الاقتصاد بعد عشر سنوات من اندلاع الثورة التونسية: أين نحن من الحرية الاقتصادية؟

يبدو واضحا اليوم أن الانتقال الديمقراطي لم يفهم وبالأساس إلا من منظور سياسي. وأن المسؤولين الذين نفذوا سياسات البلاد منذ سنة 2011 إلى حد يومنا هذا لم يولوا الاهتمام اللازم بالحرية الاقتصادية التي يعرفها المختصون ب "حرية الإنتاج أو الاستهلاك أو المتاجرة بأي سلع أو خدمات مكتسبة دون استخدام القوة أو الاحتيال أو السرقة". والكل يعلم أن الحرية هي منظومة متكاملة تتميز بالشمولية. بكل صفة من الصفات فالتحليل الذي تقرؤونه أسفل هذا لا يمكن إلا أن يؤكد لنا هذه الحقيقة.
هل أن الذين تظاهروا يوم 14 جانفي 2011 وبخاصة فئة الشباب منهم حاملين شعار "شغل-حرية-كرامة وطنية" كانوا ينادون بأجناس من الحرية دون أخرى وأنهم كانوا إذن يرغبون من هذا المنظور ما يسمى اليوم بالحرية الاقتصادية والتي هي في علاقة وطية بأحد شعارتهم أي التشغيل؟ بكل صفة من الصفات فإن الحرية هي كما يعرف الجميع منظومة متكاملة تتميز بالشمولية.
والمتمعن في الشأن الوطني يتأكد من شئين إثنين لابد من ذكرهما ونحن نحتفل بالذكرى العاشرة لقيام ثورة 14 جانفي 2011. أولهما أن الحرية التي امتلكها الشعب التونسي منذ الثورة تخص تقريبا حرية التعبير فقط وما يسمى الانتقال الديمقراطي تعلق تقريبا فقط بالجوانب السياسية. وثانيهما أن الحرية الاقتصادية لم يتم تحقيقها وهي تلك الحرية التي تعرفها الأدبيات المتخصصة في المجال بأنها "مذهب أو عقيدة اقتصادية تؤكد أن النظام الاقتصادي الأمثل هو النظام القائم على حرية المبادرات الفردية" (أنظر الموسوعة العربية على الأنترنات). و هي تلك التي تبنى بالفعل على "حرية الإنتاج أو الاستهلاك أو المتاجرة بأي سلع أو خدمات مكتسبة دون استخدام القوة أو الاحتيال أو السرقة".
حرية المبادرة
علما أن هذه الحرية كغيرها من الحريات يمكن أن تعرف عراقيل ومعوقات و تضييقيات قادرة على أن تحدد من ممارستها مثل القوانين والإجراءات المعقدة والبيروقراطية والفساد. وتعتبر هذه الحرية مجالا هاما تقاس من خلاله دينامية المجتمعات وحوية نسيجها وقدرتها على إرساء منظومة عادلة لا تفرق بين كل الفاعلين الاقتصاديين.
وقد أحدثت كل من مؤسسة "هيريتاج" (التراث) وهي منظمة أمريكية غير حكومية محافظة ومركز أبحاث ومن جريدة "الوال ستريت جورنال" الأمريكية وهي من كبريات الصحف المتخصصة في الشأن الاقتصادي والمالي مؤشرا يخص مجال الحرية الاقتصادية يعتبر اليوم مرجعا في العالم. وهو مؤشر الحرية الاقتصادية الذي عرف النور سنة 1995 وبني على 12 قياس مثل حرية المبادرة وحرية المبادلات.
و تتولى المؤسستان منذ ذلك التاريخ ترتيب عدد كبير من دول العالم حسب قياساتها المذكورة مبرزة من خلال هذا الترتيب درجة الحرية الاقتصادية في ما لا يقل عن 178 دولة. وهو ترتيب دقيق يضع البلدان في سبع مجموعات من "الدول الحرة" و "الحرة في الغالب" إلى الدول التي يعتبرها الترتيب "غير حرة في الغالب" و "المقموعة." وهذا الترتيب الذي ينشر سنويا يشكل موضوع متابعة من قبل المستثمرين في العالم الذين يبحثون منطقيا دوما عن الدول التي تعتبر حرة أي التي يكون اقتصادها مفتوحا.
ممارسة الأعمال التجارية
و قد أتت تونس سنة 2020 في المرتبة 107 ضمن قائمة تضمنت إذن 178 دولة. و ذلك بعد دول عربية مثل الإمارات العربية المتحدة (17) و قطر (31) و البحرين (63) و الأردن (66) و سلطنة عمان (75) و المغرب (78) و المملكة العربية السعودية (83) و الكويت (97). وهي نتائج تتقاطع إلى حد ما مع تلك التي ينشرها كذلك سنويا البنك الدولي والمعروفة بترتيب الدول حسب ممارسة الأعمال التجارية "دووينغ بزناس" والتي تقف على درجة سهولة المبادرة من جهة القوانين التي تمكن من ذلك وتطبيقها على أرض الواقع في 190 دولة أو منطقة.
ففي ترتيب "دووينغ بيزنس" حلت تونس سنة 2020 في المرتبة 78. وذلك هنا أيضا بعد دول عربية أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة (16) و المغرب (53) و المملكة العربية السعودية (62) و عمان (68) و الأردن (75) و قطر (77). ويتولى الترتيب تقديم بعض المسائل الحيوية مثل سرعة إحداث المؤسسات الاقتصادية والحصول على رخصة بناء أو قرض ونقل الملكية.
وقد كان من المفروض أن تحتل تونس مراتب أفضل خاصة وأن قرابة 35 في المائة من شبابها يعاني البطالة وأنها أحدثت منذ سنة 1995مؤسسة متخصصة في جلب الاستثمارات الخارجية تقوم بمجهود كبير من أجل تلميع صورة تونس كمنطقة هامة للتصنيع وأن البلاد تتوفر على كفاءات في مجالات عدة فضلا عن تسهيلات وحوافر أقرتها القوانين.
فما هو سبب هذا الواقع المر مقارنة بدول أخرى شقيقة وصديقة تحول صناع القرار فيها في فترة ما إلى تونس للاستئناس بتجربتها في مجال النمو الاقتصادي بصفة عامة؟
الواقع بالطبع معقد جدا ولا يمكن لهذا المقال الإلمام بكل جوانبه. غير أن بعض المسائل واضحة وضوح الشمس وذلك لأنها طرحت أكثر من مرة وتناقلتها ألسن الخبراء والمتتبعين بصفة عامة للشأن الاقتصادي التونسي وذكرت في عدد من التقارير والمقابلات الصحفية لمسؤولين في القطاعات الاقتصادية.
بقلم الأستاذ: محمد قنطاره
يتبع
المقال القادم :
الاقتصاد بعد عشر سنوات من اندلاع الثورة التونسية: متى يتحقق الانتقال الاقتصادي؟
bravo
Soumis par exfra eta bravo... (non vérifié) le 28 جانفي, 2021 - 12:09