الاقتصاد بعد عشر سنوات من اندلاع الثورة التونسية: متى يتحقق الانتقال الاقتصادي؟

من أسباب عدم نجاح تونس في أن تحتل منزلة تليق بها في مجال الانتقال الاقتصادي بعض القوانين و الإجراءات و من ذلك نصوص تطبيقية و بخاصة مناشير صادرة عن المرفق العمومي و التي يتوجب تغييرها أو تنقيحها. و هي نصوص أحدثت إجراءات معقدة أو تذكر إلى حد هذه الساعة كثيرا من الوثائق ألغيت في الكثير من البلدان و عوضت مثلا بمجرد تصاريح على الشرف. كذلك الأمر بالنسبة إلى ظاهرة الطوابير التي نراها في كثير من المؤسسات العمومية والتي ترهق المستثمر وتجبره على قضاء وقت طويل في الانتظار. و التي اهتدت عديد المؤسسات بما في ذلك في تونس إلى القضاء عليها نهائيا بفضل اعتماد أسلوب ضبط المواعيد.
و من نفس الزاوية فإنه حان الوقت أن يتم تعويض أغلب التراخيص بكراسات الشروط و كذلك التقليص من أجال الخدمات و تحديد زمن معين لإنجازها و تمكين المستثمر و بفضل التطبيقات التي توفرها أدوات معلوماتية من متابعة الملف الذي قام بإيداعه بشبابيك الإدارة دون التحول إليها باستمرار و كذلك تعميم أسلوب التعامل مع الإدارة عن بعد. الشيء الذي لا يعني البتة غياب قرارات أأخذت من قبل مصالح الإدارة و التي لابد من تثمينها مثل الشبابيك الموحدة.
الاقتصاد الريعي
وتجدر الإشارة من هذه الناحية أننا نلاحظ أحيانا أن النصوص تقع في جهة و الممارسة تقع في جهة ثانية. فبعض النصوص مثل قانون المبادرة الذي صدر سنة 2007 يعتبر إنجازا مهما كانت المؤاخذات وأن التدابير التي تضمنها احتوت عدد من الإجراءات التي تخدم الحرية الاقتصادية غير أن تنفيذها لم يكن دوما عند إنتظارات المستثمرين فضلا عن أنه كان من الواجب إرفاقها بإصلاحات أخرى تدعمها.
و هل يمكن أن نذكر معوقات الحرية الاقتصادية دون أن نتحدث عن الاقتصاد الريعي الذي لا يمكن من اقتحام بعض مجالات من السوق الذي أصبح و كأنه حكرا على بعض الأشخاص أو الفئات. و قد تأسف في هذا الصدد ممثل مجموعة الاتحاد الأوروبي باتريس بيرغاميني -التي تمثل المبادلات التونسية معها هذ قرابة 70 بالمائة-في مقابلة مع يومية لوموند في صائفة 2019 من عدم إقدام الدولة التونسية على الإصلاح في هذا المجال متحدثا عن وجود بعض الأطراف التي ترغب في تعطيل الحرية الاقتصادية .
هذا و قد كشف موقع نون بوست في مقال نشر في جوان 2020 حول الاقتصاد الريعي في تونس أن هذا الاقتصاد "وهو أيضًا اقتصاد تسيطر عليه مجموعات ضغط تُهيمن تقريبًا على أغلب القطاعات الحيوية ولا تفسح المجال أمام المنافسين وتعمل على زيادة وتيرة التوريد على حساب المنتجات المحلية تعتمد الاحتكار والمضاربة التجارية والتحكم في مسالك التوزيع والتهرب الضريبي طريقًا لتكديس الثروات".
و يقول الأستاذ الجامعي التونسي المتخصص في الشأن الاقتصادي و الوزير السابق إلياس جويني في حوار أجرته معه يومية لابراس بتاريخ 17 ماي 2020 أن الاقتصاد الريعي يتسبب في عدم تكافؤ الفرص بين الفاعلين الاقتصاديين.
تغيير الذهنيات
و يحمل أنيس المراكشي المتخرج من أكبر مدرة فرنسية و هي مدرسة "بولي تكنيك" في مداخلة قدمها في مارس 2019 أمام مجموعة خبراء الأبحاث التونسية "تونسيان ثينك تانك" الدولة مسؤولية في هذا الاقتصاد الريعي حين قال أن "الدولة تمتلك جانبا من أسهم سبعة بنوك تونسية إلى جانب مالكي أسهم من القطاع الخاص الذين يهيمنون على السوق البنكية".
يبقى أن هذا لا يكفي لتشخيص هذا الواقع إذ أن الذهنيات لابد أن تتغير في اتجاهات معينة تفرضها التحولات التي حصلت في العالم و التي لم يدركها دوما على ما يبدو بعض العاملين في مجال إحداث المؤسسات و المشروعات الاقتصادية. و هي تتعلق بأهمية الدور الذي يلعبه المرفق العمومي في خلق الخيرات كداعم أساسي لكل نشاط اقتصادي بفضل ما يمكن أن يوفره من سند و إحاطة بالمستثمر.
ولعله يمكن القول هذا أن بعض الموظفين لا يتحلون دوما بما يمكن تسميته بالقدرة على تفهم المستثمر و هي القدرة على أن يضعوا أنفسهم موضعه و الشعور بما يشعرون به و ما يطمح إليه. و هي من الخصال التي تمكن من تيسير جملة من الإجراءات و عدم الوقوف عند بعض الصعوبات التي تحدث و هي كثيرة. و ذلك بالطبع دون تجاوز القانون أو تفضيل شخص على أخر
بقلم الأستاذ : محمد قنطاره
التعليقات
علِّق