هكذا أرى الأشياء في المستقبل

هكذا أرى الأشياء في المستقبل

الحصري - رأي 

بقلم : الأستاذ محرز بوصيّان  
منذ 14 جانفي 2014 مرت تونس بفترات متقلبة تراوحت بين ما هو صعب إلى ما هو أصعب وبين فترات حرجة وفترات أكثر حرجا . ولكنها تجاوزت ولو جزئيا مخلفات ما حدث ويمكن القول إنها خرجت من عنق الزجاجة نحو أفق أرحب ويستحق أن يكون مبعث أمل وتفاؤل بتوفر العديد من المؤشرات التي تقول إن بلادنا ستعود أحسن وأجمل .
وبكل تأكيد لست متفائلا من فراغ . فقد تعلمت في مدرسة الحياة أن أكون الرجل الواقعي الذي لا تسوقه عاطفة في حكمه على الأمور ونظرته إلى الأشياء. وهذه النظرة بالذات هي بيت القصيد و عصارة الجهد والفكر وزبدة التجربة التي اكتسبتها في حياتي تلميذا وطالبا وقاضيا ومحاميا ورياضيا ... وابن واحد من أكثر الأحياء شعبية في تونس وهو الملاسين ...
وقد يتساءل البعض لماذا أكتب وفي هذا الظرف بالذات عن تونس وعن رؤيتي لتونس ؟. أما الإجابة فهي سهلة وبسيطة وهي أنني أعتبر نفسي اليوم قادرا على المساهمة ولو بالنزر القليل في وضع تصوّر يفيد البلاد والعباد ويسمح بتجاوز الوضع الراهن . وليتأكد الجميع أنني لم أتردد لحظة واحدة في تقديم هذه التصورات لخدمة البلاد من أي موقع مهما كان .
وقبل كل شيء جدير بي أن أسأل : هل فهمنا التونسيين ؟؟. أي هل فهم الذين يرومون العمل السياسي التونسيين حتى يقدموا  خدمة لهؤلاء التونسيين . وقبل الإجابة دعوني أعرض عليكم جملة من الثوابت التي أؤمن بها وتعتبر جزءا من شخصيتي  وإني أرى ضرورة أن تتوفر في كل شخص يروم قيادة تونس من خلال منصب رئيس الجمهورية وهي : البحث الدائم عن الوفاق وحياد رئيس الجمهورية الذي يجب أن يكون بالفعل ريس كل التونسيين وعدم التساهل في تطبيق القانون والتمسك الدائم بالحداثة والتأسيس لثقافة التداول على السلطة وضمان استقلال القضاء وسيادة القرار الوطني . فرئيس الجمهورية على سبيل المثال هو الشخص القادر على تجميع التونسيين وليس تفريقهم ... يلمّ الشمل ويوحّد ويكون المؤتمن على الوفاق المجتمعي والوحدة الوطنية والضامن لسلامة الحياة السياسية ... خادم تونس الأمين وموظف عند الشعب ... وطبعا يجب على الإدارة أن تكون محايدة وأن تتفادى أخطاء الماضي الذي يجب أن نبني على إيجابياته عوض أن ننسفه بكل ما فيه .
ومن أهم المحاور التي أرى وجوب أن أتكلم عنها حقوق الإنسان إذ لا معنى للسياسة أو الديمقراطية في بلد لا يعلي حقوق الإنسان والحريات الأساسية ويقدسها ويؤمن بأنها شاملة أو لا تكون . وليست حقوق الإنسان بمعزل عن مفهوم الدولة أو دولة القانون التي ظلت مجرد شعار صالح للاستهلاك والخطب السياسية لا غير . وإذ أحرص على " إحياء " هذا الشعار فلأنني مؤمن بأننا في حاجة إلى دولة القانون التي تلتزم بالقانون وتنفذه في كنف العدل والمساواة فلا أحد فوق القانون ولا حصانة لفئة أو طائفة أو طبقة أو أسرة . وبكل بساطة أرى أن على المواطن أن يغير نظرته إلى الدولة فيوقّر المؤسسة ولا يخاف الأشخاص وأن يشعر بأن رئيس الدولة ليس أرفع منه إنما مؤسسة الرئاسة فوق الجميع ...كما أن المرحلة القادمة يجب أن تكون تحت شعار عدم التساهل في تطبيق القانون الذي يجب أن يخضع له الجميع دون استثناء وأن ينتفع بمزاياه الجميع دون تمييز . نحن نحتاج إلى هيبة الدولة كي لا يتطاول عليها أحد ... ونحتاج إلى عدلها كي لا يثور عليها أحد . وفي كل هذا يجب أن تتوفر ضمانات يأتي على رأسها القضاء المستقل الذي يمثل درع الحق وحصن العدالة . ويسانده في ذلك جناح العدالة الثاني و الأساسي وأقصد قطاع المحاماة .
ولا يتحقق المبتغى دون المساهمة الفاعلة للمجتمع المدني النشيط والإعلام الحر والأحزاب السياسية وهي الفضاءات الثلاثة التي أرى أن الحياة السياسية السليمة لا تستوي دونها ... وطبعا لا يمكن لي أن أمرّ دون أن أعرّج  على موضوع الساعة أي الإرهاب و رؤيتي الشاملة للإرهاب وتصوري للإستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب  وكل ما من شأنه أن يساهم في اجتثاث هذه الآفة الدخيلة على مجتمعنا والتي تهدد التونسيين جميعا .ولا أخفي أنني أعتبر أن تحقيق الأمن قضيتي الشخصية طالما أنها تشغل بال كل تونسي وتونسية . فالإرهاب في تونس بات واقعا لا يجب الهروب منه بل مواجهته بكل الوسائل المتاحة ... القانونية والأمنية والاجتماعية والدينية والتعليمية وغيرها .
والى جانب هذا كله تبقى مسائل أخرى ذات أهمية بالغة في المجتمع ويجب على النخبة المثقفة ألّا تغفل عنها ومنها بالخصوص مسألة الهوية والحداثة في إطار العالم العربي الذي لم يجد حلّا لهذه المعادلة . إن مشكلتنا في تونس ليست مع الهوية بل في مدى استعدادنا للعيش معا في ظل التنوع واحترام الإرادات الفردية والاختيارات الشخصية .
ولا شك أننا اليوم في حاجة إلى ثورة ثقافية تواكب الثورة السياسية بل تقودها وتوجهها . فالثقافة هي حصن الهوية باعتبارها تشمل السمات المادية والروحية والفكرية والوجدانية للمجتمع.وغير بعيد عن هذا الإطار يجب الحسم في هذا الجدل الذي عاد بعد الثورة بقوة حول المرأة ومكانتها ودورها في المجتمع . لذلك أعتبر أن ما تمت المحافظة عليه في خصوص مكتسبات المرأة مهمّ لكنه غير كاف إذ ما زال الكثير مما يجب فعله في خصوص تمكين المرأة ومناهضة استضعافها واستغلالها وتهميشها .
وعندما نتكلم عن المجتمع التونسي لا يمكن أن نغفل أهم مكوّن فيه وهو الشباب . ولا أخفي شعوري بالألم للوضع الذي وصل إليه الشباب وهو الذي فجّر ثورة لتغيير أوضاعه نحو الأحسن فإذا به بعد أكثر من 3 سنوات يحسّ بأن كافة الأطراف قد تخلت عنه وخذلته ... والشباب ليس بمعزل عن الأسرة التي يجب أن يعاد إليها دورها الطبيعي في المجتمع .والأسرة في تونس لها " فروع " في الخارج ممن أعتبرهم سفراء تونس غير الرسميين وأرى وجوب أن تقطع الأطراف المسؤولة مع النظرة البالية التي تعتبرهم مجرد " رؤوس أموال صغيرة تضخ على البلاد عملة صعبة ".
ومما لا شك فيه أن كل ما تحدثت عنه باختصار لا يمكن أن يتحقق ما لم نسارع بتصحيح الأوضاع والمفاهيم في كل ما يتعلق بالتعليم ووجوب إعادة النظر فيه جوهريا ... وكذلك التنمية التي أرى أنها أساس العدل . وطبعا لا يمكن لأي شخص بمفرده أن ينجز كافة هذه المهام ... بل هذا عمل جماعي  ملقى على عاتق كافة الأطراف التي تريد العمل بصدق من أجل مصلحة تونس .

التعليقات

علِّق