ما بقي من موسم 2020 - 2021 : تهديدات ومظاهرات وتلاعب بالمقابلات ونهاية شبيهة ب"حرب الأقاليم"

بقلم : شكري الشيحي
بعد أن وضعت مسابقتي البطولة و الكأسي " أوزارها " في موسم رياضي مثير وغير مسبوق في تاريخ كرة القدم التونسية ، نعود في هذه الورقة بالتذكير بالمحطات الأخيرة التي شهدتها البطولة وأبرز التصريحات المثيرة للجدل .. ولعل التعليق الشهير للأستاذ أنيس الباجي الناطق الرسمي للملعب التونسي المستقيل على حدث مغادرة فريقه الرابطة المحترفة الأولى لكرة القدم ، عندما قال حرفيا " لو كنا نتموقع في جهة منتجة للفسفاط وهددنا بقطعه أو " قنطرة وهددنا بهدمها لما نزلنا للدرجة الثانية " .. يقيم الحجة على أن الموسم الرياضي المنتهي فاحت منه "روائح " غير رياضية وشبهات تلاعب في عدد من المقابلات مع دخول ضغوطات سياسية واجتماعية قلبت موازين القوى في الصراع من أجل البقاء ليجد الملعب التونسي " فريق البايات " وأحد أعرق الفرق التونسية تاريخيا نفسه خارج السرب ويغادر مصاف الكبار .
وبعد أن أسدل الستار على مسابقة الأميرة بفوز النادي الصفاقسي بالكأس ، لا بد من التذكير بأحداث الجولة الأخيرة من بطولة تونس ، إذ نذكر أن المحطة الختامية شهدت تنافس 5 فرق من أجل البقاء وهي النادي الإفريقي والأولمبي الباجي والملعب التونسي والنجم المتلوي والنادي البنزرتي ، مع التذكير بأن الشبيبة القيروانية غادرت قبل جولات وكان التنافس حول المقعد الثاني للنزول محل صراع بين الفرق مذكورة .
تهديدات ووسائل ضغط
ولئن كان منطقيا أو " رياضيا " أن يكون النادي البنزرتي الأقرب للنزول باحتلاله المرتبة قبل الأخيرة في آخر جولات البطولة فضلا عن صعوبة مقابلتيه الأخيرتين ضد الترجي الرياضي صاحب البطولة واتحاد بنقردان صاحب المرتبة الثالثة والمنافس على ضمان " مقعد إفريقي " ، إلا أن عديد العوامل الخارجية خدمته وجعلته يحظى ببعض " الهدايا " باعتراف الكثير من الملاحظين وتلميحهم أحيانا ليضمن بقاءه .
تواصلا مع ذلك، يشار الى أن رئيس النادي البنزرتي عبد السلام السعيداني هدد في تدوينة نشرها على حسابه الرسمي بأن " البنزرتية " سيسقطون " قنطرة " بنزرت في صورة نزول فريقهم ، علما أن السعيداني " هارب " منذ فترة في فرنسا بسبب قضايا جزائية وشيكات دون رصيد تمت تسويتها لكن نزاعا قضائيا مازال يترصده الى حد اللحظة بسبب هذا الوعيد الذي صُنّف كمحاولة تهديد للأمن القومي .
وفي نظر الكثيرين ووفق ما يروج في الأوساط الرياضية بتونس، فان النادي البنزرتي انتفع من فوز تاريخي على الترجي بهدفين لصفر بعد أن أرسل الترجي فريقا يمزج بين عناصر من النخبة ومن الإحتياطيين ثم جاء انتصار الجولة الختامية ضد اتحاد بنقردان الذي خاض المواجهة منقوصا من ابرز عناصره وفي مقدمتهم حارس المرمى علي العياري الذي رفض اللعب ضد ناديه الأم " النادي البنزرتي " ليضطر اتحاد بنقردان لاشراك أصغر حارس في البطولة التونسية خلال سباق الموسم الحالي .
ويعدّ نجم المتلوي بدوره طرفا ثانيا كان على وشك النزول لكنه حقق معجزة " رياضية " بعد الفوز في الجولة الختامية على الترجي البطل في ملعب رادس بالذات ، وفاز قبل ذلك ضد الاتحاد المنستيري بعد أن أذاق انصاره الويلات للفريق الضيف اذ تم تهشيم حافلة الاتحاد المنستيري واضطر سائق الحافلة للهروب في اتجاه محافظة توزر قبل العودة للملعب وخوض المباراة بعد وقتها الأصلي المبرمج اثر تدخلات رفيعة المستوى من اتحاد الكرة لاثناء أبناء المنستير عن الانسحاب .
وقبل الجولة الختامية هدد احباء النجم المتلوي بقطع الطريق أمام شاحنات الفسفاط في صورة نزول فريقهم وهي سابقة خطيرة في الملاعب التونسية .
ويبدو أن الجزاء الذي حصده فريق الحوض المنجمي كان من جنس التهديد حيث كانت الحصيلة انتصارين للنجم المتلوي ضد الاتحاد المنستيري ثم الترجي الرياضي في ملعب رادس .
وتواصلا مع التدرج في خطر التهديد فان الفريق الثالث الذي كان مفاجأة مدوية في تونس هو النادي الإفريقي وهو النادي الثاني الأكثر تتويجا في تونس وأول فريق تونسي يتوّج برابطة ابطال افريقيا ، اذ وجد نفسه يصارع البقاء في الجولة الأخيرة في سابقة أولى في تاريخه تزامنا مع مائوية تأسيسه كصرح رياضي وطني في تونس .
وبعد أن فاحت روائح لعبة الكواليس وراج علنا حتى في المنابر الاعلامية أن الفرق المنافسة للافريقي من أجل البقاء ستتهاون في الجولة الختامية، وكردّة فعل خرجت مجموعات الألتراس التابعة لجماهير الافريقي في مختلف مناطق الجمهورية في مسيرات حاشدة وتجمعات شعبية قبل المباراة .
وهددت الجحافل البشرية بالعصيان المدني وبثورة ضد السلطة في صورة نزول الافريقي الى الدرجة الثانية خاصة اذا ما تزامن ذلك مع استهداف تحكيمي على شاكلة ما حصل مطلع الموسم في بعض التعيينات المشبوهة .
وانعكست حالة الفوضى الرياضية - الأمنية السائدة على الوضع العام بالبلاد الى حدود سويعات قليلة قبل الجولة الختامية، ولعل أبرز استدلال على ذلك هو ما صدر عن الباحث في علم الإجتماع محمد الجويلي المعروف باعتدال مواقفه ودقّتها غير أنه ساد عن المألوف ليخرج بتصريح ناري مزلزل حيث أكد أن ثورة لا مفّر منها ستندلع في البلاد في صورة نزول النادي الإفريقي إلى الرابطة المحترفة الثانية لكرة القدم..وكان كلام الجويلي قد أشعل صفارات الانذار خاصة لما عرف عنه من نزاهة وحيادية في المواقف بما أنه من أنصار النجم الساحلي ولا صلة له بالافريقي وعواطف أنصاره
وأكد الجويلي، في تصريح إذاعي أن الوضع السياسي والإقتصادي الذي تمرّ به تونس يمثل مناخا ملائما لعصيان مدني شرارته غضب جماهير النادي الإفريقي التي لن تقبل بنزول ناديها إلى الرابطة 2 في صورة حصول ذلك خاصة وأن الفريق يحتفل بموسم المائوية.
وأوضح الباحث في علم الإجتماع أن للنادي الإفريقي قاعدة جماهيرية كبيرة كما أن ارتفاع مؤشر إنتماء المناصرين وتعلّقهم الخيالي بالنادي قد ينجر عنه انفلات واحتقان في الشارع غير محمود العواقب في صورة نزول النادي.
ولم يقتصر الأمر عند حدود هؤلاء بما أن الفريق الرابع الذي يصارع من أجل البقاء هو الأولمبي الباجي الذي كان في مهمة سهلة نسبيا وضد النجم الساحلي المنافس الذي ضمن المرتبة الثانية ، فضلا عن أن هزيمته لا تعني نزوله بل ستبقي على حظوظه إلا في حالات حسابية معقدة..وهنالك من ربط الانتماء الجغرافي للأمين العام للمنظمة الشغيلة في تونس الى محافظة باجة كضامن لبقاء الفريق .
أما الفريق الأخير المعني بالنزول فهو الملعب التونسي الذي كان مطالبا بالانتصار على الافريقي ليضمن بقاءه ّأو تحقيق التعادل مع انتظار هزائم او عثرة للنادي البنزرتي او النجم المتلوي او الاتحاد المنستيري .
ويبدو أن حالة الاحتقان الاجتماعي والتخبط السياسي جعلا من الملعب التونسي كبش فداء للسلطة وجامعة الكرة باعتبار وأن جماهير الملعب التونسي لم تهدد لا بالحرق ولم تخرج في مسيرات تصعيدية..
تصريح يكشف المستور
حتى وان سعت بعض الأطراف ومن منطلق التقرّب لجامعة كرة القدم تبييض ما حصل والادعاء بأنها مجرد تخمينات ومصادفة لا ترتقي الا أن تتجاوز حدود التأويل، فان الملفت للانتباه هو صدق "نبؤة" الناطق الرسمي للنادي الافريقي وهو رشيد الزمرلي الذي صرّح قبل الجولة الختامية بما مفاده أن النادي البنزرتي سينتصر ضد اتحاد بنقردان وأن الترجي لن ينتصر ضد نجم المتلوي كما أن الأولمبي الباجي لن ينهم في تنقله الى سوسة لملاقاة النجم الساحلي..وهي توقعات صدقت فعلا ليطرح الأمر أكثر من تساؤل حارق حول مدى نزاهة السباق..واذا كان ما قاله مسؤول الافريقي مجرد صدفة نادرة التكرّر أم انه بات "نوسترامودس" الدوري التونسي بملكة ربانية منحته حدس التوقع..أم أنه لا ينطق عن هوى بل انه خبر كلّ كواليس كرتنا وعرف مسبقا مآل المواجهات..
ختاما ، ما وقع في نهاية الموسم في الدوري التونسي يطرح عديد نقاط الاستفهام حول شفافية الرهان في دوري تصرّ عدة أطراف على نعته وتقديمه بأنه الأفضل عربيا وقاريا، غير أن كل هذه المستجدات تفضح وبشكل صارخ وجود تواطؤ رياضي-سياسي ببهارات اجتماعية وأمنية جعل مسار الرهان موجّها في تحالفات حكمت بسقوط الملعب التونسي بما أنه كان الحلقة الأضعف في مربّع الهرسلة والاحتجاجات التي باتت فعلا تأشيرة التتويجات والصعود والنجاة في الكرة التونسية منذ أن قفزت الى مربّع الجهويات والترضيات بحسب الولاءات والتوصيات التي تتداخل فيها عدة قطاعات وقدّمت كل شيء الا كرة القدم حقيقة..
التعليقات
علِّق