المنظومة الليبيرالية و تكتل "البريكس"..هل ستنهار منظومة "بريتن وودز"؟
حدثان اثنان يعكسان تصورين ماليين مختلفتين تماما انتظما خلال الأيام القليلة الماضية. حدثان يسعيان إلى بناء منظومتين لا تحملان نفس القيم. من جهة الولايات المتحدة ونباء مالي غير متوازن وغير عادل ومن جهة أخرى دول "البريكس" وجهودها للقضاء على هيمنة الأسواق الليبرالية الدولية. فلمن ستكون الغلبة يا ترى؟ تحليل.
من أغرب الصدف أن يلتأم في نفس الوقت حدثين إثنين يذهبان في اتجاهين مختلفين من حيث تصور كل واحد منهما لأفضل ما يكون عليه قطاع المال والأعمال في العالم. يتعلق الأول بانعقاد الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدوليين بواشنطن (21-26 أكتوبر 2024). ويتعلق الثاني باجتماع دول مجموعة "البريكس" (اختصار للأحرف الأبجدية للدول التي أسست هذه المجموعة: البرازيل و روسيا و الهند و الصين و إفريقيا الجنوبية) بقازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية داخل الفدرالية الروسية (22 و 23 أكتوبر2024).
ففي حين تسعى اجتماعات واشنطن إلى مزيد تكريس المنظومة الليبيرالية وليدة اتفاقيات "بريتن وودز" التي أنشأتها الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1944 والتي استخدمتها هذه الأخيرة للسيطرة على المنظومة المالية الدولية خاصة بفضل هيمنة عملتها الدولار بصفتها عملة مرجعية تسعى دول "البريكس" إلى القضاء هذه المنظومة. وإرساء منظومة بديلة تبنى بالأساس على "إصلاح المؤسسات المالية الدولية لتمثيل أفضل للاقتصادات الناشئة والنامية". كما تسعى إلى " تقديم نفسها على أنها تمثل دول الجنوب وعلى أنها النموذج البديل عن مجموعة السبع على أساس أن معظم دولها تصنَّف كدول نامية أو ناشئة".
التغييرات أتيه حتما
والجدير بالذكر أن خمس دول انظمت في بداية هذه السنة إلى هذا التكتل الذي تكون سنة 2009 وهي مصر والسعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا. الشيء الذي أعطاها وزنا أكبر خاصة وأن البعض من هذه الدول تعتبر حليفة للولايات المتحدة الأمريكية.
هذا ويعتقد البعض أن الطريق مازال طويلا لتحقيق الأهداف الذي تصبو إليها مجموعة "البريكس" التي تؤمن أن التغييرات أتيه حتما. وقد قال عدد من المختصون في المجال الجيوسياسي أن الولايات المتحدة ذاهبة إلى الانهيار. على غرار المفكر الفرنسي إيمانويل تود الذي بشر بذلك في كتاب نُشره في 2001 يتوقع فيه سقوط الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى الوحيدة (أنظر "بعد الإمبراطورية: سقوط الحكم الأمريكي أو ما بعد الإمبراطورية: دراسة في تفكك النظام الأميركي") مشيرا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية " ستسقط سريعًا من على الساحة الاقتصادية والعسكرية والأيديولوجية" رافضا قطعيا تهمة معادة الولايات المتحدة الأمريكية وأنه "مجرد مؤرخ إنساني يضع رؤيته وفقًا للواقع الإنساني الذي يراه".
"اجماع واشنطن"
وفي سياق متصل فقد اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطابه أمام ندوة السفراء لسنة 2019 وهي لقاء دوري يضم كل ممثلي دبلوماسية بلاده في الخارج أن العالم يعيش "نهاية هيمنة الغرب" مؤكدا أن العالم يعيش على وقع " أزمة حقيقة لاقتصاد السوق" وأن قوة جديدة وفاعلة برزت اليوم وأصبحت أحد المحاور الأساسية في العالم ألا وهي الصين ".
يضاف إلى هذا أن المنظومة المالية الدولية تعرضت في مناسبات عدة إلى انتقادات لاذعة. وبخاصة صندوق النقد الدولي الذي "زادت تدخلاته من فقر وديون البلدان الذين سلمتها قروضا". وأنه يأتي دوما بنفس الحلول. وهي الحلول المبنية على ما يسمى " إجماع واشنطن" وهو «مسودة طرحها الاقتصادي البريطاني جون وليامسون سنة 1989 لتكون علاجاً ووصفة للدول التي واجهت صعوبات مالية وإدارية واقتصادية وكيفية تنويع اقتصادها وإدارة مواردها الطبيعية". والتي تهم فتح الاقتصاد على المستثمرين الأجانب وكذلك التجارة الدولية والتفويت في المؤسسات العمومية للخواص واعتماد سياسات التقشف.
"غير متوازنة وغير عادلة"
وقد ساهم اقتصاديون في هذه الانتقادات. على غرار مثلا رجل الاقتصاد الأمريكي المعروف جوزاف ستيقليتز المتحصل على جائزة نوبل لسنة 2001. فقد صرح خلال لقاء صحفي مع يومية "الفيقارو" الفرنسية في شهر أغسطس 2002أن صندوق النقد الدولي "يخدم فقط مصالح الأسواق المالية و بخاصة أسواق الدول المتقدمة". كما أوضح أن "التجارة الدولة غير متوازنة و غير عادلة". فالصندوق "عكس دوما الرؤية الأحدية للولايات المتحدة الأمريكية".
ومن المؤكد من هذه الزاوية أن حلول صندوق النقد الدولي تعتبر إملاءات ثم أنها تشكل خطرا على النسيج الاقتصادي وعلى الأمن الاجتماعي. و من المؤكد أن الملاحظون يتابعون بكثير من الاهتمام التصورات التي تحملها دولة تونس في هذا الاتجاه و التي كما يعرف الجميع لم تقبل التعامل مع صندوق النقد الدولي و تسلم قرضه ب1,9 مليون دولار (ما يقارب 6 مليون دينار تونسي) مقارب ما يعتبر املاءات مضرة بالاقتصاد و بالمجتمع عامة.
محمد قنطاره
التعليقات
علِّق