التعامل الإعلامي والرسمي مع فاجعة قرقنة : فضيحة مدوّية وعار ما بعده عار

عندما يموت شخص في العالم الغربي تقوم الدنيا ولا تقعد باعتبار أن من مات ينتمي إلى فصيلة البشر وينتمي إلى مجتمع يقدّر الحياة ويدرك أنها حقّ مشروع لكافة من يعيشون في هذا العالم بقطع النظر عن الجنسيات والألوان والجهات واللغات والأديان .
وفي العالم المتخلف الذي ننتمي إليه للأسف يموت عشرات ومئات من البشر في الأرض والجو والبحر ولا تتحرّك للبعض أيّة شعرة . ولعلّ فاجعة قرقنة التي حصدت أرواح ما لا يقل عن مائة بشر كانوا على مركب الموت في الليلة الفاصلة بين يومي السبت والأحد دليل آخر على أن التعاطي الإعلامي وأقصد هنا بالخصوص السمعي البصري فضيحة بأتم معنى الكلمة وربما كلمة فضيحة تعتبر نوعا من التسامح مع هذا التعاطي . فقد تواصل بث البرامج العادية بصفة عادية بما في بعضها من " شطيح ورديح " وعراء وقلة حياء ... و" رويّق " فارغ وغناء وكأنه لم تحدث في هذه البلاد فاجعة ذهبت بأرواح العشرات .وقد كان على المسؤولين عن هذه الحوانيت الإعلامية أن يتدخّلوا بالتعديل في بعض البرامج وحذف البعض الآخر أو تأجيله احتراما لأرواح من ماتوا ومراعاة لشعور أهاليهم المكلومين إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث إلى درجة أنه يخيّل إلينا أن هؤلاء الذين أكلهم البحر ربما ينتمون إلى فصيلة النمل أو الذباب .
أما على المستوى الرسمي فالفضيحة أكبر وأعمق ... فلا رئاسة الجمهورية أصدرت حتى ربع بيان أو برقية تعزي من خلالها أهالي الضحايا والمفقودين ... ولا رئاسة الحكومة تحركت وتحدثت ولو بحرفين عن الفاجعة وعن الخطوة المقبلة في معالجتها ... ولم تتحرك إلا بعد مرور أكثر من 36 ساعة لتعقد مجلسا وزاريا مخصصا لهذه الفاجعة ... وقد كان على الدولة التونسية أن تعلن الحداد الوطني وأن تنكّس الأعلام وكل ما يتبع ذلك من تأجيل وتقليص التظاهرات الاحتفالية في كافة أنحاء البلاد لثلاثة أيام على الأقل .
وتكتمل الصورة هذا الصباح في مجلس نواب الشعب حيث افتتح أحد النواب مداخلته بالترحم على الممرضة الفلسطينية التي استشهدت في قطاع غزّة ... ثم تذكّر أن بلاده تونس حصلت بها فاجعة راحت بأكثر من مائة بشر فترحّم عليهم ( ربما مرغما ) ولم ينس طبعا أن يزيّن مقاعد المجلس بصورة كبيرة للشهيدة الفلسطينية . نحن طبعا نقدر الشهداء في فلسطين ونجلّهم ونترحّم عليهم في كل وقت وفي أي مكان لكن لا يجب أن ننسى بسببهم فواجعنا خاصة عندما تكون بهذا الحجم .
باختصار شديد إن ما حصل فضيحة ما بعدها فضيحة وعار ما بعده عار ...
جمال المالكي
التعليقات
علِّق