ورحلت الخيرة زهيرة سالم

ورحلت الخيرة زهيرة سالم

كانت المغفورة لها بإذن الله زهيرة سالم تشعر بآلام المعوزين والمظلومين وتتألم لآلامهم لأنها نشأت في بيئة متواضعة. وحين أدركت النجومية وتحسنت ظروفها الحياتية كانت لا تتحرج في استعمال علاقاتها لحل مشاكل كل من قصدها لأمر ما او لقضاء حاجة استعصت عليه.

وعلى سبيل الذكر لا الحصر، عندما مرض الملحن الالمعي عبد الحميد ساسي في آخر حياته ولم يجد عائلا واستفحل حاله الصحي والمادي وجد لدى زهيرة سالم "جناح الضل من الرحمة" الى ان فارق الحياة، رحمه الله وطيب ثراه.

وحين كنت طالبا اصطدمت بحاجز الإدارة القاهرة في الثمانينات من القرن الماضي إذ كنت معتبرا "عنصرا مشاغبا"، فوجدت في زهيرة سالم "الرفيق وقت الضيق" إذ اخذتني الى صديقها محمد الصياح، وزير التعليم العالي حينها، لأدرك مبتغايا المتمثل في "إعادة التوجيه" الى المعهد العالي للموسيقى بتونس وكان لهذا التدخل اثرا مصيريا على حياتي إذ أتممت دراستي الموسيقية في تونس لإلتحق بعدها بجامعة الصربون بباريس واتخرج منها دكتورا في تاريخ الموسيقي وعلومها. وسأضل مدينا لله ولها بذلك، كما عهدت. ومزايا زهيرة سالم على اهل الصناعة عديدة وكثيرة ولا يمكن حصرها ومع هذا فقليل هم المعترفون بذلك والجحود ليس بغريب على هذه الديار ولله في خلقه شؤون. تعتبر زهيرة سالم من مطربات جيل فجر الاستقلال، وجدت ضالتها في الإذاعة والتلفزة التونسية وكانت مدينة لهذه المؤسسة الاعلامية العريقة كما كانت غيورة على وطنها الى ابعد الحدود. وقد أدركت زهيرة سالم مشايخ الموسيقى التونسية على غرار خميس الترنان ومحمد التريكي وكبار موسيقيي عصرها على غرار الأستاذ صالح المهدي وأكثرهم براعة على غرار الاخوين رضا واحمد القلعي ومحمد سعادة والطاهر غرسة وعبد الحميد بلعلجية الذي أنجبت منه بهيجة، ابنتها الوحيدة، اثر زيجة انتهت بالطلاق تزوجت بعدها من مهندس الى ان فارقت الحياة.

وحيث أنتجت اغان متنوعة من الحان كبار اهل الصناعة كالسيد شطا وعبد الحميد ساسي فقد أثرت خزينة الإذاعة والتلفزة بما يناسب جيلها من المستمعين من اغراض وجمالية موسيقية. واذ انها لم تكن من المتملقين للذوات من السياسيين والإداريين فقد اختارت أن تفرض نفسها بما لديها من إمكانيات فنية وبدون تكلف إذ كانت لا تساوم في الدفاع على حقوقها وشجاعتها تغنيها عما ألفه غيرها من انبطاحية وكم هم كثر. كانت زهيرة سالم رحمها الله، ثمرة طيبة من مدينة مهدها وأصلها، باجة. "بنت باب الله" كما يقال بالعامية. رحلت دون أن تأذي غيرها وأدركت غاياتها بأنفة ومثابرة وعزم و"نحن في الدنيا حديث بعدنا"

. رحمها الله وغفر لها ولنا وجعلها من أهل الجنة.

بقلم نوفل بن عيسى

التعليقات

علِّق