هيومن رايتس ووتش : اعتقالات سرية وانتهاكات خطيرة ومتزايدة في تونس
قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم الأربعاء 9 فيفري 2022، إن السلطات التونسية تستخدم ما تسميه "الإقامة الجبرية" لإخفاء الاعتقالات السرية بذريعة حالة الطوارئ. تُظهر قضايا المسؤول السابق بوزارة الداخلية فتحي البلدي وآخرين تصعيدا خطيرا في فرض الإجراءات الاستثنائية في ظل حالة الطوارئ.
وأشارت المنظمة، إلى أن الإقامات الجبرية كانت شائعة أصلا في عهد الرئيس السابق الباجي قائد السبسي. لكن ازدادت الانتهاكات في ظل هذا الإجراء الاستثنائي الخارج عن نطاق القضاء منذ أن منح الرئيس قيس سعيّد نفسه سلطات استثنائية في 25 جويلية 2021.
قالت سلسبيل شلالي، مديرة هيومن رايتس ووتش في تونس: "عدم كشف مكان احتجاز شخص ما هو خطوة مقلقة نحو دولة ينعدم فيها القانون، ولا يمكن تبريره مطلقا بحالة الطوارئ التي مُددت بشكل متكرر منذ 2015. على السلطات إنهاء هذه الاعتقالات التعسفية فورا واستخدام السبيل القانوني والشفاف بالكامل للسماح بالطعن القضائي".
وذكرت أن عناصر شرطة بملابس مدنية قد اعتقلوا فتحي البلدي ووزير العدل السابق نور الدين البحيري في 31 جانفي 2022 قرب منزليهما، في ظروف متشابهة، وأُجبروهما على ركوب سيارة الشرطة. اقتيدا إلى وجهتين مجهولتين بدون مذكرة توقيف. في حين يمكث البحيري حاليا في المستشفى جراء تدهور صحته، فإن البلدي محتجز في مكان سري منذ أكثر من شهر.
وقالت عائلتاهما لـمنظمة هيومن رايتس ووتش إنه بعد مرور أكثر من شهر على اعتقالهما، لم يتلقَّ البلدي أو البحيري أي إخطار كتابي بإقامتهما الجبرية. لم تصدر مذكرة توقيف ولم تعلن السلطات عن أي تهمة رسمية ضدهما، متجاوزة الإجراءات القانونية المعتادة.
قالت المحامية لطيفة الحباشي لـ هيومن رايتس ووتش إن البلدي (55 عاما) محتجز في معتمدية برج العامري بولاية منوبة غرب تونس العاصمة. لكن لم يُكشف عن المكان المحدد ولم يتمكن محاموه حتى الآن من مقابلته، رغم طلباتهم المتكررة. يمكن لعائلته فقط زيارته في مركز لـ "الحرس الوطني" في برج العامري.
وقال هشام البلدي، شقيق البلدي، لـ هيومن رايتس ووتش، "نزوره عادةً مرة في الأسبوع بعد تلقي موافقة مسبقة هاتفيا لكي يُنظم نقله من الموقع الإداري المحتجز فيه إلى مركز الحرس الوطني في برج العامري. دائما ما يشرف مسؤول أمني على الزيارات العائلية، ولا يمكننا التحدث حقا عن مكان احتجازه".
قبل نقله، احتُجز البحيري في منزل "مهجور" و"شبه فارغ" في منطقة بنزرت، بحسبما قالت زوجته سعيدة العكرمي لـ هيومن رايتس ووتش نقلا عنه. يمكن لزوجته وأطفاله زيارته في المستشفى، حيث يخضع لمراقبة الشرطة، لكن لم تتم الموافقة على أي من الطلبات التي قدمها فريقه القانوني. قالت زوجته إنه ما يزال يرفض تناول الطعام ويتغذى عبر الوريد.
تمكن ممثلو "الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب" و"مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان" في تونس من تنظيم زيارات مشتركة في يناير/كانون الثاني للبحيري أولا، ثم البلدي. بعد رفض المسؤولين مقابلة البلدي في مركز للحرس الوطني في برج العامري، تم اصطحابهم إلى مكان احتجازه لكن لم يُسمح لهم بالكشف عنه.
استنكر مسؤولو الهيئة الوطنية "ممارسات التعتيم والتعطيل" التي واجهتها في أداء عملها، بما في ذلك في هذين الاعتقالين، اللذين تعتبرهما الهيئة بأنهما تعسفيَّين. هذه الهيئة العامة والمستقلة، التي أُنشئت بموجب القانون رقم 2013-43 المؤرخ 21 أكتوبر 2013، دخلت قيد العمل منذ عام 2016.
أعلنت وزارة الداخلية في بيان صادر في 13 جانفي وضع شخصين آخرين رهن الإقامة الجبرية، أيضا بدون ذكر اسميهما، للاشتباه في "تهديد خطير للأمن العام". احتُجزا بموجب مرسوم الطوارئ عشية الذكرى الـ11 للثورة التونسية، في 13 جانفي، حين كانت السلطات قد حظرت جميع التجمعات العامة لأسباب صحية. ثم أعلن وزير الداخلية، في 17 جانفي، رفع إقامتهما الجبرية، مشيرا إلى إحالة قضيتهما إلى النيابة العامة.
قالت الحباشي، وهي أيضا إحدى محامي الرجلين، بلحسن النقاش ولطفي زديرة، إن قاضي التحقيق في الوحدة القانونية لمكافحة الإرهاب استجوبهما في 18 جانفي ثم أطلق سراحهما في اليوم نفسه. وقالت وزارة الداخلية إن أحد الرجلين يخضع أصلا للتحقيق في "ملفّ ذي صبغة إرهابيّة".
لكن توقيفهما على يد عناصر شرطة بملابس مدنية واحتجازهما في مكان سري لعدة أيام قبل عرض قضيتهما أمام المحكمة شكّلا تجاوزا للإجراءات القانونية. قالت الحباشي نقلا عن النقاش وزديرة إن الرجلين، اللذين ذكرت وسائل إعلام ومواقع التواصل أنهما عضوان في مجموعة "حراك 14-17" المعارضة للرئيس سعيّد، اعتقلا في "مكان إداري" في منطقة باجة بشمال غرب تونس.
وقالت هيومن رايتس ووتش، إن ''السلطات التونسية صعدت إجراءاتها القمعية ضد العديد من معارضيه ومنتقديه منذ أن منح الرئيس نفسه سلطات استثنائية''، مضيفا ''إذ فرضت تعسفا الإقامة الجبرية على العشرات في منازل أو في مناطق محددة مسبقا. لكن في هذه الحالات، تحولت الإقامة الجبرية إلى اعتقال إداري في أماكن غير محددة''.
قالت شلالي: "الإجراءات الاستثنائية التي يتيحها مرسوم الطوارئ يُساء استخدامها ولا رقابة قضائية عليها، ما يجعل شبح الاعتقالات السرية يلوح في الأفق. تقوّض هذه الانتهاكات سلطة النظام القضائي وتمعن في تفتيت مبادئ سيادة القانون".
التعليقات
علِّق