في برنامج " هو وهي " : مريم بن حسين وضيوفها يتحدّثون عن الجنس بوقاحة فاقت كل التصوّرات

قبل كل شيء يجب أن يعلم الجميع بمن فيهم مريم بن حسين وجماعتها في قناة التاسعة أنني لم أكن يوما ضدّ تناول المواضيع المسكوت عنها بالجرأة المطلوبة . لكن في المقابل أنا ( وغيري كثيرون طبعا ) نفرّق بين الجرأة والوقاحة ونعرف حدود هذه ومنزلقات تلك . ولعلّ من شاهد حلقة أمس من برنامج " هو وهي " قد لاحظ أن الفرامل كانت معطّبة وأن موضوع الجنس في حياة الناس أصبح الخوض فيه كالخوض في غلاء الأسعار أو فائض اللإنتاج في الحليب . فقد كانت " السيدة مريم " منطلقة بلا ضوابط ... تتحدّث بمفردات يخجل البعض عن التحدث بها مع أقرب المقرّبين من الأصدقاء فما بالكم بمئات الآلاف من المشاهدين الذين وجد الكثير منهم نفسه في غاية الإحراج واضطرّوا إلى تغيير القناة في حضور أفراد من العائلة .
وكالعادة كان حضور الدكتور هشام الشريف لافتا للإنتباه بتدخّلاته التي تربك وتحرج كل من له ذرّة حياء في هذه البلاد . فقد كان يتحدّث عن الموضوع بتفاصيل أجزم بأنه لا يستعملها في عيادته الخاصة مع المرضى الذين يقصدونه . ولعلّ الكثير منكم ما زال يذكر تدخّلاته مباشرة على أمواج إذاعة " كاب – أف – أم " منذ حوالي شهرين وهو في حوار مع المنشّط وفتاة تحكي عن تجربتها الجنسية مع صديقها بكل التفاصيل التي لا تحكى ... ومرّت الحكاية آنذاك مرور السحاب فلا " هايكا " ولا هم يحزنون .
ومثلما قلت في البداية فإنا لا أؤمن بالمواضيع التي لا تناقش ( تابوهات ) لكن هناك أساليب يمكن لنا بواسطتها أن نوصل المعلومة دون خدش للحياء أو خروج عن السياق المألوف لأنه أحببنا أو كرهنا فإن القيم الأخلاقية تبقى غصبا عن " المناوئين " حصننا الوحيد المتبقّي للحفاظ على ما تبقّى منها في هذا المجتمع . ولعلّ الكثير من الزملاء والقرّاء أيضا ما زالوا يذكرون أننا خضنا تجربة في صحيفة " أخبار الجمهورية " قبل حوالي 22 عاما أي عندما كان مجرّد التفكير في تناول موضوع الجنس ربما جريمة كبرى لا تغتفر. ففي تلك الفترة قمنا بتأليف كتابين صغيرين تمّ توزيعهما مجانا مع الجريدة وتناولنا فيهما الحياة الجنسية بين الأزواج . وحتّى يطمئن قلب مريم بن حسين ومن معها فقد قمت بالكتابة لكن تحت إشراف دكتورين رصينين أعطياني المعلومة الطبّية فقمنا بإيصالها إلى القراء بأسلوب راق يقبله أي قارئ حتى لو كان متزمّتا متحجّر التفكير. وقد دخل الكتابان بيوت الناس دون استثناء ودون أن يشتكي أي شخص من محتواهما لأنهما كانا يؤسسان للثقافة وليس للإثارة و " أشياء أخرى " لم تعد تخفى أنها على رأس برامج " التاسعة " وغيرها من القنوات التي تسعى بكل السبل إلى تقويض ما تبقّى لهذا المجتمع من قيم بما فيها أو ربما أوّلها الأخلاق .
وعلى هذا الأساس لم أر في البرنامج المذكور المنحى التثقيفي الذي كنت سأباركه لو أنه كان موجودا . فعندما يصرّ البرنامج وأصحابه على محاولة إقناعنا بأن المثلية الجنسية على سبيل المثال باتت أمرا مفروغا منه في مجتمعنا وأنها " ليست ضدّ الطبيعة البشرية " أصلا ... وعندما تصبح العلاقات الجنسية خارج أطر الزواج هي القاعدة وعدم وجودها استثناء فلا يمكن إلا أن نقول إن هؤلاء القوم هم آخر من يهتمّ ويحكي عن الثقافة والتثقيف . ومن منطلق " كاد المريب يقول خذوني " أقول إن قناة التاسعة تلعب دورا لا يقلّ تعاسة عن الدور الذي تلعبه قناة الحوار التونسي وغيرها من وسائل الإعلام التي لا همّ لها سوى العمل على أن تصيب مجتمعنا في مقتل ... ولا يخفى عليها وعلى من يقف وراءها في الداخل والخارج ليس أفضل من التعليم والأخلاق بالخصوص لإصابة هذا المجتمع في مقتل ... ولا أدّعي عبقرية عندما أعيد القول مثلا إن موضوع " الزطلة " أصبح كالملح الذي لا يغيب عن طعام في كافة برامج " الجوار التونسي " ... يقحمونه بمناسبة وبلا مناسبة ... لغايات ليست في نفس يعقوب بل في نفس " أصحاب البرنامج الشامل " الذي يستهدف البلاد .
جمال المالكي
التعليقات
علِّق