ثبوت الجنسية الإتصالية أو Ayariser c’est authentique, Macroniser c’est contrefaçon

ثبوت الجنسية الإتصالية أو Ayariser c’est authentique, Macroniser c’est contrefaçon

 

يعود من جديد الحديث حول قوة وفاعلية الاتصال الرقمي في المجال السياسي. هذه المرة بعد "مفاجأة" نتيجة الانتخابات الجزئية في ألمانيا والتي وضعتنا أمام حقيقة تملَك الأحزاب والسياسيين هذه الميديا العجيبة. وثانيا قرار منع التونسيات من الدخول لدولة الإمارات أو حتى العبور عبر مطاراتها. أزمة واجهت فيها مختلف الأطياف السياسية ضغط الرأي العام المباشر و الذي وقف صفا واحدا ليتابع المواقف المختلفة في الفضاء الرقمي ويضعها أمام حقيقة نصر المرأة التونسية وحقيقة مبدئية مواقفها السياسية أمام ما أَعتبر اهانة مباشرة لكل التونسيين.
يتصدر الفضاء الرقمي هنا وشبكات التواصل الاجتماعي الطليعة في الفعل وردة الفعل، حيث تابع التونسيون الأخبار والمستجدات في إبانها وتتبعوا المواقف وأبدوا الرأي والتفاعل المباشر.
العالم الافتراضي يفرض لحظاته الاستثنائية و يتصدر إنتاج المعلومة ويرتب أولوياتها حتى يصبح فيديو لسيدة تونسية من مطار تونس قرطاج أكثر إبلاغا وتأثيرا ونشرا من أي موقف سياسي شخصي حزبي أو رسمي.
يضغط الرأي العام تفاعلا مع ما ينشره عامة الناس دون التحقق من الخبر ومصدره. فقد تغيرت رؤية المشهد وأصبح التضامن الجماعي ضد مظلمة سلطت على نساء تونسيات أهم وأقوى حدث يتداول بين القنوات الافتراضية. تختلط المشاعر مع المواقف ويحشر كل السياسيين في زاوية واحدة. أين أنتم من مواقف شعبكم !
مع موجة الانتظار، نلاحظ غياب الجاهزية في التفاعل المباشر والحيني – Just In Time -  غالبية السياسيين خانهم الحس الاتصالي الرقمي الذي كان يفترض التقاط اللحظة والتعبير عن مبدأ التضامن الجماعي كتونسي قبل أن يكون سياسيا يرد على هذه الإساءة كما رد الشعب التونسي دون تردد وبوضوح تام.
يتغير المشهد فجأة ليلة الأحد بعد صدور بيان صفحة فايسبوك وزارة النقل. وينقلب الموقف العام ويتحول الشجب إلى مساندة والمطالبة إلى دعم. لقد فهم الموقف الرسمي أن جمهوره ينتظر تأييدا لا شرحا للأسباب بل حملة انتصار للتونسيات على فايسبوك وتويتر بعنوان  - No_Women_No_ Fly-   .
هذه الاستجابة تحول اللحظة الاستثنائية إلى لحظة تاريخية عبر القناة الاتصالية المباشرة والأنجع فايسبوك.
إن اليقظة وردة الفعل والاستجابة وحنكة قراءة الموقف من طبيعة الفضاء الافتراضي في التأثير و قيادة الرأي العام.
ماذا حصل مع ياسين العياري ؟ هل تمكن من حل الشيفرا السرية للاتصال الرقمي ؟
نعم، هناك سر بل أسرار في الأمر !
في غفلة عن الجميع ياسين العيارين يقتحم المشهد السياسي ويتزعمه. هذا المدون يحذق خفايا التكنولوجيا ويسخرها لنفسه.
ياسين العياري كان واعيا باللحظة الاتصالية الفارقة يفهم جمهوره في ألمانيا. أدرك قبل غيره أن متتبعي الشأن السياسي من المهاجرين يتواصلون مع الواقع التونسي من خلال صفحات الفايسبوك فالتقى بهم في المجال الافتراضي. كان بكل بساطة الأكثر تحركا والأكثر مشاهدة من خلال الفيديوهات التي ينتجها بشكل متواتر. هذا ما استمال جانبا هاما من الناخبين ومكنه من الفوز.
حصلت المفاجأة أمام غفلة كل الطبقة السياسية وأصبح كرسي ألمانيا باهظ الثمن بعدما كان لا وزن له. فقد أقحم هذا الكرسي معارضا "افتراضيا" داخل ساحة البرلمان حيث ستفتح له مجالات اتصاليا أخرى ربما تجعل منه رقما سياسيا صعبا.

كان في اعتقاد العديد من السياسيين في تونس أن امتلاك الاتصال الرقمي منوط بالظهور المستمر في الفايسبوك من خلال تغطية الأنشطة الحزبية والمقابلات واصدرا المواقف.
وكان للظاهرة ماكرون في فرنسا وقع شديد على هؤلاء وأثر كبير على الوعي الاتصالي في تونس منذ أن بدأ مشروعه السياسي "en  Marche   " حتى الفوز في الانتخابات الرئاسية.
ظن العديد من السياسيين في تونس أن أبواب الرئاسة مفتوحة و أنه حانت الفرصة لنرى ماكرون تونسي. وان استنساخ آليات العمل الرقمية سوف يمكن من استقطاب الشباب وتجاوز أزمة التواصل التي تعاني منها الأحزاب جميعا.
ولكن ماكرون تونس عجز عن الظهور. ولم نر تواصل جديد أو ظاهرة ما تجلب الانتباه، بل كلها كانت محاولات تواصلية من خلال فيديوهات ورسائل لم تصنع الحدث ولم تمكن أصحابها إلا من العودة إلى الوسائل الكلاسيكية في التواصل.
إن غالبية السياسيين يتغافلون أساسا على أهم مبادئ التواصل بصفة عامة ويصرون على أن لديهم كل المهارة والقدرة على الإقناع. إذ يكفيهم الحديث حتى يتوافد عليهم المعجبون، مهما كان الموضوع ومهما كان الشكل. يعتبرون أنفسهم أتموا إبلاغ رسائلهم بنجاح دون تخطيط وقرب ومعرفة بمن يخاطبون.
على السياسي أن يترك الأسلوب الخطابي التقليدي ويباشر التدوين بمهارة عالية إذا أراد أن ينجح في التواصل. إن الفضاء الرقمي التواصلي ليس وعاء نصب فيه عديد المحتويات دون اعتبار خصوصية المتقبل وردة فعله جمهور العالم الافتراضي والخصوصيات التقنية التي تتحكم في التواصل. 
التواصل السياسي عموما صعب المنال وتلزمه تجربة وتدريب في أدق التفاصيل لأنه يهدف إلى مخاطبة عديد الشرائح المجتمعية باستخدام تقنيات الإقناع والتأثير. فما بالك بالعالم الافتراضي حيث تتدخل التكنولوجيا وتملي شروطها أين وكيف تتم العملية التواصلية.
العربي السوسي

التعليقات

علِّق