلي وزارة الطاقة و هذا يمكن أن يكون لبنة لبناء علاقات قوية لتحقيق النتائج المرجوة لفائدة هذا القطاع الهام في تونس ".

وللتذكير فان معهد حوكمة الموارد الطبيعية هو منظمة غير ربحية تدعم اتخاذ قرارات مبنية على المعرفة والشمولية فيما يتعلق بالموارد الطبيعية والانتقال الطاقي. و منذ سنة 2020  قام المعهد بتعزيز مشاركة المجتمعات المحلية في عملية حوكمة قطاع الطاقة في تونس.

حيث نفذ مشروع طموح بتمويل من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية (UNDEF) ويهدف هذا المشروع إلى هيكلة وتنشيط دور المجتمع المدني كوسيط أساسي بين السلطات والمجتمعات المحلية، لا سيما في ولايتي قبلي وتطاوين وهي مناطق غنية بموارد الطاقة وتلعب دورا هاما في التنمية الوطنية من خلال ورشات عمل وتدريبات في عديد المواضيع الأساسية والمتعلقة بقطاع الطاقة.

التعليقات

علِّق