يوم حداد واحد لا يكفينا

 يوم حداد واحد لا يكفينا
الحصري - مقالات رأي
بقلم : صباح توجاني المديوني
 
بعد ان كان خفيا، خرج الصراع بين نقابات الأمن وحكومة الترويكا الى العلن بعد ان لمسه ملايين التونسيين مباشرة على شاشات التلفزات المحلية، عندما نادى الأمنيون الحاضرون لحفل تابين زميليهم الشهيدين مساء الجمعة، بضرورة مغادرة الرؤساء الثلاثة لفضاء الحفل.
وقد تابع التونسيون ايضا التصعيد الخطير الذي لجا اليه الأمنيون جراء اعلان رئيس الحكومة علي العريض عزمه مقاضاة كل الأمنيين المورطين في رفع شعار "ارحل" في وجه الرؤساء الثلاثة الذين ارادوا التعبير عن اكبارهم لتضحيات عوني الحرس الذين قتلتهما عناصر ارهابية ، وعن وقوفهم الى جانب عائلات شهيدي الوطن...الا ان نقابات الأمنيين كانت لديها موقف اخر لم تجد من وسيلة للتعبير عنه سوى تلك اللافتات الجاهزة التي رفعتها فجاة في وجه الحضور الرسمي.
تصعيد جديد اكثر خطورة، جاء كرد على تصريحات رئيس الدولة، حيث اعلنت نقابات رجال الأمن انها ستضطر الى تنفيذ احتجاجات في شكل اضراب كامل عن العمل ومن ثمة الإعتصام امام مقر المجلس التاسيسي ومنع نوابه من الدخول والخروج وذلك على خلفية مماطلتهم في المصادقة على قانون تجريم الإعتداء على الأمنيين...
وقد لا اضيف جديدا اذا قلت بان اختيار هذا التوقيت بالذات لخوض معركة تهديدات ضد الرئاسات الثلاثة، والبلاد تعيش احرج لحظاتها في ظل حوار وطني مرتبك متعثر ومرتعش، وفي ظل اقتصاد متدهور عليل، وفي ظل تنامي خطر الجماعات الإرهابية المسلحة، انما ينم عن سوء تقدير من طرف النقابات الأمنية، كي لا اقول انه اختيار متعمد الهدف منه ممارسة ضغط اخر على هذه الحكومة التي ترفض الإستقالة الا متى استكمل المسار التاسيسي.
والثابت ان البيانات التي تفوح منها رائحة التسيس والإنحياز الى الشق المعارض للحكومة، لا تدع مجالا للشك في نوايا القيادات النقابية الأمنية التي تضع المؤسسة الأمنية في حرج كبير، جراء رفض نسبة كبيرة مكن الأمنيين تهديدات النقابات لرموز الدولة، خاصة وان الظرف يقتضي الإنصراف التام بل الإنصهار كليا في مخطط الذود عن البلاد والعباد من مخاطر الإرهاب التي اضحت تترصد الجميع بلا استثناء.
يقيني ان اعوان الحرس والأمن والجيش الذين قضوا ثلاثة ايام وليلتين كاملتين وهم يتعقبون اثار الإرهابيين الذين قتلوا زميليهم بقبلاط، في غياب مقصود لوسائل الإعلام التي كانت ستبرز بطولات رجال الأمن على الميدان في ظروف صعبة جدا حيث خاطروا بارواحهم وهم متيقنون ان الموت يترصدهم كل لحظة، هؤلاء الأبطال لم يلقوا بالا لما اتاه زملاؤهم الذين انتخبوهم لينوبوا عنهم في المطالبة بحقوقهم، فاذا بهم يسخرون طاقاتهم وامكانياتهم للدخول في معارك ...لا تعنيهم. 
صحيح ان يوما واحدا لا يكفي للإعتراف بجميل شهداء الوطن من الأمنيين والعسكريين والمدنيين، ولكنها حركة صدرت عن مؤسسة رئاسة الجمهورية، كان بامكان نقابات الأمنيين اسنادها بحركات نبل اضافية تمسح دموع الأرامل واليتامى الذين فقدوا عزيزا عليهم وعائلهم الوحيد فداء للوطن.
ان الكلام الذي قيل في الشهداء كلام جميل نزع البعض من حزن الثكالى، ولكن كان بمقدور الجميع بدء بسلطة الإشراف التمسك بضرورة مصادقة المجلس التاسيسي على قانون تعويض الأمنيين في حال الإستشهاد لفائدة اسرهم الذين ظلموا مرتين، عنما امتدت يد الإرهابيين الجبناء لتحصد ارواح الأبرياء، ثم ظلموا عندما اقدمت المصالح المختصة على ايقاف اجورهم وبالتالي تجويع اطفالهم الذين لم يفهموا كيف يتنكر الوطن لمن فداه بروحه.
صحيح ان الوضع في تونس لا يكفيه يوم حداد او حزن واحد، ولا يمكن ان ننسى جراحنا مهما بكينا وتباكينا على احلام زرعناها ورودا في مسار الثورة التي اغتالتها ايادي ابناءنا في الداخل كما في الخارج، في حروب لا تعنينا، وليس بمقدورنا ان نكفكف دمعة يتيم قطع تعليمه لإنعدام المورد الذي كان يرعاه،...
يوم واحد لا يكفي لتشفى تونس الجريحة...هذا هو شعور عامة الناس في الشارع وفي مواقع العمل،
ولكن الأصح من كل ذلك ان اللقاء "التاريخي " الذي جمع الجمعة المكلف بالشؤون القانونية في الاتحاد الوطني لنقابات قوات الأمن الصحبي الجويني بوفد عن أحزاب المعارضة يتقدّمه رئيس الهيئة السياسية للحزب الجمهوري و الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد زياد الأخضر،خير دليل على انحياز النقابات الى الجالسين على الربوة .
الصحبى الجوينى لم يكتف بما اقدم عليه زملاؤه بل تجاوز كل القيود القانونية ليقول مخاطبا زعماء المعارضة " مستقبلنا بين أيديكم "  وجاءه الرد سريعا حيث  اكّد زعماء المعارضة على ضرورة أن تتم مناقشة ملف الارهاب في الحوار الوطني .
شخصيا لا ارى في مساندة قوى المعارضة لنقابات الأمن التي تجاوزت الخطوط الحمراء بدعوتها منظوريها وكل منخرطيها الى التصعيد في ظرف تحتاج فيه البلاد الى التهدئة، امرا يثير الإستغراب طالما ان معارضتنا، كحكومتنا ، تؤمن بان عدو عدوي هو بالضرورة صديقي.
رحم الله امرئ عرف حدوده  فتوقف عندها.
 
  
 

التعليقات

  • Soumis par قدور (non vérifié) le 21 أكتوبر, 2013 - 16:10
    اختي العزيزة لا تسييس ولا حتى شئ كي الافعال تناسب الحكومة تقول المعارضة الامن موالي للحكومة وكي يكون مخالف يقولوا انقلاب لا المعارضة ولا الحكومة قادرين باش يفهموا الى الامن هوا ملك للجميع وعليهم مساندتهم وتوعيتهم وتوعيتهم ان اخطؤا اش معنى كي المواطننين تظرب الرئيس والحكومة في الجنوب يقولوا ردة فعل اي اشبيه الامن اخطوا نصلحوا بعظنى موش نقصوا عليهم والارهاب مسؤولية الجميع
  • Soumis par صباح توجاني (non vérifié) le 22 أكتوبر, 2013 - 10:43
    شكرا على التفاعل الرصين...الأمن مؤسسة محايدة والأمن جمهوري لا حق له في الدخول في مهاترات السياسيين العقيمة...بماذا تفسر زيارة المجاملة التي قامت بها بعض الأطراف المعارضة الى مقر النقابات الأمنية عشية الجمعة سويعات قليلة اثر الحادثة الأليمة...هل بالشعارات الجوفاء سوف نحل مشاكلنا المستعصية؟؟؟هل يحق بلد في فترة انتقالية حرجة ان يشن امنه اضرابا عن العمل ونحن نقاسي الأمرين من استفحال الإرهاب وتغلغله في كافة الجهات؟؟؟ هل يعقل ان تعود الإضرابات لتضرب قطاعات حيوية لا استغناء عنها ولو للحظة؟؟ تشدو في التوانسة من اليد اللي توجع فيهم

علِّق