موعد 23 أكتوبر : بين الإحتفال والإحتقان والتهديدات بإفشال الحوار الوطني

موعد 23 أكتوبر : بين الإحتفال والإحتقان والتهديدات بإفشال الحوار الوطني
 
بقلم صباح توجاني المديوني
 
بين الإحتفال والإحتقان، ينطلق اليوم الإربعاء الحوار الوطني في اولى جلساته الرسمية تحت اشراف المنظمات الأربع الراعية له وبمشاركة رؤساء الأحزاب السياسية الذين كانوا وقعوا على خارطة الطريق التي اقترحها الرباعي كحل للأزمة السياسية والإقتصادية والأمنية التي تعصف بالبلاد منذ اغتيال السياسي المعارض محمد البراهمي يوم 25 جويلية الماضي.
وبالتوازي مع انطلاق اجتماعات الحوار، يحي التونسيون الذكرى الثانية لأول انتخابات نزيهة وشفافة تنظمها البلاد بعد ثورة الرابع عشر من جانفي 2011 ، فيما ينزل الألاف الى الشارع الرئيس للعاصمة تونس في مسعى للضغط على حكومة علي العريض ودفعها الى اعلان استقالتها.
في المقابل، قررت رابطات حماية الثورة، وهي خليط من الشباب المتدين والهامشي والعاطل عن العمل وخريجي السجون، النزول الى الشارع ايضا للتصدي لأنصار احزاب المعارضة المتشددة، مما يؤشر لحدوث مواجهات بين ابناء الشعب الواحد الذين فرقت بينهم السياسة بعد ان جمعتهم الثورة ووحدت صفوفهم التي خلنا انها اضحت قوية في مواجهة الإرهاب، الا انها ظلت هشة يسها اختراقها كل حين.
حالة من الخوف تسيطر على القلوب في انتظار ما ستسفر عنه احداث اليوم الذي ستمر ساعاته رتيبة بسبب المسيرات التي قد لا تمر بسلام بعد نزول الغريمين، المعارضة ورابطات حماية الثورة، الى الشارع في نفس التوقيت بنوايا متضاربة.
ولعل التضارب هو السمة الأساسية لكل التظاهرات التي تلتئم اليوم واهمها انطلاق الجلسة الإفتتاحية للحوار الوطني، التي قال عنها نائب رئيس اتحاد الشغل الذي يتزعم الرباعي الراعي للحوار، بان المساعي حثيثة لتقريب وجهات النظر بهدف تجنب "الثغرات" في التوافق بين طرفي النزاع دون ان يخفي خشيته من تؤثر مظاهرات اليوم على ظروف انطلاق الحوار.
لقد بات من شبه المؤكد ان هذا الحوار المنشود والذي طالت فترة مخاضه، من فرط هشاشته، قد يتعرض الى الكسر او النسف نهائيا. بمعنى ان أحزاب الترويكا التي ستجلس اليوم قبالة اعداءها من المعارضة المنضوية تحت ما يسمى " جبهة الإنقاذ"، يعلم الجميع انها تشترط الإنتهاء من المسار التاسيسي قبل اعلان استقالة حكومتها والبدء في التحاور قصد تشكيل حكومة كفاءات مستقلة.
ويعلم الملاحظون السياسيون انه من الصعب هاهنا تشكيل حكومة جديدة في وجود الدستور الصغير اي القانون المنظم للسلط المؤقتة الذي شرعه المجلس التاسيسي في اول خطوة له منذ عامين اثنين، ومع استحالة تغييره في ظرف زمني وجيز، تكون العودة للمجلس التاسيسي لمباركة الحكومة الجديدة ضرورة حتمية قانونيا وتشريعيا.
وهنا مربط الفرس، فالنهضة الحاكمة التي تمتلك الأغلبية في المجلس التاسيسي ب93 عضوا بالإضافة الى اكثر من اربعين عضوا من حزبي المؤتمر والتكتل ، حليفيها في الإئتلاف الحاكم، سوف يكون بيدها الحل والربط ولها مطلق الحرية في المصادقة على التشكيلة الجديدة للحكومة من عدمها.
وقبل هذا وذاك، فان النقاشات والتجاذبات السياسية والمناورات واختلاق المعارك والصراعات الوهمية، وهي عادات دابت عليها النخبة السياسية منذ عامين، لن تصمد امامها ارادة البعض انهاء الحوار او حتى سيره الطبيعي ليفضي الى التوافق المنتظر.
بتعبير اخر، يرى المتتبعون للشان السياسي المحلي، انه من الصعب في ظل هكذا ظروف ان تسير اجتماعت الفرقاء السياسيين سيرا طبيعيا يؤدي الى النتائج المرجوة خاصة وان خارطة الطريق التي هي بالضرورة اهم نتيجة للحوار، قد تم الإمضاء عليها منذ اسابيع دون مناقشة بنودها بندا بندا بما يتماشى ورغبات كل شق  من المتفاوضين.
بعض المحللين السياسيين يعتقدون جازمين ان المعارضة تدخل الحوار بنوايا تحطيمية اي انها تهدف فقط الى اسقاط حكومة الترويكا واقصاء النهضة من المشهد السياسي في مرحلة ثانية، ان وجدت الى ذلك سبيلا، اسوة بما اتاه المصريون ولم يتمكن اعتصام الرحيل منذ ثلاثة اشهر من التوصل اليه برغم الأموال المتدفقة من هنا وهناك.
وبين متفائل بنجاح الحوار ومسلم بفشله قبل ان يبدأ، يعيش التونسيون على وقع اول انتخابات يشاركون فيها بكل حرية وقد ترشحت لها كل الأحزاب السياسية منفردة فضاعت اصوات كان بالإمكان ربحها في حال تم التحالف بين احزاب ذات اتجاهات متقاربة.
ولئن كان المشهد السياسي غير واضح يوم 23 اكتوبر 2011 ، فانه اليوم اكثر ضبابية، بحسب المراقبين، الذين يعتبرون ان الغموض صار يكتنف الساحة السياسية مما ادى الى نفور التونسيين من السياسيين ومهاتراتهم التي لا تنتهي وتقديمهم لمصالحهم الحزبية الضيقة على المصلحة العليا للبلاد والعباد.
فلم يعد اليوم بمقدور اي حزب مهما كان حجمه التنبؤ بفوز عظيم له في الإنتخابات القادمة التي تاخر الإعلان عن موعدها تاخرا فظيعا يوحي بالإرباك الحاصل في المشهد السياسي منذ عامين وتتحمل الطبقة السياسية  داخل السلطة وخارجها وزره بنفس الدرجة.
عامان مرا اليوم على انتخابات الثالث والعشرين من اكتوبر، افرزت فوزا ساحقا لحركة النهضة التي هراتها السلطة وجعلتها تشيخ قبل الأوان، وعلى حد تعبير المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، فان " النهضة لم تكن الضحية الوحيدة لتجربتها القاسية في السلطة، فقدذ حدث ضرر بالغ واكثر فداحة لحليفيها في الترويكا الذين لم يتراجعا فقط في استطلاعات الراي من حيث نوايا التصويت ، بل اتسعت رقعته ليصيب حزب المؤتمر في وحدته بعد ان تجزا الى ارعة احزاب تتشابه في الخطاب لكنها تختلف في التنظيم والممارسة."
ولعله من المفيد هنا الإشارة الى ان موعد الإحتفال بالذكرى الثانية للإنتخابات الذي تريده المعارضة تاريخا لإنتهاء الشرعية ورحيل الترويكا، هو ايضا مناسبة وجب ان تقف عندها احزاب المعارضة سواء منها القديمة او المستجدة كحزب نداء تونس، لتحاسب نفسها عما قدمته للبلاد والعباد وعما انجزته من وعود رمت بها جزافا علها تصيب مقتلا في العدو الذي يمسك بزمام السلطة ولم يرض عنها بديلا.
ان المسار الإنتقالي الذي طال عمره اكثر من اللازم فاضر بالناس والأزمة السياسية التي اربكت الفرقاء السياسيين واسقطت حساباتهم في الماء، والأزمة الإقتصادية التي عصفت بالإقتصاد العليل اصلا، والأزمة الأمنية التي جعلت البلاد مرتعا للإرهابيين يصولون ويجولون ويقتلون كيفما شاؤوا، كلها عوامل تدعو بكل الحاح طرفي النزاع، الحكومة والمعارضة، الى المزيد من التنازل والترفع عن التجاذبات والصراعات" الدنكشوطية" وتجنب اختلاق المعارك الوهمية، حتى يكون الحوار الوطني فضاء للتوافق بحق لا لمزيد تعميق جراح التونسيين في هذه المرحلة الحرجة من تاريخهم.
ان التونسيين الذين سيخرجون اليوم الى الشارع سواء انتموا الى شق المعارضة ا والى شق رابطات حماية الثورة، هم المسؤولون عما ستؤول اليه الأوضاع، فلا مجال لرمي الكرة في مرمى السلطة التي تنصرف الى مناقشة مصيرها مع حلفاءها واعداءها برعاية اتحاد الشغل الذي يراهن هو الأخر اليوم على مصداقيته...ان الذهاب بعيدا نحو المجهول لا يرضي من في نفسه القليل من الوطنية وحب البلاد، فهذه ليست شعارات ترفع في المنابر، انما مشاعر حقيقية هي التي ستحفظ تونس من السيناريوهات السوداء الأخرى..فلا خيار الا بالتوافق ولا توافق الا بالحوار...ولا حوار الا بالتنازل...
 

التعليقات

علِّق